الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

آلان جريش يناقش: هل بمقدور المسلمين الاندماج فى المجتمعات الأوروبية؟

آلان جريش
آلان جريش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل الإسلام متوافق مع الديمقراطية؟ هل الحجاب سلاحٌ ضدّ العلمانية؟ هل بمقدور المسلمين الاندماج فى المجتمعات الأوروبية؟.. هذه الأسئلة وغيرها كانت نتيجة أو رد فعل لتلك الاعتداءات الإرهابية التى تعرضت لها باريس فى نوفمبر ٢٠١٥، وما بعدها، مما أدى إلى تنامى الخطاب الإيديولوجى المعادى للإسلام، وفتحت الأبواب على سجال واسع حول المسلمين فى أوروبا، لا سيما بعد أزمة المهاجرين التى تُعد أخطر كارثة إنسانية فى التاريخ الحديث.
وفى ظل النقاشات الفرنسية الدائرة اليوم، تبلورت آراء كثيرة حاولت فهم خلفيات ما حدث من دون الدخول فى تصورات إسقاطية تعمل على تعميم مفاهيم العداء والتضاد الحضاري. وقد استحوذ الخوف من الإسلام على قادة البلدان المتطوّرة، وانضمّ إليهم بعض المثقّفين الحريصين على الدفاع عن قيم «العالم المتحضّر».
ويقدم آلان جريش فى هذا الكتاب قراءة عقلانية ومحايدة، وعمل على تفكيك هاجس التهديد الإسلامى المتربص بفرنسا الذى زادت وتيرته فى العام ٢٠١٥. دحض العديد من المغالطات المرتبطة بأزمة الضواحي، مؤكدًا أن إرادة «العيش معًا» تحتم على الجمهورية الفرنسية وضع المهاجرين المتحدرين من العالم العربى فى ذروة أولوياتها عبر تكريس المساواة وحشد الطاقات لبناء المواطنة الكاملة.
ويفكك آلان جريش فى هذا الكتاب هاجس هذا «التهديد» الإسلامي، الداخلى والخارجى معًا، انطلاقًا من رؤية علمانية وعقلانية للمسلمين فى تنوّعهم التاريخى والجغرافى.
ومن أهم ما يطرحه الكتاب هو استعراض ما يجرى اليوم من أحداث على الساحة الفرنسية، الموقف من الإسلام، العنصرية المؤسساتية للإسلام، مشيرا إلى أن سياسات التمييز لها تاريخ ممتد إلى التاريخ الاستعمارى لفرنسا على دول المغرب وجلبها للأيدى العاملة الرخيصة التى أعادت إعمار فرنسا بأسعار بخسة، هؤلاء بقوا فى فرنسا وبعد تحولات اقتصادية عميقة عاشتها البلاد تحولت المناطق التى يعيشون بها لمناطق منكوبة على المستوى الاقتصادي، وسياسات التمييز تجاه هؤلاء تعاطت معهم على أساس أنهم مواطنون درجة ثالثة أو رابعة.
فالكتاب يرصد عملية ما يسمى صناعة لعدو داخلى جديد بكل ما للكلمة من معنى وتخوفا من حرب أهلية، ويقول المؤلف فى الصفحة ٢٦ من الكتاب «يتعلق الأمر بمستقبل فرنسا أيضا». فالتقسيم بين «فرنسى الأرومة» و«مهاجرين مسلمين»، والخوف غير العقلانى الذى تثيره «الطبقات الخطرة» الجديدة، واختراع «عدو داخلي» بهدف توحيد الأمة- هذا كله يحتمل خطر حرب أهلية «عرقية» ونسيان الاختلافات الاجتماعية والتركيز على التمييزات الدينية.
ويعالج الكتاب قضايا رئيسية يمكن إدراجها ضمن الثنائيات الآتية: الإسلام والديمقراطية، الإسلام والغرب، الحجاب وفرنسا، قيم الجمهورية الفرنسية والمسلمين الفرنسيين، العلمانية الفرنسية والرموز الدينية.
ولقد أضفت الحرب العالمية على الإرهاب المزيد من التصدع، وتركت تأثيرًا فى الإسلام فى أوروبا، فظهر الخلط المفاهيمى والقيمى فى المجتمعات الأوروبية، عبّر عن نفسه تحت شعارات: «الإسلام الفاشي»، «النزعة الشمولية الخضراء»، «الطاعون الأخضر»، «الخطر الإسلامي». تبدت هذه الشعارات فى حقبة ما بعد الحرب الباردة التى برهنت عن هشاشة التقابل بين التهديد الإسلامى والتهديد الشيوعي، علمًا أنها اكتسبت زخمها الأيديولوجى من الأطروحات الاستشراقية التى تُعد جزءًا من ثقافة السيطرة الغربية على الشرق التى فككها إدوارد سعيد فى ثلاثيته: «الاستشراق: «المعرفة، السلطة، الإنشاء»، «الثقافة والإمبريالية»، «تغطية الإسلام».
يحلِّل «جريش» ظهور التصنيفات الإثنية فى الفضاء العام الفرنسى الذى خرج إلى العلن فى السبعينيات. ويلاحظ أن مسلمى فرنسا يواجهون تحديًا مزدوجًا: ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، كما يفعل أتباع الديانات الأخرى؛ والتغلب على الصعوبات الاجتماعية المرتبطة بالأزمة الاقتصادية التى تعصف بهم بقوة. لعل الملاحظة اللافتة فى تحليله قوله: «أصبح الانتماء إلى الإسلام فى فرنسا يقوم على أساس فردي»، ويدعم فرضيته استنادًا إلى بعض الدراسات العلمية التى وضعها باحثون فرنسيون بينهم جوسلين سيزار (المسلمون والجمهوريون: الشباب الإسلام وفرنسا).
ويتناول «جريش» قضيتين أساسيتين: الضواحي، والاندماج. يرى أن الجيل الثانى من المسلمين الفرنسيين تتوقف قدرتهم على الانصهار فى قيم الجمهورية الفرنسية على العرض الذى يقدمه المجتمع فى مجالات التنمية الاجتماعية وتحسين شروط العيش والاعتراف بالحقوق.
وينتقد العجز الذى أصاب اليسار الفرنسى فى استجابته إلى تطلعات الشبان المهاجرين، بعدما تحول الحزب الاشتراكى إلى حزب للفئات الاجتماعية المتوسطة، تاركًا الأشخاص المهمشين يصارعون قدرهم، كل هذا- كما يخلص جريش- عزز من الإرباك وهيّأ الشروط لحدوث انقسام بين العمال والموظفين، كما بين الفرنسيين والمهاجرين.
ويتطرق الكاتب إلى تاريخ العلمانية الفرنسية؛ حيث منح قانون ١٩٠٥ مكانة خاصة للأديان على رغم عدم اعترافه بأى ديانة؛ أى أن حرية المعتقد تكفلها الجمهورية للجميع. غير أن هذه العلمانية تعرضت لندوب وتجارب مؤلمة لأسباب متداخلة وعلى رأسها قضية الحجاب، ما فتح النقاش حول حياد الدولة تجاه المجال الديني. ففى مقالة رأى لجان دانيال رئيس تحرير الأسبوعية «نوفل أوبسرفاتور»، يدافع عمّا يسميه «تصور علمانى للتسامح» «يقوم على تقبل تجليات الأديان كافة، أكانت خاصة أم عامة، بينما تضع العلمانية الله فى المنزل، والمواطن فى المدرسة. إن المفهوم الفرنسى للعلمانية يدافع وفى شكل خاص عن الفرد فى مواجهة الجماعة الأصل، وعن المرأة ضد الأب الظالم». ينتقد جريش الاتجاهات السياسية اليمينية المتطرفة حاملة لواء «التهديد الإسلامى لقيم الجمهورية الفرنسية» مفندًا أربع ركائز: العنف الإرهابي، الضواحى وحالة عدم الأمن، النزوع إلى الجماعاتية فى مواجهة العلمانية، والديموجرافيا. يشرح التحول الذى عرفته الصحافة الفرنسية، فبعدما كانت تهتم فى السبعينيات بالشروط الحياتية للمهاجرين ولا تخفى تعاطفها «مع هذه البروليتارية المنفصلة عن جذورها»، تبدلت الرؤية تدريجيًا حيث بدأت عملية ردّ المشكلات الاجتماعية إلى المجال الإثني.
وقد شكل موضوع الحجاب جزءًا من السجال الدائر فى فرنسا بدءًا من العام ١٩٨٩ خصوصًا مع ازدياد حالات ارتداء الحجاب فى المدارس. وقد تطور النقاش الدائر، سلبًا وإيجابًا، إلى أن تم إصدار قانون رقم ٢٨٨-٢٠٠٤ المؤرخ فى ١٥ آذار (مارس) ٢٠٠٤، المتعلق بحظر ارتداء الرموز الدينية بما فيها الحجاب داخل المدارس والمعاهد الحكومية، والقانون رقم ١١٩٢-٢٠١٠ المؤرخ فى ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠، المتعلق بحظر تغطية الوجه (النقاب) فى الأماكن العامة.
ثم يدعو «جريش» إلى بناء «ذاكرة مشتركة»- بعدما استحضر الذاكرة الكولونيالية فى الفصل الأخير من الكتاب- فتكون شاملة لتاريخ الثورة الفرنسية وتاريخ الجمهورية الثالثة وتاريخ الهجرة والحركة العمالية والحرب العالمية الثانية والإبادة العرقية لليهود وحقبة الاستعمار الفرنسى للدول العربية والإسلامية.