"البوكوفيسكي الجديد" هذا اللقب الذي يطارد الشاعر الفلسطيني مهيب البرغوثي، لم يأت من سلطة فوقية يقودها نخبة من نقاد أو صحفيين كعادة الألقاب دائما، بل تردد بمقاهي وسط البلد بالقاهرة بعد تداول بعض الشباب المصريين لقصائده ؛ ربما اللقب يدفع البعض للتفتيش حول سبل التشابه بين ذلك الشاعر الفلسطيني المعاصر وبين نظيره الأمريكي الراحل فبخلاف التشابه في ملامح الوجه ثمة روابط دفينة في روح تجربتهما الشعرية.
"مهيب" أحد أبرز شعراء جيل الثمانينات من الشعراء الفلسطينيين لكن القارئ لأشعاره لم يلمح أية نزعات تضع شعره بالقرب من سمات الشعر الفلسطيني فهو لا يصف القبرات ولا بيارات الليمون أو حدائق الزيتون كما اعتاد الشعر الفلسطيني إبراز تلك الصور؛ لكن همه الشعري هم إنساني وعام؛ يستطيع القارئ أن يستعرض مثلا قصيدته "السماء ملأى بالأعشاب" من ديوانه الصادر في العام 2015 إذ يقول: "أي صديقي/ هل الأرض ستدوم بالعواء ؟/ أم سيسرق البحر أحلامنا؟/ لتبدو السماء ملأى بالأعشاب/ صديقي/ أين أنت؟/ اني أخاف الاشياء المألوفة/ حين يتعالى صوت الموت في الطرقات/ صديقي/ عن أي مشنقةٍ سقطت/ وأي موت أوصلك لهذه الأرض الخراب؟"؛ فيستشف تلك النزعة الإنسانية البعيدة عن أية عرقيات أو تحزبات وربما هذا رابط قوي بينه وبين شعر بوكوفيسكي الجانح للإنسان دائما مع اختلاف أساليب التعبير.
ربما لم يرض مهيب عن ذلك اللقب الذي دشنه الشباب المصريون لكنه في نفس الوقت لم يندد بسقوطه حيث أنه من الشعراء القليلين الذين لا يرغبون في ممارسة أي مظهر من مظاهر الفاشية ضد آراء قرائهم؛ لكن مهيب البرغوثي هو مهيب البرغوثي وله ديوان بعنوان "كأني أشبهني" فهو هو بنزعته الإنسانية وذاته المعذبة بالهم العام دائما ومفراداته وصوره المتماسة مع مشاهد من واقع البسطاء والناس عموما فهو شاعر يبتسم لمن يصلح إطارات السيارات المسروقة؛ كما تغنى بذلك في إحدى قصائده.
أصبح مهيب البرغوثي من الوجوه المرتبطة دائما بمعرض القاهرة الدولي للكتاب؛ فما دورة تأت حتى يبحث قرائه بمصر عن أمسية له أو حفل توقيع أو ندوة نقاشية أو جلسة على مقهى يدلل فيها قصيدة النثر ويعلن عن تعصبه للشعر وتسييده على سائر الفنون وينتصر للشعب ضد السلطة الغاشمة ويتحدث عن ذكرياته مع كبار الشعراء والكتاب ورحلاته في بلدان العالم ومشاركاته التي لا حصر لها في تظاهرات ضد الكيان الصهيوني المحتل أو ضد حادثة آثمة ارتكبتها السلطة ويكشر عن أنيابه لكل مظاهر الفاشية الخانقة لحياة الناس فيلعن التيارات الدينية المتشددة ويتغنى مرحا بألحان الحرية.
"مهيب" يحضر بقوة حاليا في الدورة الــ49 من معرض القاهرة الدولي؛ والتي شهدت حفل توقيع ومناقشة لأحدث دواوينه الشعرية "حقوق موت محفوظة" الصادر عن دار الأهلية للنشر، وسط حضور محبيه وأصدقائه من كافة أنحاء الوطن العربي؛ في مشهد يعكس ترحيب القاهرة بمهيب كما رحبت من قبل بأعمال تشارلز بوكوفيسكي في مكتباتها.
