الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب وتلوث الهوية المصرية "9"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أجل إن الأفكار العلمانية والشعارات الماسونية قد أرادت نشر الإلحاد في بنية الثقافة الإسلامية، وكان الغرض الأول من وجود هذا التيار –كما بينا- هو تفكيك تماسك بنية الهوية المصرية، وذلك بعد فشل دوائر الاستشراق الغربية في الإيقاع بين المسيحيين والمسلمين أو في غرس الاتجاه الوهابي عن طريق الجماعات السلفية والإخوان، فكلاهما لم يكن يقوى على إحداث شقاق كبير بين المواطنين أو يشكل قوى ناعمة لتزييف وعي الجمهور باسم الدين. 
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لدوائر الاستشراق الغربي اللعب بفريقين متضادين لخدمة مصالحها في مصر؟ أعني اتجاه ديني متشدد، وأخر علماني متطرف؛ نعم إن الكتابات الغربية نفسها تؤكد أنه لا سبيل لسقوط مصر إلا من الداخل وذلك باصطناع تيارين يتصارعان لهدم الثوابت والمشخصات التي جُبل عليها المصريون. وكانت أولى الخطوات لذلك الهدف هي تفكيك الطبقة الوسطى وقادة الرأي، وذلك عن طريق الخلافات السياسية والصراعات الحزبية. 
فلم تقف دعوة حسن البنا عند برنامجه للإصلاح الأخلاقي والاجتماعي ونصرة المعوذين من طبقات الشعب الدنيا، بل تجاوزت ذلك إلى الحديث عن قضية الدين والدولة. إذ راح يقنع جماعته بأنه حقًا لا ثيوقراطية في الدين الإسلامي، ورغم ذلك لا يمكن الفصل بين الشريعة والسياسة، فالدين هو الأساس الذي تقام عليه الدولة والاعتراف بوجود دولة مسلمة إلا إذا قامت على الأسس الشرعية وإلا أضحت من المجتمعات الكافرة، ولما كان غرض الجماعة هو إعداد الفرد المسلم ثم البيت المسلم ثم المجتمع ثم الدولة ثم أستاذية العالم، فإن كل ذلك ينطلق من إيمان الجماعة برسالتها الإصلاحية الشاملة، تلك التي لم تظفر بها أوروبا عندما فصلت بين الدين والدولة في ثورتها الإصلاحية، الأمر الذي مهد الطريق لسيد قطب بعد ذلك ليردد حديث المودودي عن الحاكمية الإسلامية وتكفير الخصوم. وقد تعمد حسن البنا اللعب على المسرح السياسي باسم الدين ويبدو ذلك في جل أحاديثه وتحالفاته مع القوى الغربية. 
فقد اتصل حسن البنا بالمخابرات الألمانية وراح يقنع أتباعه بأن هتلر في طريقه لإعلان إسلامه، وأن إيطاليا واليابان سوف تمد يد العون لدعاة الجماعة لنشر الإسلام في بلادها، وذلك على صفحات النذير قبيل الحرب العالمية الثانية، وقد منحته المخابرات الألمانية دعما ماليا لمؤازرتها ونقض تحالفه مع الإنجليز. الأمر الذي أغضب المخابرات الإنجليزية والأمريكية وقررا آنذاك التخلص من حسن البنا والبحث عن بديل مناسب للعب الدور نفسه. وأدرك حسن البنا أن السبيل لخروجه من هذا المأزق هو مهادنة الإنجليز وإقناعهم بأن ما يفعله مع الألمان ما هو إلا تنفيذًا لأوامر القصر (الله مع الملك)، أما ولائه الحقيقي فهو للإنجليز وليس للأحزاب أو الملك، وذلك لأن هدفه هو إقامة خلافة إسلامية ووحدة المسلمين ثانية. وصرح لأعوانه أن أمريكا وبريطانيا سوف تمنح الدول الإسلامية استقلالها وبذلك سوف تزول العداوة بين المسلمين والغرب، بل أن التعاون بينهما سوف يتيح للبنا أن ينشر دعوته للوحدة الإسلامية في بلادها. غير أنه سرعان ما انقلب على الإنجليز والأمريكان بعد رفضهم مده بالمال لمجابهة الشيوعيين والجماعات الإلحادية التي علا صوتها في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين. وذلك رغم تأكيده للسير "والتر سمارت" السفير البريطاني في القاهرة أن من مصلحة إنجلترا التحالف مع الإخوان لضمان تواجدهم في مصر، وإن من مصلحة الإخوان الإخلاص لهذا التحالف ليمدهم الإنجليز بكل أشكال الدعم شأن الدعوى الوهابية، وأوضح حسن البنا أنه لم يعد يثق في القادة الحاليين ولا في الملك، وإن الشيوعية عدو مشترك يجب تنسيق الجهود للقضاء عليه. وقد نشرت صحيفة الإخوان في فبراير 1946 جانبًا من حديث حسن البنا مع مستر سبنسر المراسل الحربي الأمريكي، جاء فيه: أن الثورة البلشفية الشيوعية على الأبواب وأن خلاياها السرية في مصر لا يقدر على مجابهتها سوى الإخوان ومن ثم إن التعاون بين الإخوان المسلمين والمخابرات الأمريكية أصبح أمرًا حتميًا، وذلك لأن تعاليم الإسلام 
وأرجح أن مقتل البنا كان بإيعاز من إحدى المحافل الماسونية التي أدركت أنه مراوغ وطماع وكذوب، فتخلصت منه على يد أحد المنشقين عليه. 
أما دعوة الإخوان للخلط بين السياسة والدين وتقويم المعوج عن طريق السيف تبدو في كلماته على صفحات مجلة "النذير" (نحن حرب على كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تقوم على نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق إلى استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام). ذلك بالإضافة إلى توجيهه الآيات والأحاديث التي تحث المؤمنين على قتال المشركين توجيهًا سياسيًا مفاده أن جماعة الإخوان هي الفرقة الناجية ودونها يجب أن يُحارب باسم الجهاد وقد ذكر ذلك في رسالته "نحو النور"؛ الأمر الذي برر تكوينه عصابة النظام الخاص واعتباره جماعة سرية جهادية لإقامة العدل وهدم حصون الظلم، وكانت أكبر حركاتها في هذا المضمار الثورة اليمنية المسلحة التي أطاحت بالإمام وقتلت ثلاثين من أبناءها عام 1948، ووصف البنا هذه الواقعة بأنها الخطوة الأولى في رحلة الإخوان للحكومة العالمية الإسلامية. وتحولت حرب العرب ضد الصهاينة إلى حرب إسلامية ضد اليهود في داخل مصر وفي الخارج، الأمر الذي أغضب الدوائر الغربية واعتبروا ذلك انحرافًا عن الرسالة التي رُسمت لها. 
وللحديث بقية