الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لو لم يكن الإنسان قد سأل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعيش فى عصر يصعب فيه على الإنسان أن يتساءل عن ما يعتبره كل من حوله من البديهيات. أصبحت تلك الأشياء بديهية لأنّه تلقى الإجابة عنها منذ طفولته مع التأكيد على عدم طرح السؤال مجددًا لمنع الصُداع عن مقدّمى الإجابات بالطبع.
سأل الإنسان منذ القِدم، ما تلك الكرة المضيئة فى السماء؟ من أين تأتى وكيف تحّل محلّها كرة بيضاء أصغر وأقلّ هيّبة وإشعاعًا؟ تسآءل الإنسان عن كلّ شىء حتى وصل إلى الأساطير، ثمّ إلى الفلسفة التى علّمتنا التفكير المنطقى بادئ ذى بدء، ثمّ الأديان التى عرفت التوحيد، ثمّ إلى العلم الذى كان هدفه الأساسى هو الإجابة عن الأسئلة بشكل قطعى ولو كانت الإجابات «الجاهزة» موجودة.
عرف الإنسان من أين تأتى الشمس وإلى أين تذهب، ما القمر وكيف يضىء. عرف الإنسان أن يتوقف عن تخيّل الأرض ومدى اتساعها شمالًا وجنوبًا حيث يستطع الآن فى حياته أن يراها كلّها عدة مرّات، فلا يستصغر نفسه فيها مجددًا.
لم يجب العلم عن كل الأسئلة التى سألها الإنسان، وربما يكون هناك ما ليس مُتاحا للإنسان معرفته أبدًا، لكن الإنسان بدون سؤال لا يفرقه عن القرد الذى يتبع عشيرته لتقليده لكل ما يراه منذ ولادته بدون طرح أسئلة عن شىء.
ولو كانت الإجابات موجودة فى العلم أو الدين، لا يعنى ذلك ألا نطرحها مجددًا ونحاول الوصول إليها بأنفسنا. إذا تسآءل إنسان عن مدى صحة دائرية الأرض، فليجرّب الوصول إلى إيران مرة متجهًا نحو الشرق، ومرة من جهة الغرب ليرى بنفسه إن كانت مسطحة أو لا.
لم يكن ليعرف الإنسان عن وجود الله شيئًا دون استخدام عقله فى التسآؤل عن شعوره المتواصل بأنّه غريب عن تلك الأرض، وأن هنالك شيئا أقوى منّه يتحكم به. شعر الإنسان البدائى أنّه خائف، خائف لأنه لا يعرف، والإنسان إذا سأل فيجب أن يعرف وألا يصاب بالجنون. خاف من الرعد فخلق فى عقله أسطورة الثور ذى المطرقة، إله الرعد، لكى يريح نفسه من عناء عدم الفهم. سأل الإنسان لماذا يشعر وكأنه إلهً على تلك الأرض فيما هو مُرهق وضعيف، وكيف يستطيع التحكم فى الطبيعة لصالحه، بينما قد تدّمره فى لحظة ببركان أو طوفان! إن الإنسان بعقله بدون معرفة أو محاولة للوصول إليها شقيّ على الأرض، حيث يعيش ويموت وهو لا يعرف عن نفسه أو عالمه أكثر من القصص التى سمعها فى طفولته، فى كل زمان ومكان.
لو لم يرد الله لنا أن نسأل لنصل إليه ولتدبّر الكون الشاسع الذى خلقه حولنا، والكون الأعظم الذى بداخل كل واحد فينا، لما خلق لنا هذا الجزء من الجسد، الذى يُشعر الإنسان بمُتع تفوق فى نشوتها المُتع الجسدية التى نتشارك فيها مع جميع الكائنات غير العاقلة كالأكل والجنس والعنف وحب السيطرة والأمومة حتى.
إذا أجبنا عن أكثر الأسئلة بساطة، سنعرف، أنّه لو لم يكن الإنسان قد سأل، حتى لو إجاباته فى حينها كانت طفولية، لما استطعنا الوصول للإجابات الصحيحة، لو لم يكن الإنسان قد سأل، لما اخترع كل ما يسهّل عليه حياته، ولما صنع ولما كتب ما ستبنى عليه الأجيال التى تليه ما يستحق أن يستمر من أجله أعظم ما فى الوجود، وهو القلم. الفلسفة هى السؤال، وهى الشىء الذى أتى العلم من رحمه، ومن رحم العلم «حتى قديمًا، خرجت الحضارات التى ما زلنا نفتخر بها حتى الآن».
ليت إنسان الحاضر يتعلّم أن يرتقى بعقله إلى مستوى عقل الإنسان البدائي، وعندما لا يعرف، لا يخاف أن يسأل!.. تجرّد من كل المعلومات، تخيّل نفسك تعيش فى عصور ما قبل الحضارات، انس كل شىء تعتقد أنك تعرفه، ثم تساءل عن كل شىء حولك. اغمض عينيك، واستمتع بأن تسأل «يا تُرى أين ينتهى البحر؟» كنّ إنسانًا، لا آلة تسميع لمجتمع يريد أن يتأكد من حفظ آلاته «مجتمعه» للدروس عن ظهر قلب.