الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شهادة وفاة يناير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد كانت ثورات الربيع العربي وفي مقدمتها ثورة يناير في مصر، شهادة وفاة لجمهوريات الحكم المؤبد، التي اشتهرت بها مصر والدول العربية. حيث إن الرئيس يحكم حتي مماته أو إنهاكه بمرض، ويهيئ الطقوس لتوريث تَرِكته، ليس التي جناها من أموال في البنوك وعقارات في باريس وشيكاغو ولندن ! وإنما في حكم الدولة أيضا ! وكأنها جزء من ممتلكاته الخاصة!.
وكأن هناك ما يطلق عليه إعلام الوراثة للحكم بورثة غير شرعيين، مثلما نسب إلى مبارك فى مصر والقذافى فى ليبيا وعلى عبدالله صالح فى اليمن، وكما فعل حافظ الأسد فى سوريا، وهو ما يتقبله أبناء أوعائلات الرؤساء دون تأنيب ضمير، وكأن ميراث العرش أَخْذُه - فرض عين- في شرع ربما لا تقبله شريعة عبدة "اللات والعزي" في الجاهلية، رغم أن إعلام الوراثة لا يكتب فيه إلا أسماء الورثة الشرعيين.
ففي مصر باتت كلمة السقوط أو العزل في قاموس الرؤساء بعد ثورة يناير، بعد أن كان الرئيس وحده يحدد من يسقط ومن يعلو، من يعاقب ومن يكافئ، من يصلب علي أعواد الجَلْد، ومن يُعلق علي أحبال المشانق، ومن يَدخل في غياهب السجون، ومن يعيش علي شواطئ السعادة ، ومن يسكن ناطحات السحاب، كانت كل المصطلحات تدور بالبال والخاطر ما عدا أن يحمل لقب مخلوع أو معزول، وكم هي ثقيلة ؟ لمن سكنوا القصور واحتضنوا السلطة وأدى الجميع لهم التحية حتي لو كانو محلقين في السماء!.
فلم نعد نمجد القائد الأوحد وابنه البار، ونعلن الولاء طوعا أو قسرا،  ونسمي أسماء أبنائنا وبناتنا بأسماء الرئيس وابنه وحتى بناته، فمنذ أكثر من ستين عاما وذاك القطار الذي يُصفر فقط للولاء والتمجيد لقائد الأمة دون غيره توقف عند محطة يناير، فلم يعد الكل يصرخ ويقول عاش قائد الأمة ! عاش سيادة الرئيس !
مع يناير انتهي نفوذ وحاشية الهانم سيدة مصر الأولى، التي كانت تدير شئون البلاد مع زوجها الرئيس، وتتخذ قرارات بالغة الأهمية، ربما تصل إلى دس أنفها في تشكيل حكومي، أو استبعاد مسئول ليس علي هواها، وفي حال بقاء وزير أو محافظ في عدد من التشكيلات الحكومة المتعاقبة يقال: من رجالة الهانم وراضية عنه – وإن لم يكن كذلك –
فقد شجع السادات ومبارك زوجاتهن – جيهان وسوزان - إلي القيام بدور فعال في الحياة العامة ، للتدليل علي أن هناك مجتمعا مدنيا يهتم بحقوق المرأة ، وسرعان ما إمتدت إلي قطاعات سياسية أخري ، ولعبا دورا ثانويا فى إدارة شئون البلاد.
وكان لملعب بعض رجال الأعمال تسخين وإحماء وتهديف في نهب ثروات البلد بكرة تزاوج الثروة والسلطة، فقد تملكوا الأراضي بملاليم للمتر، وكانت الكهرباء والمياه وربما الغاز يصل إلي درجة المجان، أما بعد يناير فقد وقعت الطلقة الثالثة بين الزوجين المال والسلطة، ولم يجدوا محللا سوى تقنين أوضاعهم، أو استرداد الدولة لأراضيها.
ففي عهد مبارك تم منح أحمد عز من خلال نفوذه السياسى وعلاقاته بعلية القوم، رخصة الحديد والتي احتكرها فيما بعد، ثم أمين التنظيم بالحزب الوطني، ثم زعيم الأغلبية بمجلس الشعب ، ليمتلك ظهيرا ماديا وسياسيا جعله فوق أي مساءلة أو تساؤل، إلا أن يناير جعلته يمتثل للتحقيق بتهمة إفساد الحياة السياسية واحتكار سلعة الحديد والتربح دون وجه حق، والإضرار العمدى الجسيم بالمال العام.
بينما المستطيل الأخضر للمواطن طاله الإهمال والتجريف، فقد كان ناسيا منسيا وأضعف الحلقات من منظور الرئيس، ذلك الكم الهائل من الجوعى والمرضي والأميين والعاطلين، والمتصارعين مع السرطان والسل والملاريا، كان همه لقمة عيش، سقف يأوي، ملبس يكسي، شوارع تضيء، فك الخط حلم، والكتابة إنجاز، والقراءة معجزة، هؤلاء باتوا ضمن قوانين ودساتير الرؤساء التي لم يكن لهم نصيب فيها من قبل يناير2011، فأصبح غضبهم رحيل وربما سجن، ورضاهم بقاء وربما تكريم.
هؤلاء المواطنون قطعوا الأسلاك الشائكة حول الرئيس، فتنفسوا حرية الرأي والتعبير بهامش معقول وإن لم يصل إلى الحرية المنشودة، وأصبح الحديث عن إنجازات الرئيس والمسئول ليست لشخصة بل للشعب بأكمله الذي تحمل واستحمل مالا يستوعبه شعب آخر.
ففي عهد عبدالناصر كانت القبضة الأمنية والقوانين السياسة كفيلة بخرس الألسنة -الشعب خايف ولا أحد يجرؤ على الكلام- فيما نصب السادات نفسه كبيرا لعائلة الشعب وبالتالي معارضته تحقير وامتهان للرأس الكبيرة وهو ما يمثل انتهاكا للقيم المجتمعية التي تُوَقّر الكبير، بينما مبارك اختزل السلطة في ذاته وبالتالي هو أو الفوضي ليصبح نقده جريمة في حق الشعب والدولة.
إنها يناير التي لا تنازل بعدها عن حرية سياسية واجتماعية، سواء تُصنفها ثورة أو انتفاضة أو مؤامرة.