الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وزارة جديدة للقوة الناعمة للدولة المصرية "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عكفنا فى «المركز العربى للبحوث والدراسات» برئاسة المفكر الأستاذ نبيل عبدالفتاح على إعداد دراسات متعددة تغطى المحور الرئيسى للدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وقد نشر المركز ملفًا كاملًا، يتضمن هذه الدراسات المتميزة التى أعدها خبراء المركز فى عدد نوفمبر الماضى من مجلة «آفاق سياسية» التى يُصدرها المركز، كما عاودت صحيفة «البوابة» وموقع «البوابة نيوز» نشر هذه الدراسات بالتزامن مع بدء فعاليات معرض الكتاب الحالى، وبالتوافق مع مشاركة خبراء المركز كمتحدثين رئيسيين فى ندوات المعرض التى تغطى المحور الرئيس للندوات فى معرض هذا العام.. قليل هى مراكز البحوث التى تُعنى بقضايا الوطن، وتحاول أن تُنْتِجَ فكرًا وعلمًا نافعين يساهمان فى نهضته.
وفى ندوة «الثورة الرقمية وتحولات القوى الناعمة» التى عُقدت الثلاثاء الماضى وقمت بإدارتها والتحدث فيها، ذكرت أن الثورة الرقمية فى عصرنا الحالى أصبحت تُوظف لصالح دولٍ بعينها، ضد مصالح دولٍ أخرى، وأصبحت الثورة الرقمية أحد مصادر القوة الناعمة التى تُعتبرو أحد مصادر السيطرة لعددٍ من الدول لإجبار دولٍ أخرى على انتهاج سلوكيات معينة دون استخدام القوة الصُلبة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت الثورة الرقمية كإحدى وسائل القوة الناعمة لتدمير القوى السياسية لعدد من الدول، للسيطرة على شعوب العالم، لتدمير الحياة السياسية فى هذه الدول، وهذا ما اتضح من خلال وسائل الإعلام الأمريكية التى لا تتناول أى أخبار متعلقة بقارة أفريقيا سوى الأخبار السلبية المتعلقة بالمجاعات والحروب والصراعات.
لقد طورت الولايات المتحدة بعد الثورة الرقمية من أساليبها للسيطرة على العالم، من خلال تأسيس شبكة الإنترنت وتضمينها لمفاهيم الليبرالية والديمقراطية بالمفهوم الأمريكى، لإحداث تغيير فى أنظمة الحكم فى دول العالم الثالث بالطريقة التى تريدها الولايات المتحدة، دون تدخل للقوة الصُلبة أو العسكرية لإحداث هذا التغيير، وهو ما يندرج تحت مفهوم حروب الجيل الرابع.
وقد كَشَفْتُ فى هذه الندوة عن خطة أمريكية متكاملة تسعى من خلالها واشنطن لـ«عولمة» خِدمات الإنترنت من خلال توفير تلك الخدمة لأى دولة فى العالم من خارج حدودها باستخدام شبكة من الأقمار الصناعية لتوصيل خدمة الإنترنت إلى كل دول العالم، متخطيةً أنظمة الاتصالات المحلية فى كل دولة على حدة، وقدرة الدولة على التحكم فى الاتصالات داخل حدودها، بما فى ذلك تلاشى قدرة الدول على حجب المواقع التى تهدد كيان هذه الدول؛ فالمواطن فى مصر - على سبيل المثال - مع تنفيذ هذا المخطط يستطيع الحصول على الإنترنت من الولايات المتحدة مباشرة دون استخدام «خوادم الإنترنت» Servers داخل مصر. وتسعى الخارجية الأمريكية من خلال هذه الخطة لإتاحة خدمة الإنترنت لجميع دول العالم بشكل مجانى تمامًا، لتتمكن من تحقيق أهدافها فى اختراق دول العالم الثالث.
ونَوَهْتُ إلى أن ثورة ٢٥ يناير لم تكن لتحدث دون توافر الأرضية الخصبة من تراجع المجالات السياسية والاقتصادية فى أواخر عصر مبارك، إلا أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى قد تم استخدامهما لتحقيق الأهداف الأمريكية بإطلاق شرارة الثورة فى مصر وثورات الربيع العربى بشكل عام، والتى كان بعض النشطاء، الذين شاركوا فيها عملاء تم توظيفهم لتحقيق أهدافٍ أمريكية.
ولعل هذا الأمر هو الذى أدى إلى تعامل عددٍ من الدول على مستوى العالم بحذرٍ نظرًا للتأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعى الأمريكية، مثل الصين وكوريا الشمالية، وهما يعتمدان على مواقع تواصل اجتماعى محلية، ولم تلجأ هذه الدول مطلقًا لمواقع التواصل الاجتماعى الأمريكية.
وأوضحتُ أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعى الأمريكية فى أعمال التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش» الإرهابى لم يكن من قبيل الصُدفة، ولكنه كان مقصودًا من قَبَلِ الولايات المتحدة الأمريكية، لصناعة جماعات إرهابية تتوافق مع عصر ما بعد الحداثة، لتأجيجِ الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية لصالح الكيان الصهيونى فى المنطقة العربية.
وقال الدكتور جلال الجميعى أستاذ الكيمياء بكلية العلوم جامعة حلوان والحائز على جائزة النيل فى العلوم الأساسية إن الثورة الرقمية والإلكترونية تُعتبر أحد مصادر القوة لبعض الدول الكبرى الآن، والذى تستخدمه فى أغراضٍ عديدة لممارسة السيطرة على الدول الأخرى، وهذا المفهوم يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت الدول تسعى إلى امتلاك العلم والتكنولوجيا حتى تتمكن من السيطرة على الاقتصاد، وإحداث التقدم الاقتصادى.
وأضاف أن استخدام الدول واعتمادها بشكلٍ كامل على الإنترنت والوسائل الإلكترونية، يجعل من الصعب جدًا أن تتنازل الدول أو تقرر أن تعمل أو تدير شئونها بمنأى عن هذه الأنظمة الحديثة، وهذا كان بداية انتباه بعض الدول لأهمية الإنترنت واستخدامها فى أغراضٍ سياسية والسيطرة على دولٍ أخرى. وأشار إلى أن بعض الدول تستخدم الإنترنت لنشر شائعات حول دول أخرى لإضعافها، أو نشر معلوماتٍ عسكرية تفيد إرهابيين فى صناعة الأسلحة للإضرار بمصالح دول أخرى.
وأوضح د. الجميعى أن أكبر مساوئ الإنترنت تمكينُها لبعضِ الدول من السيطرة على العقول وخاصةً الشباب لخلقِ جيلٍ لديه أفكار مغلوطة ومتطرفة لهدم الدول الأخرى، دون أن تُكلف نفسها عناء التدخلات العسكرية. ولفت إلى أن احتلال الدول لم يعد يحتاج جيوشًا، فالسيطرة على الأرض تكلفُ أموالًا وعتادًا وجنودًا، ولكن الأمر الآن أصبح أسهل من خلال السيطرة على الأفراد داخل الدولة من خلال أفكارٍ معينة تحدد اتجاهاتهم وتجعلهم يتصرفون بطريقة تعادى دولتهم، التى يعيشون فيها لصالح دوٍل أخرى تمكنت من السيطرة عليهم عبر الإنترنت.
وقال د. الجميعى إننا نحتاج فى مصر تصحيح الصور المغلوطة عنا على الإنترنت، ونشر حضارتنا وثقافتنا، واعتبارها معركةً يجب أن تخوضها الدولة المصرية لا تقل عن معركة الجيش فى محاربة الإرهاب ومعركة الدولة للنهوض الاقتصادي.
وذكر الأستاذ نبيل الطاروطى، رئيس تحرير مجلة «لغة العصر» فى مداخلته، أن القوة الناعمة تستخدمها الدول لتحقيق أهدافها الاستراتيجية إلى جانب القوة الصُلبة. وأضاف أن مصر حققت بعضَ الأهداف من خلال استخدامها للقوة الناعمة، وكان خيرُ دليل على ذلك هو فكرة «القومية العربية» التى أسسها الزعيم جمال عبدالناصر، وظلت تعيش داخل وجدان كل عربي. وأشار إلى أن القوة الناعمة والصُلبة تم استخدامهما لاسترداد كل شبر من سيناء باستخدام المفاوضات بعد استخدام القوة العسكرية فى تحقيق نصر أكتوبر المجيد.
وأوضح الطاروطى أن تنامى وسائل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى أدى إلى ظهور ثورات الربيع العربيى بسبب احتكار الحكومات العربية للمعلومات طوال الوقت، فلم يكن لدى الشعوب العربية القدرة على التعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات، الأمر الذى مكن الدول الخارجية من استخدام السوشيال ميديا لهدم المجتمعات العربية من خلال تطبيق مفهوم «الفوضى الخلاقة».
إن الدولة المصرية فى حاجة ملحة الآن إلى أن تنتقل من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم باستخدام المقومات الأساسية لقوتها الناعمة، ومن أجل هذا طرحتُ فى الندوة ضرورةَ استحداث وزارةٍ جديدة للقوة الناعمة للدولة المصرية فى التشكيل الوزارى، الذى يعقُب الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما نتحدثُ عنه فى المقال المقبل بإذن الله.