الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس أندريه زكي: التراشق بين رجال الدين "تكسير عظام".. الشتائم نموذج مفلس غير موضوعي.. وأغضب من حملات التخوين.. أحلم بمواجهة الفكرة بالرأي.. وليس عيبًا أن نسأل الشباب عن آمالهم

القس أندريه زكي
القس أندريه زكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنتم فى حاجة إلى الشباب فشجعوهم وافتحوا لهم الأبواب، وأعتقد أن رجال الدين سوف يكون نجاحهم أقوى بالشباب، وأقولها بطريقة أوضح: «القس إللى معندوش شباب فاشل ومالوش مستقبل».
بالرغم من أن السماوات المفتوحة وسيلة جعلت العالم قرية صغيرة، إلا أنها أصبحت منصة للحرب والإدانة ولم ينج أحد منها، ولأن منابر وسائل التواصل الاجتماعى ليست حكرا على أحد، فأعطت الفرصة للجميع للتعبير عن رأيه، مما يقابله البعض بالعمالة والتخوين فى بعض الأحيان. ولم تختلف صفحات رجال الدين أو المدافعين عن العقيدة وفق وجهة نظرهم كثيرًا، فكل منهم يعين من نفسه قاضيا وسجانا لأفكار الآخرين، ولأن الأفكار اللاهوتية من الصعب على عامة الشعب أن يعرفها، فأخذ بعض رجال الدين فى التراشق واصفين بعضهم بالمهرطقين والخارجين عن الإيمان، ومسحاء كاذبين ومضللين. 
وفى ظل تلك الأجواء الملبدة بالاتهامات، خرجت بارقة نور من شباب خدمة المجتمع المسيحى التابع للكنيسة الإنجيلية «TC»، ليطلق حملة تحت عنوان «نقد لا نقض»، وحاورت «البوابة» الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، للتعرف على الحملة ورأيه فيها. فإلى نص الحوار..
■ ما تعليقك على التراشق بين رجال الدين على مواقع التواصل الاجتماعي؟ 
- هذا من الموضوعات التى تحتاج إلى وقفة، وأرى أنها معركة تكسير عظام، فبدلًا من أن تكون مواجهة الفكرة بفكرة، أصبح الأشخاص لا يهتمون بالأفكار وتحولت المعركة إلى معركة أشخاص، ومن وجهة نظري، أرى أن هذا سببه عصر السرعة بما أتاحه من وسائل تواصل سريعة.
ويحزننى تلك الحرب التى تشن على الأفكار بالشخصنة، فأصبح المقياس من هو الشخص، ولمن ينتمي، وليس ما هو الفكر الذى يقدمه، وهذا التراشق شىء مؤسف، وأنا أشجع الناس أن تنتقدني، ولكنى أتضايق من هؤلاء الذين يشتمونني، وليس لدى مانع أن ينتقد أحد ما أفعل أو أقدم، ولكن الشتائم نموذج مفلس غير موضوعى كما أن حالات التخوين بين الأشخاص من الأشياء التى تثير غضبي، فكيف أتهم آخر بالعمالة لمجرد الاختلاف معه فى الفكر، فكان من الأفضل أن أواجه فكرته بفكرة وليس التطاول على الشخص. 
والنقد مهم فهو يتيح لنا أن نحدد العيوب والمميزات فى الفكرة، ولكن تدمير الأفكار فقر ومرض، فالشخص الذى ينتهز الفرص للتراشق من النقاش فاقد لأبسط أدوات الحوار والنقاش، والبشرية تحتاج إلى شفاء من هذه الأفكار التى يموج بها التواصل الاجتماعى على مستوى العالم، والتى صدرت للمجتمع أفكارا محطمة للآخر وكاشفة «أكسروا – أقضى عليه- خائن – عميل- من هو- لمن ينتمي» فالاختلاف فى وجهات النظر السياسية ليس بالضرورة أن الآخر عميل وخائن للوطن، وأعتقد أنه لو تم انتقاد الفكرة وليس الشخص فهذا سيساعد فى التقدم على المستوى السياسي، فلم نعد ننافس أفكارا بأفكار ولكن تحولنا إلى تبادل الاتهامات.
ولا أستطيع أن أنكر أن وسائل التواصل لها العديد من الإيجابيات والتى لا يمكن أن نتجاهلها. 
■ ماذا عن التراشق اللفظى على مستوى الكنيسة؟ 
- الكنيسة لو لم تحكمها قيم السيد المسيح، فسوف تكون النتيجة أخطر، فالكنيسة هى مجتمع السماء على الأرض، وهذا ما نردده فى الصلوات الربانية «ملكوتك كما فى السماء كذلك على الأرض»، وسوف تصبح محطمة ومؤلمة عندما تأتى الطعنات من الداخل تسبب جروحا عظيمة تحتاج إلى وقت طويل حتى نشفى منها، ولهذا فإن هذا التراشق داخل الكنيسة يحتاج إلى شفاء روحى ونهضة داخل الكنيسة لرفض تلك الأفكار المدمرة. 
وبداخل الكنيسة اتهامات والعديد من الأشياء غير السليمة، وما أحلم به هو مواجهة الفكرة بفكرة «والرأى بالرأي» البعض يجهض الأفكار، فى البداية القائد يريد أن يكون محط الأنظار ويكون الفكر فكره وحده وهذا يكون سببه إحساسه بعدم الأمان وأن من حوله لديهم أفكار أفضل من أفكاره، ومن هنا يقتلها قبل ما تولد، فالقائد الذى لا يحيط به قادة هو فاشل، ومن يقول إنه لا يوجد قادة أو مؤهلون هو نفسه فاشل. 
فالقائد الناجح هو من حوله أشخاص أفضل منه، وإن تحدثت عن نفسى كمثال أنا أشكر الله لأن حولى فى الطائفة الإنجيلية العديد من الأشخاص الأقوياء وهم يساندوننى فى الخدمة، وليس على سبيل الاتضاع المزيف عندما أقول إنهم أفضل وأقوى منى ولديهم شعبية أكثر من شعبيتي، وأنا سعيد بهم لأننا نكمل بعضنا البعض.
■ كيف تنظر إلى الأفكار التى أجهضت قبل أن تولد بسبب النقض؟
- كم من مرات رأيت فرصا ذهبية لأناس كان من الممكن أن يغيروا تاريخ الكنيسة، وحزين لأنه لم تعط فرص للشباب، فلو تمكن الشباب بالكنيسة لصنعوا نهضة كبيرة، ومن أهم الموضوعات التى أعكف على عمل استراتيجية له عام ٢٠١٨ لندرس تلك الأفكار التى قتلت قبل أن تولد وما هو التأثير الذى كان من الممكن أن تصنعه تلك الأفكار فى مجتمع الكنيسة. 
وأنا أغير من الشباب وخاصة من «TC» لأنهم يتواصلون مع الشباب وناجحون فى بناء الجسور بينهم وبين الشباب ويفتحون العديد من الملفات المسكوت عنها داخل الكنائس، وخاصة قضايا التعافى والعفة، والجنس والمخدرات، كلها موجودة بشكل كبير ونحن نريد أن نغض البصر عنها وننكرها ولا نواجهها.
فكرة «نقد لا نقض» تلك الفكرة تحدثت عنها فى أحد اللقاءات وكانت «لا تدينوا لكى لا تدانوا» وتبنى تونى رزق تلك الفكرة، وعندما شاركنى بأنه يريد تطوير الفكرة وعمل حملة داخل الكنائس تحت عنوان «نقد لا نقض» لم أتردد لحظة فى مساندتها، والتى أعتقد أنها ستغير الكثير فى المجتمع الكنسي.
■ ماذا تتوقع من حملة «نقد لانقض»؟
- أتوقع «لغة جديدة» لغة بعيدة عن الدينونة والنقض، لأن اللغة سلاح ذو حدين من الممكن أن تكون وسيلة بناء أو وسيلة هدم، أتمنى أن أرى مفاهيم جديدة وسط الشباب ونتبنى النقد المنهجي، بطريقة بسيطة ولكن علمية، وأن يساعد الشباب الكنيسة فى تبنى هذا الفكر «نقد لا نقض» كما أتمنى أن أرى أعدادا كبيرة من الشباب تعرف الله، فمعرفة الله تغير الحياة.
■ رجال الدين فى بعض الوقت وبحسب قاماتهم لا يتقبلون أفكار الشباب وينتقضونها، فما هو تعليقك؟ 
- أقول ليس من العيب أن نسأل الشباب ماذا يريدون، والأفضل أن نعرف ما الذى يريدونه ونبسط المسائل، فنحن فى عصر الإبداع وليس التعقيد، ولا بد ألا ننسى أن المسيح انتقد الكتبة والفرسيين بشدة لأنهم كانوا يعتقدون معرفة الله فى أعين الشعب، ونحن فى بعض الأحيان نفعل مثلهم بدون وعي، فلا بد أن نكون بسطاء وقريبين إلى قلوبهم.
■ فى الآونة الأخيرة خرجت العديد من المصطلحات مثل «الصوفية» ولاقت هجوما شديدا من البعض فما هو تعليقك؟
- لا يجب أن تنغلق الكنيسة على نفسها، بل تنفتح على الأفكار الأخري، ولكن ليس كل فكرة أخرى مفيدة والجماعة تستطيع من خلال حوار بسيط وسهل أن تحدد ما هو المفيد وما هو غير المفيد؟.
فكرة «الصوفية» فى حد ذاتها ليست فكرة غريبة فهى موجودة فى كل الأديان، وكل حسب مفهومه وكذلك تؤثر عليها ثقافات مختلفة، وأنا لست مهتما على القدر الكافى، ولكنى أتعجب من البعض الذى يريد أن يدخل مصطلحات معاصرة للكنيسة بدون أى هدف مثل «المسيحية مع الاشتراكية» ويستند إلى ما قامت به الكنيسة الأولى والتى كان كل أعضائها يتشاركون فى كل شيء وهذا ليس صحيحا، فالظروف التى كانت تمر بها الكنيسة الأولى، دفعتها لأن يكون كل شيء مشتركا فالرومان كانوا وقتئذ يحاصرون المؤمنين الجدد وكان شبه مجاعة، فكان البعض يتبرع بالطعام للمحتاجين والبعض الآخر بجزء من أموالهم، ولم تكن اشتراكية ولكن الحصار الاقتصادي، وأنا لست مع تلك المصطلحات التى أقحمها على الناس والكتاب المقدس، لكن بساطة الإيمان هى أفضل شيء.
■ بعض رجال اللاهوت يدعون أنهم حماة الإيمان وكأنهم حراس العقيدة.. فما هو تعليقك؟
- أنا رجل متمسك بعقيدتى والذى لا يملك عقيدة ليس له لون، ولكن السؤال الأخطر هل العقيدة سور بينى وبين الآخر؟، فلو العقيدة أصبحت سورا بينى وبين الآخر، فسوف أتجاوز العقيدة، لأننى هنا أتبع سيدي، ففى مثل السامرى الصالح كان اليهودى عدو السامرى فى العقيدة، وكان عدوه سياسيًا وحتى الجنسية، والأخطر أن السامرى بالنسبة لليهودى كان نجسا، فيبدو المشهد مظلما، ولكن السيد المسيح قال إن السامرى الذى فعل الخير هو القريب، فهنا اختفت العقيدة فالمسيح أوضح أن الذى صنع الرحمة مع اليهودى هو السامرى والذى هو ضده فى العقيدة، ولكن مع المسيح ظلمة الحرب تحولت إلى نور.
عندما تمنعنى العقيدة عن الحب والعطاء والتفاعل مع الآخر فهى تحولت من عقيدة إلى تعصب وتطرف، فلا بد أن نفهم أنه عندما أقتنع أنى أنا الصح وكل من حولى خطأ تأكد أننى أنا الخطأ، ولو جاء المسيح لو اليوم سوف ينتقد المؤسسة الدينية كثيرًا وهذا ما فعله مع الكتبة والفريسيين «رجال الدين وقتئذ» فالعقيدة طريقة تفكير وليس سورا.
■ الشباب الذى ألحد اليوم كان فريسة أفكار، فهل التفكير خطر على الإنسان؟
- الإلحاد أحد أسبابه هو أننا لم نسمع لأفكار الملحدين، والسبب الآخر أن بعض القادة أصبحوا عثرة لهم، وسبب أخير وأهم أنه ليس لدينا ردود على أفكارهم، فبدلًا من أن نطور من أنفسنا لنرد على أفكارهم أوقعنا عليهم الدينونة.
والتفكير ليس خطرًا على الإنسان بالعكس تمامًا فالأفكار يمكن مواجهتها بأفكار ولكن الخطر يكمن فى الدينونة، فلو أتحنا الفرصة للملحد أن يعبر عن نفسه وفتحنا باب الحوار هذا سيساعده على الرجوع، وحتى لو لم يرجع أحترم تفكيره، فأنا ضد الحكم على الناس، فدعوا الشباب يفكر فالتفكير نور.
■ ما الدعوة التى توجهها إلى الشباب العاملين فى حملة «نقد لا نقض»؟
- أنتم من سيغير الكنيسة وأنتم الأمل وبالطاقات التى تمتلكونها سوف تغيرون شكل المستقبل، فالكنيسة التى ليس بها شباب ليس لها مستقبل، ولذلك أدعوهم أن يظلوا بالكنيسة ويخرجوا بالكنيسة للمجتمع، ويهدموا الأسوار، ابنوا الجسور ولا تيأسوا وتأكدوا أن الله قادر أن يغير بكم. 
وأقول أيضًا المجتمع مليء بالتدمير والهدم والنقض، فهيا قودوا حملة ادعوا فيها المجتمع إلى النقد وليس النقض والهدم، وأنا أول الداعمين لتلك الحملة.
■ وما هو حلمك تجاه هذه الحملة؟
- أتمنى أن لا يكون أسوارها الكنيسة ولا الشباب فقط ولكن حملة للمجتمع ككل يقودها الشباب فلم لا؟.
■ كلمة لرجال الدين من أجل هذه الحملة؟
- لا تكونوا مثل الكتبة والفريسيين، لا تعقدوا الحياة عليهم، وأنتم فى حاجة إلى الشباب فشجعوهم وافتحوا لهم الأبواب، وأعتقد أن رجال الدين سوف يكون نجاحهم أقوى بالشباب، وأقولها بطريقة أوضح: «القس إللى معندوش شباب فاشل ومالوش مستقبل».
■ وماذا تقول لهؤلاء الذين يخافون من الأفكار اللاهوتية ويقتلونها بحجة الخوف على الشباب؟
- أولًا أحب أن أوجه كلمة للشباب وللقادة: لا بد أن نعرف أن الجميع يتغير، فأنا اليوم لست مثل خمس سنوات مضت ولا أنت كذلك، والصورة الذهنية القديمة التى نتمسك بها تقتل الآخر.
ومن الممكن أن يكون الشخص قد تغير عن الصورة القديمة، فقد يكون مر بتدريب ونضج وتلمذة وعاش فى مكان آخر وكل هذه العوامل قد غيرت من شخصيته، ولكن التحجر الذهنى الذى يرفض أن يكون الشخص تغير وأرفض أن أراه فى الصورة الجديدة هذا إجهاض وقتل للآخر.
وهناك من تعاملوا معى منذ ثلاثين عاما مضت ولم أكن قد نضجت وكنت متحمسا أكثر من اللازم ومندفعا، إن هناك من لا يريد أن يغير تلك الصورة القديمة، وأقول ثانية «الناس بتتغير فلا تقتلوهم بصورة ذهنية قديمة».
وعندما يأتى إلى شخص بفكرة لا بد أن أفسح المجال لسماعها وأن نسيطر على ردود أفعالنا والتى من الممكن أن تقتل الفكرة قبل ما تولد، فأناشدهم أن يسمعوا الأفكار ويناقشوها بل ويأخذوا وقتا للتفكير فيها فمن الممكن بعد فترة تكتشف أنها فكرة أفضل من فكرتك، ومن لديه القدرة على قبول أفكار الآخرين هو من يمتلك الأمان والثقة الداخلية.
ولا بد أن أشجع الناس على قبول فكرة النمو فلا يوجد من يمتلك الحق المطلق، ولكن الوصول للحق يأخذ مراحل من النمو.