الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حسين حمودة: تجاهل الترجمة جعلنا في قطيعة ثقافية مع العالم

الدكتور حسين حمودة
الدكتور حسين حمودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدكتور حسين حمودة، الناقد الكبير، وأستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، واحد من أصحاب البصمات فى عالم النقد الأدبى، والذي يشارك في المعرض من خلال ثلاث ندوات أولها تناقش إسهامات عبدالرحمن الشرقاوي الروائية فى رواياته «الأرض»، و«الشوارع الخلفية»، و«الفلاح»، وندوة ثانية حول كتاب الدكتور جابر عصفور، الذى قدّم فيه دراسة ضافية عن شعر أمل دنقل تحت عنوان «قصيدة الرفض»، وندوة ثالثة عن «إشكالات الرواية التاريخية» مع الكاتب الروائى الجزائرى واسينى الأعرج. حاورته «البوابة» حول الكثير من القضايا الأدبيّة المثارة.. وإلى نص الحوار:
■ كيف ترى معرض الكتاب هذا العام.. وما مدى مشاركتك فيه؟
ـ المعرض هذا العام اختار محورًا مهمًا مرتبطًا بتجربة عبدالرحمن الشرقاوي، وهى تجربة غنية، ومتسعة، ومتعددة المجالات كما نعرف جميعا، فإسهامات الشرقاوى فى الرواية والقصة والمسرح الشعرى والمقالات والدراسات الإسلامية.. إلى آخره، كلها إسهامات أساسية فى فترة حاسمة من تاريخ الأدب العربي، وكثير من هذه الإسهامات قام بدور ريادي، استكشافى، على مستويات متعددة، كذلك المعرض اختار الجزائر كضيف شرف، وهو اختيار موفق، فنحن بحاجة للتواصل الثقافى مع الجزائر، وبحاجة لنفى الآثار السلبية التى ترتبت فى فترة ما بسبب لعبة كرة القدم.
مشاركتى فى المعرض تتمثل فى ثلاث ندوات: واحدة عن عبدالرحمن الشرقاوى روائيا، وتحديدا عن إسهامه الروائى فى رواياته «الأرض»، و«الشوارع الخلفية»، و«الفلاح»، وندوة ثانية حول كتاب الدكتور جابر عصفور، الذى قدّم فيه دراسة ضافية عن شعر أمل دنقل تحت عنوان «قصيدة الرفض»، وندوة ثالثة عن «إشكالات الرواية التاريخية» مع الكاتب الروائى الجزائرى واسينى الأعرج.
■ أنت من أفضل من عالجوا عمل صبرى موسى «فساد الأمكنة» نقديّا.. هل ترى أن الرواية كانت بمثابة دعوة لعودة الإنسان إلى الطبيعة؟
- عفوا، هناك قراءات كثيرة ممتازة لهذه الرواية التى تستحق ما لا حصر له من القراءات.. هى رواية تقوم على نوع من الكتابة متعدد الأغوار والطبقات، وتسمح بتعدد التفسيرات والمقاربات النقدية لها.. وقد كانت قراءتى واحدة من القراءات الممكنة لهذه الرواية.. وعلى أية حال، فالرواية تطرح، فيما تطرح، فكرة عودة الإنسان للطبيعة، أو تطرح ثنائية «الطبيعة/الحضارة» وتتساءل عن «شرور المدنيّة» وإمكانات الخلاص منها.. ولكنها فى النهاية تشير إلى طريق الفشل فى هذه الوجهة، أو على الأقل عدم النجاح.. ففى الرواية استطاعت المدن، بكل ما فيها من فساد وشرور وشهوات ومطامع، أن تتسلل إلى الفرودوس الذى يقيمه «نيكولا»، الشخصية المحورية بالرواية، فى قلب الصحراء.. وعلى ذلك فالعودة إلى الطبيعة لم تنجح فى الرواية لأن اليد الطولى لا تزال لأولئك الذين لا يريدون العودة إلى الطبيعة، ولا يرون فيها إلا سبيلا لتحقيق مطامعهم وشهواتهم التى لا نهاية لها..
■ ما أبرز سمات صبرى موسى ككاتِب فى نظرك؟
- تجربة صبرى موسى كلها، بتنوعها الكبير، وعلى الرغم من أنها لم تشمل عددا كبيرا جدا من الأعمال، تجربة مميزة جدا.. من سماتها تلك القدرة الواضحة على تناول قضايا كبيرة ومهمة وتجسيدها بشكل يبدو بسيطا على المستوى الظاهري، ومن سماتها أيضا الحنوّ الواضح على الإنسان، والانشغال بمصيره كجزء من المصير الإنسانى كله، وأيضا هناك تلك اللغة الجميلة، الشفافة، التى صاغ بها عالمه.. فضلا عن المغامرة الفنية الواضحة فى عدد من أعماله التى استكشفت مساحات جديدة فى الكتابة القصصية والروائية بوجه خاص، ومن ذلك اكتشافه المبكر جدا لمساحات فى الكتابة أصبحت تمثل مسارا روائيا فيما بعد، فيما سمّى «رواية الصحراء العربية».. هى باختصار تجربة إبداعية خاصة به وحده، وتقريبا بلور فيها روحه الطيبة، وبث فيها تساؤلاته، وجسّد فيها انشغالاته التى تتقاطع مع انشغالات الشخصيات المتنوعة التى كتب عنها..
■ إلى أى مدى نجحت النظريّة النقديّة الفرنسية التى طالبت فى القرن الماضى برواية حديثة تتنكّر للرواية الكلاسيكية؟
ـ الرواية فى القرن العشرين قفزت قفزات هائلة انقطعت بها عن الرواية الكلاسيكية.. وهناك مغامرات روائية كبيرة متعددة، فى الأدب الغربي، منذ بدايات القرن العشرين، ثم فى أدبنا العربى فيما بعد، قدمت ما يشبه الفتوحات فى تناولات الرواية، وكيفيات بنائها، وتقنياتها وجمالياتها.. والحقيقة أن هذا لم يكن نتيجة لنظريات نقدية بعينها، بقدر ما كان نتيجة لاستكشافات الروائيين أنفسهم لحدود الشكل الروائى وإمكاناته، وهو شكل مفتوح على أجناس تعبيرية لا نهاية لها.. الرواية تستطيع أن تستوعب التاريخ، والوثائق، والشعر، والعلوم المتعددة، والمعلومات المتنوعة، والخطابات اليومية، إلخ.. وهى بذلك شكل مرن ومتسع دائما.. وقد أفادت روايات القرن العشرين، فى ثقافات وآداب متعددة، من هذه الإمكانات كلها، وقدمت إضافات مهمة جدا لرواية القرن التاسع عشر.
■ لقد حجب بزوغ نجم يوسف إدريس أقرانه من كتّاب القصة القصيرة.. هل لا يزال ذلك الحجب ممتدّا إلى الآن؟
- فكرة الحجب، فيما أتصور، تحتاج إلى إعادة نظر.. لا يستطيع كاتب أن يحجب كتابا آخرين.. ولكنه يستطيع، خلال أعماله، أن يجذب الانتباه إلى هذه الأعمال.. يوسف إدريس كاتب موهوب موهبة استثنائية، وقدم كتاباته فى فترة كان يكتب فيها كتاب كثيرون، وكاتبات كثيرات.. ولا تزال أعماله، وأظنها سوف تظل، تجتذب القراء.. وهذا لا يعنى أنه ليست هناك أعمال أخرى لكتاب ولكاتبات آخرين وأخريات اجتذبت وتجتذب القراء.. فى الأدب لا أحد يحجب أحدا.. ولكن قد يتركز الاهتمام بدرجة أكبر حول بعض الأدباء فى بعض الفترات.. وطبعا الزمن عنصر فعال يمكن أن يقوم بعملية «انتخاب طبيعي» لما يستحق البقاء.. أتصور أن كتابات يوسف إدريس سوف تبقى لأزمنة مقبلة طويلة.. وأن هناك أعمالا أخرى كثيرة، لكتاب وكاتبات، سوف تبقى لهذه الأزمنة..
■ إلى أى مدى نحن متواصلون مع العالم ثقافيّا ومعرفيّا؟
-نحن لسنا متواصلين إلى حد كبير، للأسف.. وهذا يرتبط بأسباب كثيرة، منها أننا لا نقوم بالترجمة الكافية للنتاج الثقافى من بلدان العالم، ولا نهتم بترجمة ثقافتنا وآدابنا للغات الإنسانية التى يجب أن نترجم إليها أعمالنا.. بالإضافة إلى أننا لم نعد نهتم بالبعثات العلمية كما كان يحدث فى فترات سابقة.. وأتصور أن علينا القيام بأدوار متعددة لتحقيق المزيد من التواصل مع ثقافات العالم ومعارفه وإبداعاته..
■ مَن مِن الكتّاب الحاليين مؤهّل لإنتاج أدب عالمى؟
- لدينا عدد كبير من المبدعات والمبدعين، فى مصر والوطن العربي، يقدمون أدبا عالميا بالفعل، أو بعبارة أدق يقدمون أدبا إنسانيا يستحق الوصول إلى العالم كله.. ولكن قنوات توصيل هذا الأدب ليست متاحة بما يكفي.. وفى هذه الوجهة، علينا أن نلاحظ حسن الحظ، ومناسبة السياق، اللذين جعلا تجربة نجيب محفوظ تحظى بما حظيت به عالميا.. لقد أتيحت لأعمال محفوظ فرص الترجمة منذ وقت مبكر، وكتب عنها نقاد مهمون بلغات متعددة أيضا منذ زمن مبكر [ومن هؤلاء الأب جاك جومييه وأندريه ميكيل وتريفور لوجاسيك].. هذا ليس متاحا الآن لكتاب وكاتبات يستحقون الاهتمام والعناية بتوصيل أعمالهم للثقافات الإنسانية كلها.
■ هل تسبب مفهوم «البيست سيلر» فى انتشار الكتابات الاستهلاكية التجارية؟
- نعم، طبعا.. وهذه ظاهرة كبيرة ليس فى ثقافتنا وحدنا وإنما فى ثقافات العالم كلها.. ولكنها عندنا تخضع لملابسات خاصة، منها عدم دقة أرقام التوزيع، وعدم مصداقية عدد الطبعات، ومحدودية ما يطبع فى الطبعة الواحدة.