الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"البوابة نيوز" ترصد رحلة العذاب داخل "مجمع التحرير"

المواطنين أمام مجمع
المواطنين أمام مجمع التحرير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مواطنون: الحصول على كورس مصارعة يابانية شرط قبل الذهاب إليه
أصحاب الجنسيات الأجنبية يعانون فى صمت وسورية: «بيطلع عنينا عشان ننهى إجراءات الإقامة»


«مجمع التحرير».. أسطورة الروتين التاريخية، ونموذج الفوضى الحكومية، فالموظفين بالآلاف، والمواطنين ممن يترددوا عليه لقضاء حوائجهم بمئات الآلاف، ورغم حالة التزاحم والفوضى والشكاوى اللا نهائية، إلا أن الوضع لم يتغير داخل هذا المبنى العتيق منذ عشرات السنين. 
مظهره القديم، وطرازه الأثري، وموظفيه القدامى جميعهم يجيدون التعامل مع مشاكل متكررة بشكل يومي، أما المتعاملون معه من المواطنين، فيكرهون اليوم الذى يشاء قدرهم أن يذهبوا إليه لاستخراج جواز سفر أوشهادة ميلاد، أو حتى تجديد إقامة للأجانب، فبين جدرانه يضم 13 وزارة وأكثر من 25 جهة حكومية.. ويزوره حوالى 100 ألف مواطن وقرابة 30 ألف موظف حكومي، أما المعاناة فحدث ولا حرج. 
«قبل ما تروح لازم تكون بقالك شهر بتاخد دروس مصارعة يابانية» هكذا يقول مصطفى سهل، محام، واصفًا الوضع المزرى داخل أروقة مجمع التحرير، وذلك عندما ذهب لاستصدار شهادة تحركات كان يرغب فى الحصول عليها، وهو الأمر الذى وصفه برحلة العذاب، مشيرًا إلى أن الزحام أمر لا يطاق هناك، لافتًا إلى أنه لكى تستطيع إنهاء إجراءاتك داخل المجمع عليك الحضور من الساعة السابعة صباحًا لكى تقف فى طابور طويل يمتد لخارج المجمع بمسافة كبيرة إلى ميدان التحرير.
يضيف «سهل»: عند حلول الساعة الثامنة صباحًا يتم فتح باب المجمع ويدخل من خلاله الجميع فى صورة مجموعات، مشيرًا إلى أن الأمر لم ينتهى بمشاكل الزحام خارج المجمع، لأن فى الداخل الأمور أسوء، واصفًا التجربة التى تعرض لها بالمريعة، والتى يأمل ألا تتكرر مرة أخرى، مشيرًا إلى أن أكثر ما يلفت الانتباه أيضًا هو طابور السيدات، حيث البكاء والصراخ الذى لا يتوقف نتيجة التزاحم والتدافع.
لم تكن حالة مصطفى سهل الحالة الوحيدة التى رصدتها «البوابة» خلال جولتها لمجمع التحرير لكشف الوضع المزري، فهناك الكثير من المشاكل التى تواجه الوافدين لهذا المبنى «المليوني»، وهو ما رصدناه مع العديد من المواطنين الذين مروا بإجراءات سلبية ومشاكل أثرت على وتيرة وطبيعة الخدمات التى يرغبون فى الحصول عليها.

العذاب ألوان
يضيف صلاح فرج، مواطن آخر، توجه إلى هناك لإنهاء الأوراق الخاصة بعمله: «التوجه إلى مجمع التحرير؛ لإنهاء إجراءات أى مواطن عبارة عن عذاب ومعاناة حقيقية للمواطنين، ويتابع: كلما ذهبت إلى هناك كلما وجدت حولك المظاهر السلبية التى تعود إلى غياب التنظيم، فالمواطنين الوافدين بالآلاف وتجدهم حولك فى كل مكان، لافتًا إلى أنه وجد جميع ألوان العذاب التى قد يجدها الإنسان داخل أى مصلحة حكومية فى مصر». 
ويقول حمادة عبدالوهاب، إن قمة الاستهانة بالمواطنين فى تقديم أبسط الخدمات لهم هو ما يمكن أن يصف به تجربته المريرة التى تعرض لها داخل مجمع التحرير، والذى كان قد ذهب إليه لكى ينهى إجراءات السفر الخاصة به، ففوجئ بطابور طويل يمتد إلى محيط المجمع بعشرات الأمتار رغم أن الساعة كانت ٨ صباحًا، مشيرًا إلى أن ما أثار غضبه بصورة أكبر هو أنه بعد كل الوقت الذى انتظره فوجئ بأن قسم الجوازات داخل المجمع طلب منه الذهاب إلى محافظة الفيوم مسقط رأسه لإنهاء إجراءاته من هناك، متسائلًا عن أسباب كل هذه المرمطة وعن عدم تقدم مصر فى تقديم تلك الخدمات لكى تكون بصورة إلكترونية، وهو ليس اختراع حديث وتستخدمه دول العالم المتقدم.

احجز دورك مبكرا
رحلة العذاب داخل المجمع لا تتوقف عند المصريين فقط، لكنها تطال الجنسيات المختلفة أيضا التى لا بد أن تتعامل مع إدارات المجمع لإنهاء إجراءات الإقامة الخاصة بهم فى مجمع التحرير.
وهنا قال إيهاب الشريف سودانى الجنسية، إن إنهاء إجراءات الإقامة داخل مجمع التحرير مشكلة حقيقية لم تكن موجودة من قبل، فمن يرغب فى إنهاء إجراءات إقامته عليه الإقامة أمام المجمع من مساء اليوم السابق لذهابه إلى المجمع، قائلًا: «لازم تبيت فى المجمع من بالليل عشان تحجز دورك وتخش تخلص إجراءاتك«، مضيفًا أن المشكلة تنظيمية، خاصة أن هناك شبابيك محددة لإنهاء الإجراءات تستقبل عدد محدود من الطلبات ويزيد على هذا أن ساعات العمل من ٩ إلى ٢ ظهرًا فقط، لافتًا إلى أن شباك ١٠ و٣٣ خاص بالسودانيين واليمينيين والحبش.
تقول نور خالد سورية الجنسية وتعيش فى مصر: «بيطلعوا عين الواحد ليعطوه إقامة» مضيفة أن الشعب المصرى أحسن ناس، لكن هناك مثل يقول أصابع أيدينا ليست مثل بعضها البعض، واصفة الإساءة التى تعرضت لها وغيرها بأنها أمر سيء للأسف ولكنه يحدث ولا أحد يستطيع الحديث عما تعرض له لأنهم يعيشون ضيوف فى مصر التى تمثل بلدهم الثاني، لافتة إلى أن ما عدا ذلك فبقية الشعب المصرى يعاملنا أحسن معاملة.

نقل المجمع.. لغز
إخلاء مجمع التحرير منتصف ٢٠١٧، هذا هو التصريح الذى كان قد خرج على لسان الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة فى يناير ٢٠١٦، والذى أكد وقتها على أن المحافظة تعمل خلال الوقت الحالى على توفير أماكن بديلة لنقل الإدارات بها، للتخفيف من وطأة الزحام داخل منطقة وسط العاصمة، خاصة مع توافد حوالى ١٠٠ ألف مواطن يوميًا يستقبلهم المجمع، وهو ما قد يستغرق عامًا على حد وصفه.
إلا أن التصريح لم يطبق على أرض الواقع، بل ساد الصمت التام على الساحة بعد أن تسبب التصريح فى خروج الكثير من وسائل الإعلام لكى تشيد به وتؤيده. وخلال العام الحالى وقعت أزمة مؤخرًا فجرت القضية من جديد، خاصة بعد حالة الغضب الكبيرة التى تسببت بها هذه القضية؛ فعلى الرغم من أن المبنى من المفترض أن يمثل مظهرًا حضاريًا لمصر نظرًا لعراقته، وتواجد مختلف الجنسيات التى تذهب إليه لإنهاء إجراءاتها إلا أنه للأسف ظهر حالة من غياب التنظيم خلال الفترة الأخيرة بصورة فجة.

الحكومة داخل المجمع
الواقع يؤكد أنه لا توجد إحصائية ثابتة تؤكد كم وعدد المواطنين الذين يذهبون لمجمع التحرير بصورة يومية، لاختلاف طبيعة وظروف كل مواطن على حدة، إلا أن العدد قد وصل فى بعض الأوقات إلى نحو ١٠٠ ألف مواطن، وتفسير هذا يعود إلى كم المصالح الحكومية التى توجد داخله، حيث يضم العديد من المصالح الحكومية التابعة لما يقرب من ١٣ وزارة، وأكثر من ٢٥ جهة حكومية مثل مصلحة الجوازات والتعليم الفنى وإدارة البعثات والقوى العاملة والهجرة والتربية والتعليم. كما يضم نحو ١٣٥٦ حجرة للموظفين الذين يصل عددهم إلى قرابة ٣٠ ألف موظف وفق المعلومات التى تداولت حوله.
ولمن لا يعرف مجمع التحرير تم إنشاؤه وقام بتصميمه الدكتور مهندس محمد كمال إسماعيل فى عام ١٩٥١ خلال عهد الملك فاروق وكلف الدولة فى هذا الوقت مبلغ يصل إلى حوالى ٢ مليون جنيه، وهو مبلغ كبير خلال تلك الفترة، وأطلق عليه اسم المجمع لكونه مجمعًا للكثير من المصالح الحكومية فى وقت واحد، ويتميز بالصالات الواسعة والمناور والنوافذ العديدة والممرات الكثيرة بكل دور، ومع تزايد عدد السكان فى مصر بصورة كبيرة وتخطى العدد ١٠٠ مليون نسمة أصبح المجمع يمثل مشكلة ليس بالنسبة للمواطنين فحسب، بل أيضا للمنظر الحضارى اللائق بمصر أيضًا.

العاصمة الإدارية هى الحل
يقول الدكتور باسم حلقة، رئيس المجلس التأسيسى لنقابة السائحين المهنية، إن ميدان التحرير ميدان حيوى وهام يرتاده السائحين الذين يأتون لزيارة المحافظة كأحد المزارات الأساسية، ووجود مجمع التحرير فى تلك المنطقة خطأ كبير بسبب التكدس الكبير لآلاف المواطنين المتوافدين من وإلى الميدان، مؤكدًا أنه بالرغم من هذا يعد مجمع التحرير أحد الرموز والعلامات الهامة فى القاهرة الكبرى والمبنى الأشهر، لما له من قيمة كبيرة لدى المصريين، فهو يعد مجمعا كبيرا يضم داخله كل الوزارات داخل مصر. 
وتابع «حلقة»، عندما يتم نقل الجهات الحكومية فهذا سيعيد النشاط ويساهم فى تسهيل الإجراءات على المواطنين الراغبين فى إنهاء إجراءاتهم الحكومية هناك، وهو الأمر المنتظر خلال الوقت المقبل، لافتًا إلى أن مجمع التحرير يوجد فى موقع متميز ويمكن خلال الفترة المقبلة أن يتم تحويله إلى فندق سياحى، وهو ما سيعود على مصر باستثمارات كبيرة لموقعه المتميز فى قلب العاصمة.
وأضاف: السبب الرئيسى الذى حمل الإدارة السياسية على بناء عاصمة إدارية جديدة هو الزحام الكبير الذى يوجد بشكل كبير داخل محافظة القاهرة على وجه خاص، ومن المقرر أن يتم نقل الوزارات داخل العاصمة الإدارية الجديدة ووقتها ستكون الفرصة مناسبة لكى يتم تفريغ مجمع التحرير من الجهات الحكومية التى توجد داخله، لكى تكون كل وزارة جهة مستقلة عن غيرها وهو الأمر الذى سيساهم فى اختفاء الزحام بشكل أو بآخر عن محافظة القاهرة.