الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مفكر إماراتي شاهد على لصوصية "الإخوان" للمال الخليجي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تغيب ـ غالبًا ـ عن الخطاب التحليلى العربى الناقد لفكر جماعة الإخوان الإرهابية الطبيعة «الباطنية» لهذا التنظيم. رغم أن «الباطنية» هى الفكرة الأكثر قدرة على تفسير السلوك الاستباحى والإباحى للجماعة الإرهابية... فالكذب واللصوصية واستباحة أعراض كل شخص ضد الإخوان... كل هذه الموبقات وغيرها سببها ومنشؤها «باطنية التنظيم الإخواني». 
وإذا كان باطنيو الأزمنة الغابرة قد استباحوا واستحلوا الدماء والأموال والأعراض من أجل السلطة فإن ـ الإخوان ـ باطنى العصر الحديث قد ساروا على خطى أسلافهم الأوائل فارتكبوا ذات الجرائم والموبقات.
فى هذا السياق لم أندهش إطلاقا من اشتباك المفكر الإماراتى البارز د.جمال سند السويدى مع تيارات الإسلام السياسى فى سيرته الذاتية التى صدرت مؤخرًا تحت عنوان: «لا تستسلم... خلاصة تجاربى» فالسويدى هو الوجه الخليجى الأبرز فكريًا فى مواجهة هذه التيارات من خلال كتبه وأبحاثه وأبرزها كتابه «السراب» الذى يعد مرجعًا لا غنى عنه لمن يريد أن يعرف آلاعيب وأكاذيب «المتأسلمين»...لكن الإضافة المهمة فى هذا الكتاب هى توثيق المؤلف بالوقائع للصوصية الإخوان من خلال استيلائهم على أموال إماراتية وإنفاقها فى أنشطة تنظيمية. 
فى هذا الكتاب أيضًا أرخ ورصد السويدى الذى يرأس «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» محاولات الجماعة الإرهابية السيطرة وإسقاط دولة الإمارات تحت قبضتهم كما فعلوا فى دول خليجية وعربية أخرى. 
تزامن صعود تيارات الإسلام السياسى فى العالم العربى مع فترة الدراسة الجامعية للمؤلف فى جامعة الكويت فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى، حيث سعت هذه الجماعات للسيطرة على النشاط الطلابى ويسجل السويدى تحركات هذه التيارات قائلا: بدأ غزو التيارات الدينية السياسية للجامعة من الأسفل ـ أى من الطلبة ـ ولم يكن من بين أساتذة قسم العلوم السياسية ـ فى جامعة الكويت ـ من يناصر الأفكار الظلامية فقد كانوا ينتمون إلى جيل مختلف له طموحاته الكبيرة وطنيًا وعربيًا وإنسانيًا ويتسم بالانفتاح على العالم وعلى الفكر الإنسانى بحرية ووعى.... لذا بدأ التحرك الظلامى من أسفل بحيث يسيطر على عقول الطلبة وهم فى المرحلة الثانوية أو ما يسبقها». 
أما عن وجود «الإخوان» فى الإمارات ومحاولة السيطرة عليها فيوضح أنه بعد هروب قيادات الإخوان من مصر بعد صدامهم مع الرئيس عبدالناصر سعوا للانتشار فى دول الخليج والسيطرة عليها. ومن أبرز قيادات الجماعة التى استقرت فى الإمارات فى أوائل السبعينيات الراحل الدكتور عز الدين إبراهيم، وكان مديرًا لجامعة الإمارات عند تأسيسها وعمل ـ كما يرصد المؤلف ـ على أخونة الجامعة وكل مؤسسات التعليم من أجل السيطرة على المجتمعات الخليجية. 
وحول سرقة ولصوصية الإخوان لأموال الخليج يوضح السويدى أن كثيرًا من قيادات الإخوان أرسلوا عددًا كبيرًا من أعضاء الجماعة درسوا فى الخارج بأموال إماراتية... بالمناسبة نفس السيناريو اللصوصى تكرر فى دول خليجية أخرى. 
من الأمور الطريفة التى رصدها المؤلف تحريم الإخوان استدعاء مدرسين أجانب لتدريس اللغة الإنجليزية فى الإمارات حيث سعى «الإخوان» إلى إثارة قلاقل من عينة: «تدريس الكفار لبناتنا لا يجوز» واخترعوا مرة أخرى - كما يقول السويدى - أكذوبة أن مناهج التعليم تهين الأنبياء وتحديدًا نبى الله صالح - عليه السلام-.
إذا كان الاشتباك مع تنظيمات الإسلام السياسى هو جانب هام فى «لا تستسلم» فالكتاب يضم – أيضا - تجارب وزوايا إنسانية بديعة منها على سبيل المثال ما يلى:
أولا: فى حديثه عن وفاة والدته وأثر ذلك عليه... يقول السويدى: رحلت ومعها قطعة من روحى ونفسى وظل أثر دعواتها الصادقة يحفنى بالحماية ويحيطنى بالسكينة فى أصعب اللحظات ولا أزال أستمد من فيض حنانها طاقة أمل وحب تجعل الحياة أجمل وأنقى.... وكثيرا ما يقول لى الأصدقاء والمحبون إن كلماتى ومشاعرى ونبرات صوتى وحتى لغة جسدى تختلف حين أتحدث عن أمى.
ثانيًا: وعن ولادة ابنه البكر خالد يقول: اكتسبت حياتى مصدرًا جديدًا للأمل والقوة...كانت ولادة نجلى خالد فرصة لأعيش إحساس الأبوة بما ينطوى عليه من سعادة يندر أن يمنحها أى حدث آخر، السعادة التى غمرتنى مع النظرة الأولى وسماع أصوات حروفه الأولى عندما تعزفها شفتاه ووقع خطواته الأولى التى راقبتها بمزيج من الفرح والقلق، واستمر ذلك فى مراحل طفولته وشبابه وكان حفل زفافه من لحظات البهجة التى لا تنسى فى حياتى.
ثالثا: كذلك ينقل لنا تلك اللحظة المؤلمة لحظة تلقيه لأول جلسة للعلاج الكيماوى بعد إصابته بالسرطان: كنت فى ذلك اليوم على موعد مع أولى جلسات العلاج الكيماوى، وعلى كثرة ما واجهت من صعوبات خلال رحلة طويلة للعلاج من أمراض مختلفة، فقد كانت هذه الجلسات هى أكثر الأوقات التى ينتابنى فيها شعور بالضعف، فقد كان يحيط بسريرى عدد هائل من الأكياس المختلفة الألوان تنفذ منها إلى جسمى محاليل وأدوية عبر أنبوب يدخل فى فتحة جراحية بكتفى. ومن هذه الأدوية والمحاليل ما يؤخذ قبل جرعة الكيماوى ومنها ما يؤخذ بعدها وذلك من أجل تكييف الجسم للتعامل مع ما يتلقاه من السموم التى تتكون منها الجرعة»... ويكمل: كنت مع مرور الوقت أعرف اللحظات التى سيتزايد فيها الألم وأستعد له وإذا كان اللون الأخضر يعنى للناس الأمان والخصوبة فإن الدواء الأخضر الذى تحتويه قارورة صغيرة جدًا فى جلسات العلاج الكيماوى كان يعنى لى ألما هائلا يجتاح جسمى، فقد كنت حين يسرى ذلك المستحضر الأخضر فى دمى أرى دخانا يخرج من فمى بالمعنى الحقيقى لا المجازى، وبالتأكيد فإن شيئًا ما فى الداخل كان يحترق ويصبح الجسم هشًا وبالغ الضعف أمام أى عارض صحى... وفى هذه الحالة قد تكون أى نزلة برد أو إصابة بالزكام قاتلة، فالجسم الذى تتهاوى مناعته بفعل الآثار الجانبية للعلاج الكيماوى لن يمكنه مواجهتها لذا يحاول الأطباء إغلاق الطرق أمام أى مرض من هذا النوع ويكون عليك مع العلاج الكيماوى أن تتعامل مع أعراض جانبية مؤلمة أقلها سقوط الشعر».
شفاء المؤلف من مرض السرطان كان هو السبب لاختيار «لا تستسلم» عنوانا لسيرته الذاتية حيث يشرح ذلك: «ستموت بعد أسبوعين» هكذا قال لى الطبيب البريطانى بلهجة محايدة فى ذلك المساء البعيد من شهر ديسمبر ٢٠٠٣ وكأنه يلقى إلى خبرًا عن مباراة كرة قدم فى دورى محلى بين ناديين مغمورين»... ويوضح: لم يكن لهذه السيرة الذاتية أن تظهر إلى النور لولا تجربتى مع مرض السرطان ومعاناتى مع العلاج خلال رحلة استمرت أكثر من عشرة أعوام منذ نهاية عام ٢٠٠٣. وقد شاءت رحمة الله وعنايته أن أشفى من مرضى وأن أكمل مسيرتى فى الحياة مسلحًا بهذه التجربة التى تعيد خلق الإنسان من جديد، وربما تكون هذه التجربة هى التى أقنعتنى بأن لدى ما يمكن أن أقدمه إلى قرائى خارج المجال الأكاديمى والبحثى الذى كرست له حياتى ومجهودى».
ويمضى قائلا: أردت أن أقول لكل مريض بالسرطان إنه يمكن أن يكون بعد عشر سنوات أو عشرين سنة فى بيته ووسط أبنائه وأحبائه يواجه الحياة بعزم وقوة، كما أفعل أنا، ويواصل رسالة إعمار الحياة التى أمرنا الله بها. وأردت أن أقول بشكل عملى إن السرطان ليس حكمًا بالإعدام واجب النفاذ ولا سبيل إلى مقاومته بل هو مرض يمكن للعلاج أن يهزمه بشرط ألا يستسلم الإنسان له وهذه رسالة الكتاب ومهمته».. جمعت السيرة الذاتية للسويدى بين «الشخصى» و«الفكرى» فى تناغم ممتع وشيق.