الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللاهوية المصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كل شىء ليس ذا قيمة يأخذ ضجة ليست لها علاقة بحجمه الحقيقي، ولكنها تكون مؤقتة، حيث تنتهى تلك الحالة وينتهى معها كل شىء يتعلق بهذا الشىء التافه، الذى أعطاه الناس شهرة زائفة لبعض الوقت، ثم لا يعود أحد يذكره.. الأشياء القيمة غالبًا ما تكون مندثرة ولا تأخذ شهرة مبالغا فيها، إلا إذا ضربت على أوتار قد أوجعت الناس فحاربوها لجهل أو لخوف..
ليس من السهل مواجهة النفس والثورة على العقل، وكل ما هو مألوف، خاصة فى المجتمعات العشوائية مثلنا.. وغالبًا ذلك الشىء القيم لا يعرف قدره سوى القليل، ثم الأكثر فالأكثر عبر الأجيال ومرور الوقت، لكن تبقى فى النهاية حقيقة واحدة أن الناس يفيضون فرحًا وتهليلًا لكل ما هو تافه، يضعونه فى منزلة العظماء، حيث يكون موضوع نقاش وبحث حتى لو لوقت قصير، ولكنه حدث بدلا من أن يتجاهلوا السفهاء عديمى المواهب، يعطونهم ما يريدون، فيجدوا أن فى السفاهة مجدا، فيتصارعون حول من سيكون الأكثر سفاهة، ويستمر الناس فى التشجيع، حتى يصبح الذوق العام مريرا وقاسيا، ويتقبل من بعدهم الشكل الأسوأ من السفاهة، وهكذا حتى ينعدم الإحساس بكل ما هو راق وعميق وجميل، لأن الناس اعتادت القبح قدر الإمكان.
الذوق العام ليس إلا ما يخرج من الناس للناس، فيهمونه أكثر من أى شىء، فيسمى شعبيا، وهو محبوب لدى الجميع مهما عارضوه، لأنه الشىء الوحيد الذى يشبههم حقًا من الداخل مهما حاولوا إظهار ارتقائهم فوق هذا النوع من العشوائية، سيظل هذا أكثر ما يعبر عنهم ويفهمونه، ولنا فى ما نعيش الآن من عشوائية فى الذوق العام، الذى طغى على كل أنواع الفن دليل قاطع على مدى تخلفنا وانحدار فكرنا وأخلاقنا، على حد سواء، وإن حاول البعض التنصل عن الأغلبية، فكلنا طرف فى المؤامرة التى نحيكها لأنفسنا بكل ما أوتينا من قوة، وكلنا بلا استثناء نتلذذ بتلك الفوضى التى تعترينا بدون وعى منا إلى أين ستقودنا، فقد أصبحت الفوضى واقعا والغوغائية أسلوب حياة فى كل شىء نعيشه، وفى كل أمر من أمور دنيانا وديننا أيضًا..
لا يجب أن نلوم على صانعى الفن بأنهم قد دمروا جيلًا بأكمله، فهم ليسوا إلا مرآة لنا، والجيل الذى سبق هذا الجيل الذى لا راد له عن عدم الوعى، الذى هو السبب الرئيسى فى وصولنا إلى هذا الواقع المؤلم، فهم لم يعلموهم شيئا، وربما كان ذلك لأنهم لم يتعلموا شيئًا أيضًا، فلم يستطيعوا مواجهة العولمة التى فتحت أعين مجتمع ظل منغلقا على نفسه لمئات السنين.. 
لم يستطع أحد تحديد هويتنا، التى كان من المفترض التمسك بها، لأننا بلا هوية من الأساس، اندمجنا مع كل هويات العالم فتهنا فى وسطها، أعرب نحن أم غربيون، شرقيون أم مجرد أفارقة تم احتلالهم من كل أطياف البشر، وما زالوا محتلين بدون جيوش أجنبية؟! من نحن؟ وإلى أين؟
لماذا أصبحنا بلا هوية إلى درجة تناسى من نحن؟ ولماذا كل هذا الكسل عن التغيير بدلًا من الانضمام لمجموعة لا تشبهنا قد فعلت ما لا نستطيع نحن فعله لأنفسنا؟ لماذا كل هذا العبث؟ ليس من السهل البدء بتغيير النفس ليتغير كل شىء فيما بعد، ولكن هذا ما خُلق الإنسان من أجله، وهذا هو الاختبار الذى علينا اجتيازه، وهذا أقل ما يمكن تقديمه لوطننا ومستقبل أولادنا بدلًا من تركهم بين خيارين لا ثالث لهما، إما الهرب، أو الانضمام لضفادع بالوعات الصرف الصحي.