السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

القرن الأفريقي بين الجوع والإرهاب (ملف)

بوكو حرام- صورة أرشيفية
بوكو حرام- صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تردي الأحوال المعيشية وتدخل الدول الأجنبية وانتشار الجماعات التبشيرية أبرز الأسباب
64 منظمة وجماعة إرهابية منتشرة فى شرق أفريقيا
2009 أعلنت حركة الشباب الصومالية سيطرتها على العاصمة مقديشيو
5 سنوات سيطرت خلالها الحركة على وسط وجنوب الصومال


شهدت أفريقيا فى العقد الأخير، تطورًا ملحوظًا فى قضية الإرهاب، متمثلًا فى تزايد الحركات والجماعات المتطرفة، وارتفاع نسبة العمليات الإرهابية، من أقصى الساحل الأفريقى بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقى فى الشرق.
ولم يقتصر هذا الانتشار المرعب للإرهاب فى القارة على منطقة بعينها، وتكاد لا تخلو منطقة من مناطق القارة من وجود تهديد إرهابي، فهناك أكثر من 5000 أفريقى من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية فى القارة وفى مناطق النزاعات المسلحة الأخرى، إذ تضم القارة 64 منظمة وجماعة إرهابية ينتشر معظمها فى شرقها، ومع ذلك يمكن القول إن قوَّة وفاعلية الجماعات الإرهابية فى القارة تختلف من منطقة إلى أخرى، كما أن تداعياتها أيضًا تختلف من دولة إلى أخرى.
فظاهرة الإرهاب فى أفريقيا، تتطور حسب تطور حركة التفاعلات السياسية والاقتصادية الكبرى فى القارة، إذ تأثر تطور ظاهرة الإرهاب إلى حد بعيد بالموروث الاستعمارى والنشأة الاصطناعية للدولة فى أفريقيا، كما تداخل الإرهاب مع ظواهر وتطورات أخرى، مثل الحروب الثورية، والحروب الأهلية، والحروب بالوكالة وغير ذلك، بحيث كان الإرهاب أحد أشكال العنف المستخدم كجزء من تلك التطورات الكبرى فى أفريقيا.
وقبل الحديث تفصيلًا عن وضعية ومستقبل الإرهاب فى منطقة شرق أفريقيا، لا بد من الإشارة إلى وضعية الإرهاب فى القارة.
وللإرهاب انعكاساته على بلاد الشرق الأفريقي، بسبب تلك الصلة الوثيقة بين الإرهاب وأداء النظام السياسي، وتأتى الانعكاسات الأمنية التى تعتبر هى الأخطر على الإطلاق للعمليات الإرهابية بحكم ما تسببه من حالة انعدام الأمن، وإظهار عجز السلطة الأمنية فى الدول المستهدفة عن التصدى للعمليات الإرهابية، وهو ما يتسبب بدوره فى إحراج حكومات تلك الدول بشدة.

حركة الشباب.. الإرهاب المحلى فى الشرق الأفريقى
ورغم عودة الاهتمام الأفريقى بقضايا مكافحة الإرهاب إلى فترة طويلة مضت، فإن هذا الاهتمام ظل يتطور ببطء شديد على الساحة الأفريقية، وهو ما ينطبق على منطقة شرق أفريقيا، التى شهدت تطورًا فى ظاهرة الإرهاب إلى مستويات نوعية بالغة الخطورة. فالعمليات الإرهابية التى وقعت على أراضيها مؤخرًا، تشير إلى أن الإرهاب فيها ينقسم إلى قسمين: الأول يعتبر «إرهابًا وافدًا»، يسعى إلى استخدام الأراضى الأفريقية لتنفيذ مخططاته ضد دول خارج أفريقيا، وهو ما سمى بـ«الإرهاب الدولي»، والثانى هو «الإرهاب المحلي» الذى يجرى فى إطار الحروب الأهلية والصراعات الداخلية المسلحة فى أفريقيا.
كما تعدُُ حركة الشباب الصومالية الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، أخطر تهديد يواجه شرق أفريقيا، إذ استمرت سيطرة الحركة على مناطق واسعة فى وسط وجنوب الصومال برغم وجود قوات الاتحاد الأفريقى على أراضيه.
وتشير التوقعات إلى استمرار سيطرة حركة الشباب المتشددة فى شرق أفريقيا، حيث ستستغل نقاط ضعف الحكومة الوليدة فى الصومال، وصراعات القوات الموالية للحكومة، بالإضافة إلى شن هجمات معقدة فى العاصمة، مقديشو، بعد أن استعادت العديد من المستوطنات التى كانت تحررت ثم تخلى عنها الاتحاد الأفريقي، ومع التركيز على الصومال ستستمر فى تنفيذ هجمات انتقامية ضد الدول الإقليمية التى تقود عمليات ضدها فى الصومال.
كما ستكون «كينيا» أكثر عرضة للعمليات الإرهابية، وسيمتد التهديد أيضًا إلى «إثيوبيا» و«أوغندا»، ومن المحتمل أن تتوسع عملياتها إلى «تنزانيا»، مُستغلة فى ذلك التهميش العرقى والدينى من قبل الحكومة العلمانية.
ويرجع السبب فى انتشار التنظيمات الإرهابية فى منطقة شرق أفريقيا، إلى تضافر العديد من العوامل التى تشجع على إفراز تنظيمات متشددة، منها:
- تردِّى الأحوال المعيشية فى الدول الأفريقية، علاوة على الطبيعة الداخلية الاقتصادية والعرقية والقبلية.
- التدخل الأجنبى فى شئونها، نتيجة البنية الهشة للدول، وعدم الاستقرار السياسي.
- انتشار الجماعات التبشيرية بشكل كثيف، وتداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية.
- سهولة التنقل بين الدول.
- الطبيعة الاقتصادية، والاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة فى أوساط الشباب.
- انتشار تجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، وانتشار الأسلحة الخفيفة، والجرائم المنظمة عبر الحدود.
- تفشى العنف والحروب المسلحة.

سبل مواجهة التطرف فى شرق أفريقيا
لم يعد المنهج الكلاسيكى لحفظ السلام ومواجهة التطرف فى أفريقيا مناسبًا، نظرًا لتاريخ كل بلد، وتجربته وخصوصيته، فعلى الرغم مما اتخذته الكثير من الدول الأفريقية، من إجراءات فى مجال مكافحة الإرهاب، عقب هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، كإنشاء مراكز وطنية لمجابهة الجرائم العابرة للحدود، وسن تشريعات قانونية، وتشكيل عناصر أمنية لمناهضتها، فلا تزال خطورة هذا الأمر ترتبط بمحدودية قدرات معظم الدول الأفريقية من منظور القوى الشاملة للدولة، وبالتالى توجد العديد من التحديات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة لا يمكن مواجهتها على المدى البعيد بالخيار العسكرى والأمنى وحده، ليتحتم على هذه الدول العمل وفق «استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد»، تقوم على التالي:
- إطلاق مشاريع تنموية، والإنصاف والعدالة الاجتماعية التى تمثل شرطًا أساسيًا لتحقيق الأمن والسلام.
- دمج المخاطر المرتبطة بالدول المفلسة التى تقع فريسة لجميع شبكات المافيا بسبب غياب سلطة الدولة.
- متابعة دائمة للتعليم والتكوين وخلق فرص العمل.
- التصدى ووقف دعم الحركات والضغط على الدول الداعمة لها، حيث الأنشطة الإرهابية يتم تمويلها دوليًا وليس محليًا.
- الحذر من خطر عودة مجموعات الشباب العائدة من أحضان المجموعات الإرهابية، إلى أوطانها الأصلية فى أفريقيا.
- مراجعة الهيكل القاعدى لشبكة الإنترنت، باعتبارها مصدر التحريض على الإرهاب.
- اعتماد إجراءات موحدة لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والبيانات والتجارب والمعارف لتحقيق الأمن والاستقرار.
- القضاء على النزاعات، عبر استراتيجية شاملة تتضمن منع انتشار الأسلحة الصغيرة والكبيرة، ووضع نظام إنذار مبكّر للمخاطر المحتملة.
وأخيرًا يجدر بنا القول، أن قضية الإرهاب فى أفريقيا، حاملة لأبعاد خاصة تتجاوز التقارير الدولية التى وإن اقتربت من التفاصيل كثيرًا، إلا أنها تبتعد عن المعالجات الحقيقية لظاهرة الإرهاب، التى ظلت حتى سنوات قريبة ظاهرة دخيلة على الواقع الأفريقي.
وهذا الواقع يحمل الكثير من الأزمات والمشكلات التى توفر بيئة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة وانتقالها بين مناطق مختلفة من القارة، ومن ثم يمكن القول إن ظاهرة الإرهاب فى أفريقيا ترتبط بالأساس بالحروب الأهلية والصراعات الداخلية من ناحية، وبالإرهاب الذى تمارسه الجماعات الجهادية، وأبرزها تنظيم القاعدة من ناحية أخرى.
كما أعطت تحركات الجماعات الإرهابية بين ربوع القارة الأفريقية، فرصًا قيمة للقوى الخارجية للتدخل وفرض تصوراتها عن مواجهة الإرهاب فى القارة، وشهدنا كيف تزعمت فرنسا التدخل الدولى فى شمال مالى للحفاظ على مصالحها فى منطقة الساحل الغنية بالموارد الطبيعية، وأهمها اليورانيوم الذى تعمل من خلاله المصانع الفرنسية.
الأمر ذاته بالنسبة للولايات المتحدة التى تحاول الابتعاد عن التدخل العسكرى الخارجى فى الصراعات بعد خبرتها فى أفغانستان والعراق، إلا أنها تعمل على استثمار التدخلات الدولية فى القارة الأفريقية بما يزيد من حضورها ويحقق أهدافها.