الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"داعش" يعلن إفلاسه ماليًا.. الآثار والنفط والغنائم.. مصادر تمويل خسرها التنظيم.. التبرعات وأسر الرهائن وتهريب السلاح 3 بدائل للخروج من الأزمة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم أن تنظيم «داعش» الإرهابى، تلقى ضربة قاصمة بخسارته مصادر تمويله الرئيسية، وعلى رأسها النفط والآثار، عقب فقدانه السيطرة على الموصل العراقية والرقة السورية، اللتين كانتا بمثابة كنز استراتيجى لإقامة دولته المزعومة، إلا أنه سرعان ما بحث عن بدائل جديدة لملء خزينته الفارغة، والتى كان من أبرزها، التبرعات، وفك أسر الرهائن مقابل مبالغ طائلة، بالإضافة إلى بيع ما تبقى بحوزته من قطع أثرية، مقابل مبالغ طائلة، وهو ما يدق ناقوس الخطر، بأن هذا التنظيم قد يعود من جديد، وبشكل أكثر شراسة عما سبق
فالمال عصب استمرار داعش، حيث يمول عملياته العسكرية، وشراء الأسلحة والمواد المتفجرة، والإنفاق على المواقع الإعلامية، وكذلك يدفع رواتب عناصره والمسلحين المنتمين إليه، ولذا فإن أى نجاح للتنظيم فى إيجاد مصادر بديلة لتمويل حروبه وعملياته الإرهابية، يعنى فشل الجهود، التى بذلها المجتمع الدولى طيلة السنوات الماضية لوقف خطر هذا التنظيم، وغيره من التنظيمات الإرهابية.

الآثار والنفط والغنائم.. مصادر تمويل خسرها التنظيم
وكان التنظيم اعتمد على موارد أساسية للتمويل، للتوسع فى عملياته، وإقامة دولته المزعومة، من بينها «التجارة فى النفط والآثار، والضرائب، وغنائم الحروب وفرض الإتاوات، والجباية من أموال الزكاة».
وبعد خسارة التنظيم الإرهابى معظم الأراضي، التى كان يسيطر عليها، بالعراق وسوريا، كثف، وتحديدًا منذ أكتوبر من العام المنصرم، من نشر العديد من البيانات عبر منابره الإعلامية، التى تختص بجمع التبرعات المالية العينية، كى يدفع رواتب عناصره، للاستمرار فى القتال، وركز فى هذا الصدد على الخطاب العاطفي، بدعوى معالجة عناصره الجرحى جراء الحروب.
وبالنظر إلى أن التجارة فى النفط والآثار كانت من المصادر الأولى لداعش لزيادة خزينته المالية، وصرف الرواتب على عناصره، وجذب العديد من العناصر الجدد، فقد تلقى التنظيم ضربة موجعة عقب فقدانه السيطرة على الموصل العراقية والرقة السورية، واللتين كانت يتوفر بهما النفط والآثار، ولذا وقع الاختيار عليهما منذ البداية، كعاصمتين لدولة الخلافة المزعومة.
ويبدو أن الظروف خدمت فى البداية التنظيم الإرهابى فى تعزيز مصادر تمويله، إذ استغل حالة الفوضى بعد ثورات الربيع العربي، وسرق خيرات من الدول التى تواجد بها، مثل: سوريا، والعراق، وليبيا، والتى كانت تعتمد بشكل كبير على النفط كجزء أساسى من اقتصادها الداخلي.
ولم يفوت التنظيم أيضا فرصة الاستياء الشعبى من تدهور الأوضاع الاقتصادية فى هذه البلدان وغيرها، وقام بإغراء بعض شبابها بالأموال التى سيطر عليها من جراء التجارة فى النفط والآثار، وفرض الإتاوات، والضرائب وغيرها، والتى اعتمد عليها اعتمادًا كليًا فى تعزيز نفوذه.
وكان أهم ما يميز تنظيم داعش عن غيره من التنظيمات الإرهابية، أنه استطاع أيضا أن يصنع لنفسه موارده المالية الخاصة، إذ تعمد السيطرة على مناطق غنية بالنفط، وبيع الكهرباء، وصفقات الرهائن، وكذلك عمليات السطو والاستيلاء، مثلما حدث مع البنك المركزى فى الموصل فى شمال العراق بعد السيطرة عليها، وغيرها من الأعمال، التى استطاع التنظيم من خلالها أن ينشئ ثروته الخاصة.

جمع الأموال بالقوة 
وتعمد التنظيم أيضا تقديم بعض الخدمات البسيطة للسكان فى المناطق التى يسيطر عليها، ليقنعهم بأنه دولة، ويوثق ذلك إعلاميا، وينشرها على أنها إنجازات للتنظيم، لكن المخفى أنها ممولة بأموال السكان، خاصة أنه كان يفرض إتاوات وضرائب على غير المسلمين، ومن لم يعملوا معه.
وجاء فى تقرير أعدته صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، أن «داعش» حقق إيرادات كبيرة عن طريق فرض الضرائب وعمليات المصادرة والابتزاز، وجمع الإتاوات من التجار وأصحاب المحلات، تعادل ما يحصل عليه من تهريب النفط الخام، لافتة إلى أن الإيرادات النفطية تشكل ظاهريا أكبر مصادر تمويل التنظيم، إلا أن ما جناه من الضرائب والبضائع والمواد التى صادرها جعلت حركة الاقتصاد الذى يديره مستمرة، حتى لو نجحت خطط الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا فى ضرب عمليات إنتاج وتهريب النفط الخام، الذى يقوم به.
وحسب الأماكن، التى كان يسيطر عليها، تنوعت موارد التنظيم الإرهابي، والتى كانت تتراوح بين بيع النفط، وصولا إلى تأجير ممتلكات «غير المسلمين»، علاوة على ضرائب يفرضها على السكان، أموال يطلق عليها وصف «الزكاة»، بالإضافة إلى الغنائم التى يجنيها التنظيم من معاركه، وممارسة عمليات سرقة ممنهجة بحق كل من يعارضه أو يختلف معه، كما اعتمد التنظيم الإرهابى على المخالفات المرورية، بالإضافة إلى المخالفات الشرعية التى حولها إلى مخالفات مالية كعدم لبس المرأة للباس الشرعي، كما لجأ التنظيم إلى فرض الضرائب على المدنيين بشكل عام، وسرقة المنازل وتأجير الأراضى العامة والخاصة، والأبنية التى استولى عليها، بمبالغ طائلة، بالإضافة إلى عدد من العقارات التى استولى عليها من أصحابها، بحجة أنهم من «المرتدين أو الصحوات أو يتبعون الديانة المسيحية»، وفق معتقداته.

حقول النفط
وكانت حقول النفط واحدة من المصادر الأساسية للتنظيم الإرهابي، التى وضع عينيه عليها، عقب إعلان خلافته المزعومة، فى العراق وسوريا، حيث سيطر على كل حقول النفط الأساسية فى سوريا، بما فى ذلك حقل العمر فى شرق سوريا، الذى يعتبر أكبر حقول النفط فى هذه الدولة، وينتج (٧٥) ألف برميل فى اليوم، إضافة إلى حقول الثورة والجبسة وكونيكو والجفرة فى شرق سوريا أيضا، كما سيطر على حقول نفط صغيرة فى مدن صلاح الدين وديالى والعجيل وحرمين بالعراق، وقام بالتجارة فيها محليًا وخارجيًا، وكان يجمع مبالغ طائلة جراء التجارة فيها، فضلًا عن سيطرته على مناجم الذهب فى الموصل.
الجباية من الزكاة
ووفق عقيدة التنظيم الإرهابي، اتجه أيضا نحو أحد أركان الإسلام «الزكاة»، التى بدأ فى العمل عليها وفق مفهومه التكفيرى وما يتوافق مع مصالحه، حيث دعت المنابر الإعلامية والقنوات الخاصة به، وأبواقه عبر المساجد، إلى فرض الزكاة، وحثت المسلمين المتواجدين فى أماكن سيطرته على جمع أموال الزكاة والصدقات، وتوجيهها لتأييد ما سماه «الجهاد والمقاومة وصرفها على العناصر الموجودين على جبهات القتال»؛ حيث قام بجمع العديد من الأموال عن طريق الركن الإسلامى بطرق غير شرعية ولا تمت للدين الإسلامى بصلة.

الاستيلاء على البنوك 
لم يتوقف التنظيم الإرهابى عند هذا الحد، بل لجأ أيضا إلى السطو على البنوك والاستيلاء على الأموال المتواجدة فيها، بحجة أنها غنيمة؛ حيث قام بالسطو على البنك المركزى ومخزونه من الذهب والنقد فى مدينة الموصل شمالى العراق، وتمكن من الاستيلاء على أكثر من نصف مليار دولار من النقد، بالإضافة إلى فرض الضرائب والإتاوات التى وضعها على التجار والمزارعين، والمواطنين الأثرياء، وفرض الجزية على غير المسلمين، وفرض كذلك ضرائب شهرية على الشركات والمؤسسات المحلية قدرت بالملايين.
غنائم الحروب
كانت أيضا واحدة من المصادر المعلومة بجوار جباية الزكاة وفرض الضرائب التى اعتمد عليها داعش، سواء من خلال الأسلحة التى يحصل عليها عقب هجومه على الكمائن أو مخازن الأسلحة، جراء العمليات العسكرية التى كان يقوم بها، بالإضافة إلى قيامه بالسطو على منشآت حكومية، والتى يعتبرها التنظيم غنائم حربية، وفق فكره التكفيري.

العملة الداعشية 
وفى محاولة للترويج لدولته المزعومة، أقدم التنظيم الإرهابى أيضا على صك عملة معدنية جديدة، أطلق عليها اسم الدينار، وأعلن عن عملته المعدنية الجديدة بالذهب والفضة والنحاس، ليتم التعامل بها بالمناطق الخاضعة لسيطرته فى سوريا والعراق، ونشر بيانًا فى ذلك الوقت، وقعه ما يعرف لديه بـ«ديوان بيت المال»، قال فيه: «بناء على توجيه أمير المؤمنين سيتم بإذن الله صك العملة من الذهب والفضة والنحاس وعلى فئات عدة»، لافتًا إلى أنه استخدم رموزا من بينها السنابل التى ترمز إلى بركة الإنفاق.
وقام التنظيم الإرهابى كذلك بنشر صور لنماذج من العملات المعدنية التى طبعت على أحد وجهيها عبارتا «الدولة الإسلامية» و«خلافة على منهاج النبوة»، مع تحديد لوزنها وقيمتها.
وأجبر التنظيم الإرهابى عناصره والسكان فى مناطقه على التعامل بتلك العملة الجديدة؛ حيث قام بحصر بيع النفط للتجار مقابل «الدينار الذهبي»، والذى يقوم التنظيم ببيعه لمحال الصرافة، مقابل ١٩٠ دولارا للدينار الواحد الذى يصل وزنه لنحو أربعة ونصف جرام، وبدورها تقوم محلات الصرافة ببيعه للتجار مقابل ١٩٠.٥ دولارا للدينار الواحد، إلا أن هذه العملية، بعد مرور مدة، لم تلق رواجا كبيرا، نظرًا لما تعرض له التنظيم الإرهابى من خسائر جمة

3 بدائل للخروج من الأزمة المالية
وقال خبراء، إن رغم اعتماد داعش فى بدايات ظهوره، على الحقول النفطية والآثار وغيرها، كمصدر أساسى لتمويل حروبه، فإنه فقد هذا التمويل فى الآونة الأخيرة عقب الهزائم التى تعرض لها، وبدأ يبحث عن مصادر جديدة للتمويل منها جمع التبرعات.
وقال هشام النجار، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية بمركز «الأهرام» للدراسات، إن تنظيم «داعش» الإرهابى فقد جميع مصادر تمويله، وبدأ يسعى لخلق مصدر آخر للتمويل.
وأضاف النجار لـ«البوابة»، أن تنظيم «داعش» أوشك على الانهيار، وهو الآن يصارع حتى لا ينتهي، لكنه سينتهى فى وقت من الأوقات.
وتابع، أن تنظيم «داعش» الإرهابى أغلقت فى وجهه جميع مصادر التمويل، التى كان يعتمد عليها فى الحروب الإرهابية، التى كان يشنها على المدنيين العزل بسوريا والعراق.
وأضاف: «التبرعات هى السبيل الوحيد لتنظيم داعش وعناصره الموجودين فى سوريا والعراق بالوقت الحالي، خاصة أن عددا كبيرا من العناصر التابعة له فرت إلى بلادها الأصلية، وأغلبهم أجانب وأصحاب أموال طائلة، وبعض الدول الأوروبية لم تستطع أن تحجر على أموال هؤلاء الأشخاص، وذلك لأن أغلبهم يكون متخفيا، ومعه أكثر من جواز سفر وبطاقة شخصية».
وأشار «النجار»، إلى أن عناصر تنظيم «داعش» العائدين إلى بلادهم، ٧٠٪ منهم، لديهم مليارات وعقارات ومشروعات كبرى فى بلادهم، وبالتالى تعتمد عليهم قيادات التنظيم فى الوقت الراهن، وهذا هو مصدر تمويل «داعش» الجديد، خاصة عقب خسارته جميع مصادر تمويله.
ولفت، إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابى كان يحصل على التمويل من عدة جهات، حيث كان يحصل على دعم مالى كبير من دولتى تركيا وإيران، بالإضافة إلى مبيعات النفط الذى كان يبيعه من الآبار الموجودة فى المناطق التى كان يسيطر عليها بالعراق.
وتابع: «خلال السنوات السابقة، استطاع داعش أن يحصل على ما يقرب من ٥٥٠ مليون دولار من عائدات النفط العراقى والسوري، الذى كان يبيعه لشبكات تهريب تركية وإيرانية».
واستطرد «داعش كان يسيطر على مجموعة حقول نفطية كبيرة فى العراق، لكنه فقدها جميعها بسبب قصف التحالف الدولي، وهذا تسبب فى فقدان تنظيم داعش لـ٦٠٪ من مصدر دخله أو تمويله، وكل هذه الأمور حدثت فى الشهور الأخيرة من عام ٢٠١٧، ذلك بالإضافة إلى الحقول الأخرى التى استطاعت الحكومة العراقية أن تستعيدها من قبضة التنظيم».
وأشار النجار إلى أن تنظيم «داعش» الإرهابى سيفعل الآن مجموعة أمور تجعله يتخطى الأزمة المالية، التى وقع فيها، منها أنه سوف يعتمد على تبرعات عناصره الأثرياء، ثانيًا، سيقوم بفك أسر بعض الرهائن فى العراق وسوريا، مقابل حصوله على أموال طائلة، ثالثًا، من المحتمل أنه سيستغل الثغرات الأمنية عبر الحدود، ويقوم بتهريب السلاح، الذى كان بحوزة مقاتليه الفارين، وبيعه.
واستطرد «التنظيم من الممكن أيضا أن يقوم ببيع ما تبقى بحوزته من آثار تاريخية تعود للعراق وسوريا؛ لأنه عن طريق بيع تلك الآثار، يستطيع أن يدخل فى حساباته البنكية مليارات الدولارات، وهذه الحيلة قد تكون البديل الأنسب له بالوقت الحالي».
وبدوره، قال نبيل نعيم، القيادى السابق بتنظيم «الجهاد»، إن تنظيم «داعش» الإرهابى أوشك على الانهيار بسبب فقدانه جميع مصادر تمويله، بعد خسارته جميع معاقله فى سوريا والعراق.
وأضاف نعيم فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن تنظيم «داعش» الإرهابى كان يحصل على مبالغ طائلة من قطر وتركيا، فكلاهما كانوا يدفعون رواتب العناصر ويوفرون جميع الاحتياجات التى يحتاجها التنظيم بداية من الطعام إلى السلاح والمعدات العسكرية، التى كان يستخدمها فى العمليات الإرهابية.
وأشار القيادى السابق فى تنظيم «الجهاد»، إلى أن كلًا من تركيا وقطر عزفتا مؤخرا عن دفع الأموال لتنظيم «داعش»؛ لأنهما أدركتا أنه خسر جميع معاقله ولأنه أصبح ضعيفا، فبدأت الدولتان تخشى على أموالهما من الضياع.
وواصل «تنظيم داعش، خلال السنوات السابقة، استطاع أن يجنى أموالا طائلة بسبب حقول البترول، التى كان يُسيطر عليها، ففى كثير من الأحيان كان ينتج التنظيم ما يقرب من ١٠ براميل نفط، وكان يصدرهم لتركيا ويأخذ مقابل ذلك أموالا كثيرة.
ولفت إلى أن «داعش» لن يستمر كثيرًا، وخلال الأيام المقبلة سوف ينهار ولن يتبقى منه شيء، خاصة أن قوات التحالف الدولى فى سوريا تشن غارات جوية عليه وتقصفه، وهو الآن محاصر.