الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"حقوق الإنسان" مبدأ حضاري أم استعمار جديد؟ "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اكتسب مفهوم «حقوق الإنسان» عبر مسيرة طويلة خصائص وسمات واضحة ميزته عن غيره من الحقوق والحريات وهذه الخصائص هى:
- حقوق الإنسان قيد على سيادة الدولة: من المبادئ الراسخة فى القانون الدولى احترام سيادة الدول، ويرتبط هذا المبدأ ارتباطًا وثيقًا بمبدأى حظر استخدام القوة وعدم التدخل، وتُعد الحماية الدولية لحقوق الإنسان قيدًا على سيادة الدولة، إذ أنها تكبل يدها فى تنظيم شئونها الداخلية الخاصة بسكانها، إن تدويل حقوق الإنسان وعَدها من الالتزامات الدولية بموجب ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وصدور العديد من الوثائق الدولية لحقوق الإنسان بصيغة إعلانات واتفاقيات دولية وضع قيودًا موضوعية على سيادة الدول المطلقة فى إصدار القوانين وتطبيقاتها، فقد أكدت الفقرة الثالثة من ديباجة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ضرورة توافق التشريعات الوطنية مع المبادئ التى أعلنت فى الإعلان العالمى، وبالمعنى نفسه تضمنته كل من الفقرة الثانية من المادة الثانية من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والفقرة (ج) من الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصرى، والفقرة (و) من المادة الثانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ويبقى كل ذلك ضمن الإطار العام الذى حددته المادة (٢٧) من اتفاقية «فيينا» لقانون المعاهدات لعام ١٩٦٩، بأنه لا يجوز لأى طرف أن يحتج بأحكام قانونه الداخلى لتبرير عدم تنفيذ تعهداته، وكذلك ما نصت عليه المادة (١٠٣) من ميثاق هيئة الأمم المتحدة؛ وهذا يعنى أن التزام الدولة بموجب معاهدة يخرج الموضوعات التى أدرجت فى المعاهدة من الميدان المحجوز للدول، ولكن دون أن ينقص من سيادتها، ومن هنا نقول، إن الحماية الدولية لحقوق الإنسان نظرًا إلى تداخل السياسى بالقانونى تشكل أخطر وأكثر منافذ المساس بسيادة الدولة وسلامتها الإقليمية، فى ظل هيمنة مصالح الدول الكبرى على قرارات مجلس الأمن، وقد عمدت بعض الدول الغربية، خاصة فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة إلى إعادة قراءة مضامين مواد ميثاق هيئة الأمم المتحدة بما يتيح لها حق التدخل لحماية مصالحها الاستراتيجية فى منطقة ما، تحت اسم حماية حقوق الإنسان؛ وقد عد البعض ذلك بما أطلق عليه «جوهر عناصر الجيوسياسة لما بعد الحرب الباردة»، مؤكدًا صعوبة فصل الحماية الدولية لحقوق الإنسان عن مد علاقات القوى الكبرى وجزرها، ويمكن لقضية حقوق الإنسان أن تكون فى حد ذاتها سببًا للمعاناة والقمع والظلم، ذلك لأن الدول الغربية تستعمل حجة الواجب الأخلاقى للدفاع عن حقوق الإنسان بالطريقة نفسها التى استعملت فيها فى الماضى مذهب «رسالة التحضير» لتسويغ الاستعمار، وقد بينت تداعيات وردود الفعل القريبة عقب أحداث ١١ سبتمبر عام ٢٠١١، أن هذه الرسالة التحضيرية أو الصليبية للغرب مازالت مستمرة.
- حقوق الإنسان ذات صبغة موضوعية عالمية: تعتبر حقوق الإنسان من القضايا التى تحظى باهتمام عالمى بالغ خاصة مع تزايد الحروب وانتشار الاضطهاد والتعصب والتفرقة والتمييز العنصريين، وتسعى البشرية جاهدة لتأمين حقوق الإنسان الكاملة بغض النظر عن جنسه أو معتقده أو لونه، كما سبق القول، ويزداد الحديث عن حقوق الإنسان يومًا بعد يوم حتى كان الدفاع عنها يُعد شريعة من الشعائر وأصبح مبدأ احترامها أحد المعايير المهمة فى تحديد العلاقات والمعاملات الدولية، وكذلك فى قياس التطور السياسى لأى مجتمع، وتتخذ مقياسًا للنمو أو تلبية الحاجات الأساسية التى تستخدم فى تحديد مستوى تطور الدول اقتصاديًا وماديًا؛ فالمفهوم يكتسب عالمية جديدة ذات فعالية أكبر، والمقصود بعالمية حقوق الإنسان وجود مبادئ دولية لحماية حقوق الإنسان تلتزم بها الدول جميعًا بتطبيقها، وكل دولة لها مصلحة قانونية فى حمايتها؛ ومن حق كل دولة أن تثير انتهاكها قبل دولة أخرى، ومن ناحية أخرى فإنه لا يسمح للدولة بالرد بالمثل على انتهاك حقوق أحد رعاياها من قبل دولة أخرى، ويرى بعض الفقهاء أن كل الحقوق الواردة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ومختلف وثائق القانون الدولى، تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية وحتى الدينية والثقافية وتفوقها؛ فيصبح المجتمع الدولى ساحة لتطبيق تلك الحقوق، ويعتبر الإعلان الفرنسى لحقوق الإنسان والمواطن عام ١٧٨٩ من أهم مواثيق منظومة حقوق الإنسان، لأنه لما طرح لأول مرة طرح بوصفه إعلانًا عالميًا؛ لا يشير إلى حقوق الفرنسيين فحسب، بل قُدم كوثيقة لمصلحة البشرية فى كل زمان ومكان، كما نجد كذلك الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عنوانه عالمى وليس دولى، وهو يستخدم كلمات مثل: «الناس والفرد» ويبتعد عن استخدام كلمات ذات مفهوم قانونى مثل «المواطنين والرعايا».