الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التطبيع أم التقطيع؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك فيلم مصري قديم أبيض وأسود فى الأربعينيات اسمه «حسن ومرقص وكوهين» هذا الفيلم يعكس صورة حقيقية للعلاقات الإنسانية بين الأديان الثلاثة والمقومات الشخصية بكل أبعادها وأعماقها، صحيح إنها فى صورة كوميدية أو لاعتبارات يتطلبها المنتج الفنى من صور كاريكاتيرية ويفرضها قانون السوق وسلطة شباك التذاكر، لكن جوهرها أن التسامح الدينى هو المظلة التى يحتمى بها نسيج المجتمع المصرى والعربي.
وأتصور لو أن أكبر دبلوماسى حاول صياغة إتفاق للعلاقات الطبيعية أو التطبيع فسيكون سيناريو الفيلم وأداء الفنانين أكثر براعة وواقعية لايرقى إليها خيال السياسيين.
نعم حينما يحتفل فى تل أبيب بإطلاق اسم سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» على أحد شوارعها الرئيسية هى رجوع إلى الحق، ولكن ليس دائمًا الرجوع إلى الحق فضيلة، خاصة أنه بعد أيام فقط نجد مقدمات سياسية سلبية بلغت ذروتها الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
نعم حينما نرى هذا وتقوم الآلة الموسادية بزرع الفتنة بين صفوف المسلمين والفلسطينيين بعد اتفاقهم التاريخى فى القاهرة أليس هذا تعطيلا لمسيرة ما يسمى بالتطبيع؟.
هل أصبح المفهوم الحديث لهذا المنهج يقوم على أساس التطبيع بالإكراه، حتى مسلسل «رأفت الهجان» بطولة نجم النجوم محمود عبدالعزيز كان يلقى متابعة بنفس الحماس الذى كان يتابع بها الشعب العربى هذا المسلسل الرائع، رغم إنه كان يصور السلبيات داخل المؤسسات الإسرائيلية سواء فى الساحة العسكرية أو السياسية، وهذا هو المنهج الإسرائيلى ففى الوقت الذى كانت ثورة يوليو تدعم رسالتها فى إنهاء الاحتلال وهو هدف مشروع تعرضت مصر لحوادث فردية على الجبهة وقطاع غزة وإستشهاد صلاح الدين مصطفى، ومصطفى حافظ، وعندما شعرت إسرائيل أن أمريكا تغازل الثورة لأهمية مصر أرادت إسرائيل أن تنسف هذه العلاقة من جذورها رغم أن اليهود وقتها كانوا يعيشون فى مصر كمواطنين لهم كل الحقوق السياسية والاجتماعية، ومع ذلك دبروا فضيحة (لافون) الشهيرة لنسف المركز الأمريكى ودور السينما، والتى كان بطل ضبط هذه القضية اللواء ممدوح سالم الذى كان وقتها مفتش البوليس السياسى بالإسكندرية وتم ضبط المتهمين أمام سينما ريو بشارع فؤاد، ونقطة أخرى أن ديفيد بن جوريون أحد الآباء المؤسسين أعلن فى مبادرة رسمية شبيهة بمبادرة الرئيس السادات عن استعداده للسفر إلى القاهرة ومقابلة الرئيس جمال عبدالناصر لإقرار السلام العادل فى المنطقة ولم تمر ساعات حتى قبل استيعاب الخطاب إلا وقامت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بالعدوان الثلاثى الشهير عام ١٩٥٦مـ، ويبدو أن هذه هى المفاهيم الإسرائيلية فى التطبيع، لذلك فإن الشعب المصرى حين اكتشف إن كامب ديفيد لم تؤد إلى حل مشكلة الضفة الغربية، وخاصة قضية القدس، التى علقت للمرحلة النهائية وقطاع غزة واتجهت الآلة الدعائية الإسرائيلية إلى تصوير مصر إنها عقدت صلحًا منفردًا بغرض إحراج القيادة المصرية التى بادرت وأطلقت صيحة السلام التى زلزلت العقائد الإسرائيلية، وهذا الشك المتبادل جعل هذا التوجه من جانب إسرائيل طرح علامات وأعطى الفرصة كاملة للاجتهادات والمزايدات، ودخلت هذه الكلمة (التطبيع) فى موسوعة العبارات سيئة السمعة، وأصبحت تعنى التنازل من جانب واحد بل فرض شروط، وانتشر وقتها أن الاتفاقية الخاصة بالتطبيع تعنى إيقاف الدعايات التى تحض على كراهية إسرائيل، ومن بينها فى التفاصيل مثلًا إيقاف حلقات مولانا الشيخ محمد متولى الشعراوي، بل إن البعض ذكر إنها تنص على منع إذاعة آيات الذكر الحكيم التى تتناول إسرائيل.
لم يشعر المصريون بإن هناك إخلاصًا من جانب إسرائيل للسير فى هذا الاتجاه وقد قوبلت عروض كثيرة للتمثيل أو الوكالة للشركات بالرفض من جانب عدد كبير من الخبراء، وأذكر منهم اللواء حسن صنديد رئيس هيئة ميناء الإسكندرية الراحل إنه تلقى عرضًا لتمثيل بعض الخطوط الملاحة الإسرائيلية، وعقب على هذا العرض: بإنه يستحيل أن أختتم تاريخى وأنا ضابط من الضباط الأحرار ودفعة جمال عبدالناصر وأنور السادات وحاربت فى فلسطين أكثر من مرة، وكان يتولى موقعًا قياديًا فى سلاح الإشارات، ويعرف الكثير من المنهج العسكرى الإسرائيلى، وهذا الالتزام بالشرف العسكرى رفض أن يكون وكيلًا تجاريًا لمجتمع نَازَله فى ساحة القتال من أن يفقد مصداقية مع نفسه.
وكانت جولدا مائير تصف دائمًا التطبيع بأنه (السلام الحقيقي) تتحقق فيه علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية وحرية الانتقال للأشخاص والسلع وربما وصل عدد الاتفاقيات فى أول الأمر إلى حوالى ٥٠ اتفاقًا، ولقد كانت عملية الحدود تجربة مثيرة، فقد ظل البلدان أكثر من ثلاثة عقود وجعل المجتمع الإسرائيلى فى شبه حصار ورأى الإسرائيليون المصريين، شعبا ودودا وكريما طيب المعشر، يتحمل مشاق الحياة اليومية، يصبر ويدعو للإعجاب وحس فكاهي، وتحقق بعض التقدم على هذا الطريق خاصة فى الإتصالات وتصدير النفط الخام لإسرائيل وشهدت السياحة نشاطًا متزايدًا لكن من الذى عطل التطبيع.
الوزر يقع على إسرائيل...
فهى التى صنفت أزمات جعل من السلام كما وصفه الدكتور بطرس غالي، إنه سلام بارد وساد الركود عملية السلام، فهناك منهم إسرائيلى لإتفاقيات السلام مازال يختلف عن رؤية المصرى والعربى لتفسير هذا الاتفاق فى مقدمتها إيقاف محادثات الحكم الذاتي، وإسرعت إسرائيل إلى إهمال المطالب العربية التى تعزز فرص السلام، منها ضم الجولان والقدس وتسريع إنشاء المستوطنات ومعاملة الأخوة الفلسطينيين بأقل حد أدنى من المعاملة الإنسانية فضلًا عن القيام بعمليات عسكرية ضد العواصم العربية واستئصال نار الفتنة بين أقباط مصر والكنيسة حول دير السلطان وهو موضوع كنسى عالجه بكلمة قداسة البابا شنودة الثالث.
إن استراتيجية إسرائيل هى تقطيع أوصال الأمة العربية كخطوة أولى للتطبيع، لذلك فإن محاولات إسرائيل لاستخدام ترامب لتركيع العرب لدفعه لكى يهرول نحو التطبيع مع إسرائيل فهذه تعكس انعدام الرؤية لأن كلمة التطبيع أصبحت بمفهوم محور (نتنياهو/ترامب) عبارة سيئة السمعة.


هناك فيلم مصري قديم أبيض وأسود فى الأربعينيات اسمه «حسن ومرقص وكوهين» هذا الفيلم يعكس صورة حقيقية للعلاقات الإنسانية بين الأديان الثلاثة والمقومات الشخصية بكل أبعادها وأعماقها، صحيح إنها فى صورة كوميدية أو لاعتبارات يتطلبها المنتج الفنى من صور كاريكاتيرية ويفرضها قانون السوق وسلطة شباك التذاكر، لكن جوهرها أن التسامح الدينى هو المظلة التى يحتمى بها نسيج المجتمع المصرى والعربي.
وأتصور لو أن أكبر دبلوماسى حاول صياغة إتفاق للعلاقات الطبيعية أو التطبيع فسيكون سيناريو الفيلم وأداء الفنانين أكثر براعة وواقعية لايرقى إليها خيال السياسيين.
نعم حينما يحتفل فى تل أبيب بإطلاق اسم سيدة الغناء العربى «أم كلثوم» على أحد شوارعها الرئيسية هى رجوع إلى الحق، ولكن ليس دائمًا الرجوع إلى الحق فضيلة، خاصة أنه بعد أيام فقط نجد مقدمات سياسية سلبية بلغت ذروتها الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل.
نعم حينما نرى هذا وتقوم الآلة الموسادية بزرع الفتنة بين صفوف المسلمين والفلسطينيين بعد اتفاقهم التاريخى فى القاهرة أليس هذا تعطيلا لمسيرة ما يسمى بالتطبيع؟.
هل أصبح المفهوم الحديث لهذا المنهج يقوم على أساس التطبيع بالإكراه، حتى مسلسل «رأفت الهجان» بطولة نجم النجوم محمود عبدالعزيز كان يلقى متابعة بنفس الحماس الذى كان يتابع بها الشعب العربى هذا المسلسل الرائع، رغم إنه كان يصور السلبيات داخل المؤسسات الإسرائيلية سواء فى الساحة العسكرية أو السياسية، وهذا هو المنهج الإسرائيلى ففى الوقت الذى كانت ثورة يوليو تدعم رسالتها فى إنهاء الاحتلال وهو هدف مشروع تعرضت مصر لحوادث فردية على الجبهة وقطاع غزة وإستشهاد صلاح الدين مصطفى، ومصطفى حافظ، وعندما شعرت إسرائيل أن أمريكا تغازل الثورة لأهمية مصر أرادت إسرائيل أن تنسف هذه العلاقة من جذورها رغم أن اليهود وقتها كانوا يعيشون فى مصر كمواطنين لهم كل الحقوق السياسية والاجتماعية، ومع ذلك دبروا فضيحة (لافون) الشهيرة لنسف المركز الأمريكى ودور السينما، والتى كان بطل ضبط هذه القضية اللواء ممدوح سالم الذى كان وقتها مفتش البوليس السياسى بالإسكندرية وتم ضبط المتهمين أمام سينما ريو بشارع فؤاد، ونقطة أخرى أن ديفيد بن جوريون أحد الآباء المؤسسين أعلن فى مبادرة رسمية شبيهة بمبادرة الرئيس السادات عن استعداده للسفر إلى القاهرة ومقابلة الرئيس جمال عبدالناصر لإقرار السلام العادل فى المنطقة ولم تمر ساعات حتى قبل استيعاب الخطاب إلا وقامت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بالعدوان الثلاثى الشهير عام ١٩٥٦مـ، ويبدو أن هذه هى المفاهيم الإسرائيلية فى التطبيع، لذلك فإن الشعب المصرى حين اكتشف إن كامب ديفيد لم تؤد إلى حل مشكلة الضفة الغربية، وخاصة قضية القدس، التى علقت للمرحلة النهائية وقطاع غزة واتجهت الآلة الدعائية الإسرائيلية إلى تصوير مصر إنها عقدت صلحًا منفردًا بغرض إحراج القيادة المصرية التى بادرت وأطلقت صيحة السلام التى زلزلت العقائد الإسرائيلية، وهذا الشك المتبادل جعل هذا التوجه من جانب إسرائيل طرح علامات وأعطى الفرصة كاملة للاجتهادات والمزايدات، ودخلت هذه الكلمة (التطبيع) فى موسوعة العبارات سيئة السمعة، وأصبحت تعنى التنازل من جانب واحد بل فرض شروط، وانتشر وقتها أن الاتفاقية الخاصة بالتطبيع تعنى إيقاف الدعايات التى تحض على كراهية إسرائيل، ومن بينها فى التفاصيل مثلًا إيقاف حلقات مولانا الشيخ محمد متولى الشعراوي، بل إن البعض ذكر إنها تنص على منع إذاعة آيات الذكر الحكيم التى تتناول إسرائيل.
لم يشعر المصريون بإن هناك إخلاصًا من جانب إسرائيل للسير فى هذا الاتجاه وقد قوبلت عروض كثيرة للتمثيل أو الوكالة للشركات بالرفض من جانب عدد كبير من الخبراء، وأذكر منهم اللواء حسن صنديد رئيس هيئة ميناء الإسكندرية الراحل إنه تلقى عرضًا لتمثيل بعض الخطوط الملاحة الإسرائيلية، وعقب على هذا العرض: بإنه يستحيل أن أختتم تاريخى وأنا ضابط من الضباط الأحرار ودفعة جمال عبدالناصر وأنور السادات وحاربت فى فلسطين أكثر من مرة، وكان يتولى موقعًا قياديًا فى سلاح الإشارات، ويعرف الكثير من المنهج العسكرى الإسرائيلى، وهذا الالتزام بالشرف العسكرى رفض أن يكون وكيلًا تجاريًا لمجتمع نَازَله فى ساحة القتال من أن يفقد مصداقية مع نفسه.
وكانت جولدا مائير تصف دائمًا التطبيع بأنه (السلام الحقيقي) تتحقق فيه علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية وحرية الانتقال للأشخاص والسلع وربما وصل عدد الاتفاقيات فى أول الأمر إلى حوالى ٥٠ اتفاقًا، ولقد كانت عملية الحدود تجربة مثيرة، فقد ظل البلدان أكثر من ثلاثة عقود وجعل المجتمع الإسرائيلى فى شبه حصار ورأى الإسرائيليون المصريين، شعبا ودودا وكريما طيب المعشر، يتحمل مشاق الحياة اليومية، يصبر ويدعو للإعجاب وحس فكاهي، وتحقق بعض التقدم على هذا الطريق خاصة فى الإتصالات وتصدير النفط الخام لإسرائيل وشهدت السياحة نشاطًا متزايدًا لكن من الذى عطل التطبيع.
الوزر يقع على إسرائيل...
فهى التى صنفت أزمات جعل من السلام كما وصفه الدكتور بطرس غالي، إنه سلام بارد وساد الركود عملية السلام، فهناك منهم إسرائيلى لإتفاقيات السلام مازال يختلف عن رؤية المصرى والعربى لتفسير هذا الاتفاق فى مقدمتها إيقاف محادثات الحكم الذاتي، وإسرعت إسرائيل إلى إهمال المطالب العربية التى تعزز فرص السلام، منها ضم الجولان والقدس وتسريع إنشاء المستوطنات ومعاملة الأخوة الفلسطينيين بأقل حد أدنى من المعاملة الإنسانية فضلًا عن القيام بعمليات عسكرية ضد العواصم العربية واستئصال نار الفتنة بين أقباط مصر والكنيسة حول دير السلطان وهو موضوع كنسى عالجه بكلمة قداسة البابا شنودة الثالث.
إن استراتيجية إسرائيل هى تقطيع أوصال الأمة العربية كخطوة أولى للتطبيع، لذلك فإن محاولات إسرائيل لاستخدام ترامب لتركيع العرب لدفعه لكى يهرول نحو التطبيع مع إسرائيل فهذه تعكس انعدام الرؤية لأن كلمة التطبيع أصبحت بمفهوم محور (نتنياهو/ترامب) عبارة سيئة السمعة.