الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"مصر وإثيوبيا" جذور مشتركة رغم الانفصال.. فرمنتيوس المصري مؤسس الإثيوبية.. والأنبا كيرلس يرفض ضغوط الاحتلال الإيطالي لتغيير المذهب إلى الكاثوليكية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأت العلاقة بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية، والإثيوبية، فى أوائل القرن الرابع الميلادي، فى عهد البابا إثناسيوس الرسولى، البابا الـ٢٠، حيث قام برسامة أول أسقف لإثيوبيا، وكان يدعى فرمنتيوس، وكان مصريًا يعمل بحارًا، وتم أسره فى إثيوبيا فى أواخر القرن الثالث الميلادي، وكان صغيرًا فنشأ وتربى هناك ثم قام بتعليم أولاد الإمبراطور الإثيوبى وقتها.
وفى أوائل القرن الرابع، وفى زيارة له لمصر، قابل «فرمنتيوس» البابا إثناسيوس، وأكد له أن الشعب الإثيوبي، ورغم أن القديس متى الرسول قام بتبشيرهم فى القرن الأول الميلادي، لكنهم لا يعرفون الكثير عن المسيحية، ويحتاجون لمن يقوم بنشر الإيمان هناك، فأجابه البابا بأنه لن يجد من يعرف الشعب الإثيوبى والمنطقة هناك أفضل منه، وبالتالى قام برسامته كأول أسقف مصرى على إثيوبيا.
وقام البابا إثناسيوس بتسليم صلاة القداس باللغة اليونانية، ليصلى بها هناك، إلا أن فرمنتيوس أكد أن الإثيوبيين لا يعرفون سوى اللغة الأمهرية، فقاموا بترجمة القداس، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يترجم فيها القداس المرقسى للغة أخرى وكانت للإثيوبيين.
وقام الشعب الإثيوبى باستقبال فرمنتيوس استقبالا كبيرا وأطلقوا عليه «أبا سلامة»، ليعتبر مؤسس الكنيسة هناك، ومن هذا التاريخ أصبح بابا الإسكندرية هو المسئول عن رسامة الأساقفة هناك.
ومع انتشار المسيحية أصبح هناك أكثر من أسقف، وكانوا يحتاجون لرئيس أساقفة يكون مسئولا عنهم، ولأن هذا المنصب يحتله بابا الإسكندرية تم منح لقب «الجاثوليق» لرئيس أساقفة إثيوبيا، وهو تابع لبابا الإسكندرية، والذين وصل عددهم لـ١١٥ أسقفا وكانوا كلهم مصريين.
وآخر أسقف مصرى على إثيوبيا كان يدعى الأنبا كيرلس الخامس، والذى تمت رسامته على يد البابا كيرلس السادس البابا الـ١١٦، إلى أن احتلت إثيوبيا من الاستعمار الإيطالي، وقاموا بإرساله إلى إيطاليا، وهناك حاولوا الضغط عليه لتغيير مذهب المسيحيين الإثيوبيين من الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية إلا أنه رفض، مؤكدا تبعيته للكنيسة الأم فى مصر، وأنه لا يستطيع أن يتخذ مثل هذا القرار دون الرجوع إلى البطريرك الأرثوذكسي، ومع تمسكه الشديد بذلك قاموا بإرساله إلى مصر بعد أن كانت هناك محاولات كثيرة لاغتياله، نجا منها بأعجوبة، وبعد عودته إلى مصر رفض العودة مرة أخرى إلى إثيوبيا وظل موجودًا بكنيسة مهمشة، وأثناء ذلك الوقت كان الاستعمار الإيطالى يخرب الكنائس هناك.
ووفق لائحة ١٩٥٧ لانتخاب البطريرك القبطى الأرثوذكسي، والتى ما زالت سارية حتى الآن، فإنه يُضم خمسة مطارنة من كنيسة إثيوبيا للمجمع الانتخابى القبطى الأرثوذكسي، وحينما توفى البطريرك الإثيوبى باسيليوس عام ١٩٧١، وخلفه فى ذلك العام ثيوفيلوس، ومع سقوط الإمبراطور هيلا سيلاسى عام ١٩٧٤، فصلت الكنيسة فى إثيوبيا عن الدولة، وبدأت حكومة إثيوبيا الجديدة بقيادة منجستو هيلا مريام، بتأميم الأراضى بما فى ذلك أراضى الكنيسة، وفى عام ١٩٧٦، اُعتقل البطريرك ثيوفيلوس من قبل السلطات العسكرية، وتم إعدامه فى سرية، فى وقت لاحق من ذلك العام، فقامت الحكومة بأمر الكنيسة بانتخاب بطريرك جديد لها، فتم تتويج تيكلا هيمانوت على هذا المنصب، ورفضت الكنيسة القبطية انتخاب ذلك البطريرك على اعتبار أن المجمع المقدس للكنيسة الإثيوبية لم يقر بعزل البطريرك السابق ثيوفيلوس، لأنه لم يكن يُعرف بعد أنه تم إعدامه من قبل الحكومة، فكان لايزال يُعتبر البطريرك الشرعى لإثيوبيا.
وعلى إثر ذلك انقطعت وسائل الاتصال على الصعيد الرسمى بين الكنيستين، ولكن الكنيسة الأرثوذكسية لم تعترف بالبطريرك الجديد، مما أكد العلاقات الروحية بين الكنيستين حتى بدون اتصال، ولم يتعامل البطريرك الجديد تيكلا هيمانوت مع الحكومة الإثيوبية بالسلاسة التى كانت تتوقعها منه، ولذلك عندما توفى هذا البطريرك عام ١٩٨٨، تم انتخاب ميركوريوس عضو البرلمان الإثيوبى الموالى للحاكم لهذا المنصب.
وفى عام ١٩٩١ ومع سقوط نظام منجستو هيلا مريام الديكتاتورى وقدوم الجبهة الشعبية الديمقراطية الثورية الإثيوبية للحكم، عُزل البطريرك ميركوريوس بضغط من الشعب والحكومة، وانتخبت الكنيسة باولس بطريركا جديدا لها، وفر البطريرك السابق ميركوريوس خارج البلاد وأعلن من منفاه بأن عزله تم بالإكراه، وعلى ذلك فهو لا يزال البطريرك الشرعى لإثيوبيا، تبعه إلى ذلك عدة أساقفة وشكلوا خارج إثيوبيا مجمعًا مقدسًا لهم تعترف به عدة كنائس إثيوبية فى أمريكا الشمالية وأوروبا وتعتبر بأن ميركوريوس هو البطريرك الحقيقي، بينما استمر المجمع المقدس الآخر داخل إثيوبيا يقر بشرعية البطريرك باولس. 
وبعد أن استقلت إريتريا عن إثيوبيا عام ١٩٩١، أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية انفصال كنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترّية، فأصبح لها بذلك مجمعها المقدس الخاص المستقل عن المجمع الإثيوبى الأم. 
وبعد قيام ثورة ١٩٥٢ فى مصر فإن واضعى السياسة الخارجية المصرية، استهدفوا إقامة علاقات دولية جيدة، وخاصة مع دول حوض النيل، ولذلك فقد اقترح الرئيس جمال عبدالناصر، إقامة تكتل أو حتى حلف عسكرى يجمع بين مصر والسودان وإثيوبيا، ولكن هذا الاقتراح لم يجد قبولا وخاصة من إثيوبيا، وعندما أعلنت مصر عن نيتها فى إنشاء السد العالى عام ١٩٥٥، وفى الوقت الذى بادر فيه الاتحاد السوفيتى للإعلان عن استعداده لتحمل نفقات إنشائه واقترحت الولايات المتحدة تقديم مبلغ ٥٦ مليون دولار من خلال البنك الدولى لذلك المشروع، فقد أثار ذلك حفيظة هيلاسيلاسى الذى أعلن انتقاده الصريح للولايات المتحدة لإعطائها مصر المعادية للغرب، لعدم استشارتها إثيوبيا فى إنشاء السد، وبرغم تلك الأزمات وتوتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا فإن العلاقة بين الكنيستين لم تهتز.
وزار البابا كيرلس السادس فى ١٩٦٥ إثيوبيا، وكانت المرة الوحيدة التى يقوم فيها بزيارة خارجية، وزارها البابا شنودة فى ١٩٧٣، وعندما قام الحكم الشيوعى بعزل البطريرك وعين بديلا عنه وأبعد الكنيسة عن شئون الدولة وأمم أوقاف الكنيسة فاحتجت الكنيسة القبطية على ذلك، وانقطعت العلاقة تمامًا بين الكنيستين، وفى ٢٠٠٧، ونجح بطريرك الكنيسة الأرمنية بلبنان فى التوسط لاستعادة العلاقات بينهما، وتم توقيع إعلان مشترك بعودة العلاقات فى القاهرة، أعقبه زيارة البابا شنودة لإثيوبيا عام ٢٠٠٨، ومنذ ذلك الحين والعلاقة بين الكنيستين مستقرة.
وكانت الكنيسة الإثيوبية، طلبت فى عهد البابا شنودة الثالث، الانفصال عن الكنيسة المصرية الأم، وذلك مع ازدياد عدد الأساقفة الإثيوبيين، وبالتالى وجدوا أن «الجاثوليق» لابد أن يكون أيضًا إثيوبيا، الأمر الذى أغضب البابا شنودة الثالث، نظرًا للعلاقات التاريخية بين الكنيستين، والتى كانت توصف بأنها أم وابنتها، إلا أنه مع تمسكهم بذلك، تم انفصالهم مما أصاب العلاقة بين الكنيستين بالفتور والجمود وتم إلغاء منصب «الجاثوليق» ليصبح بطريرك إثيوبيا.
وظلت العلاقة فاترة، حتى تم تنصيب البابا باولس، والذى قام بزيارة البابا شنودة الثالث، وتم وضع بروتوكول بين الكنيستين من ضمن بنوده أن تشارك الكنيسة الإثيوبية فى انتخابات الكنيسة الأرثوذكسية، والعكس، كما أن البروتوكول نص أيضًا على أن أول زيارة لبطريرك إثيوبيا تكون للكنيسة الأم فى مصر.
وطبقًا لهذا البروتوكول الذى وقعه البابا شنودة كانت زيارة البطريرك متياس الأول إلى مصر فى يناير ٢٠١٥، وهى الزيارة التى تأجلت مرتين بسبب تصريحات رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسى المعادية لإثيوبيا. 
والكنيسة الإثيويبة، كنيسة «لا خلقدونية» أى من أنصار الطبيعة الواحدة للمسيح، وكانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والإثيوبية «موحدتين» فى الطبيعة ومتوحدتين فى الرؤية، لذلك فإن تبنى الكنيسة الإثيوبية لكلمة التوحيد وارتباطه باسمها الرسمي، هو للدلالة على إيمانها بالطبيعة الواحدة للمسيح أى طبيعة الكلمة المتجسد على غرار بقية الكنائس اللاخلقدونية، والتى تتشارك معها بالإيمان وهى: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، وكنيسة التوحيد الأرثوذكسية الإريترية، وكنيسة ملنكارا الأرثوذكسية فى الهند.
وساهمت الكنيسة المصرية فى جهود حل أزمة سد النهضة، وقامت بدور الوسيط لمعالجة مشاكل المياه، وزار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إثيوبيا، وخرج الشعب الإثيوبى للشارع لاسقبال البابا فى مواكب مهيبة.
وفى عام ٢٠١٣، أصدر البابا تواضروس الثانى، قرارا بتعيين الأنبا بيمن، أسقف نقادة وقوص، ممثلًا عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدى الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية، ومسئولًا عن العلاقات الاجتماعية والتنموية بين الكنيستين، وهو دائم الوجود فى إثيوبيا، داعمًا لنشاط الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من قوافل طبية وخدمات صحية فى إثيوبيا.
ووُلد الأنبا بيمن فى ١٩ ديسمبر ١٩٥٩، وهو مسئول لجنة إدارة الأزمات بالكنيسة، كما كان مسئولا عن متابعة ملف الكنائس التى تم حرقها وهدمها عقب فض اعتصامى «رابعة والنهضة» فى ٢٠١٣.
ومدير العلاقات الكنسية مع الكنيسة الإثيوبية، من مواليد مركز منفلوط، وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة أسيوط، وترهبن بدير السيدة العذراء المعروف بـ«المحرق» فى عام ١٩٨٦، ورسم أسقفًا بيد الراحل البابا شنودة الثالث فى عام ١٩٩١، ليكون أسقفًا لنقادة وقوص.