السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

رجال الشرطة البواسل في عيدهم الـ66: أقسمنا على حماية الوطن.. مستعدون للشهادة.. وحياة المصريين خط أحمر لن نسمح بتهديدها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عيد الشرطة يوم مشهود في مصر، يحتفي به أبناء مصر الأوفياء في كل عام بتكريم رجال قدموا على مر التاريخ ملحمة رائعة من التضحية والفداء، حفاظا على أمن الوطن واستقراره، فرجال الشرطة اتسمت حياتهم المهنية بالمخاطر واللحظات الحاسمة لأنهم أقسموا على الحفاظ على الوطن، الكثير منهم جاد بروحه ولم يبخل بحياته من أجل الوطن، واحتفال مصر بعيد الشرطة بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي هو تكريم لكل فرد من أفرادها، وتكريم لشهدائها ولأبنائهم الذين حرموا آباءهم، والأرملة التي فقدت كنف زوجها، والأم والأب اللذان فقدا فلذة كبدهما فاعتصر قلبهما ألما.


تحتفل مصر في 25 يناير من كل عام بذكرى شهدائها الأبطال، الذين سجلوا لمصر مجدا وعظمة وفخرا، وفي كل يوم تكشف الأيام عن مثال جديد يضرب به المثل في البطولة والشجاعة والتضحية، لقد جسدت الشرطة على مر السنين القيم الراسخة للشعب المصري، حين التزمت بالأمانة والإخلاص في تحمل المسئولية مهما كانت تضحياتها، وكان الولاء الأسمى لله والوطن، والالتزام الصارم للواجب والمسئولية هما العنصران اللذان دفعا رجال الشرطة إلى التفاني التام في عملهم ليل نهار، وكان طبيعيا أن يقف أبناء الشرطة في خندق واحد مع رجال القوات المسلحة البواسل وهم يتصدون للذود عن سلامة التراب الوطني والدفاع عن سيادته وسلامته والتصدي لكل تهديد أو عدوان.

وغدا "الخميس "، تمر الذكرى الـ 66 لقصة كفاح شعب مصر بكل طبقاته، شرطة وفدائيين وعمال وطلبة ومفكرين وربات بيوت ضد الاحتلال البريطاني الغاشم في عام 1952، حيث وقفت الشرطة مع جماهير الشعب التي ثارت للخلاص من الاستعمار والاحتلال الأجنبي والسيطرة الخارجية، وسقط منها شهداء أبرار في ساحة العطاء الأكبر، فضربت بذلك أروع الأمثال في الوعى الوطني ووضع حقوق الوطن فوق كل اعتبار، أبطال ضحوا لآخر نفس من أرواحهم في سبيل الوطن أمام قوات تفوقهم قوة وعتادا وعددا، لم يتزحزح واحدا منهم عن مكانة وفنوا عن بكرة أبيهم.

و25 يناير هو اليوم الذي تم اختياره احتفاءا بهذه المناسبة، وللعيد القومي لمحافظة الإسماعيلية تخليدا للبطولة غير المسبوقة التي شهدتها المحافظة في هذا اليوم، الذي يوافق ذكرى مجـزرة الإسماعيلية، حينما وصلت قمة التوتر بين مصر وبريطانيا لحد كبير في عام 1951 بعد قرار الحكومة المصرية إلغاء المعاهدة التي أبرمتها مع بريطانيا في عام 1936، وكان الوضع على الأرض شديد التعقيد، فالقوات العسكرية البريطانية متمركزة في منطقة القناة وما حولها، وأعداد ضخمة من العمال المصريين يعملون في معسكراتهم، والقائمون على توريد الأغذية والخضر من المصريين المجبرين على سد الاحتياجات المعيشية لهذه القوات التي تحتل مصر.

وفي أعقاب إلغاء المعاهدة امتد شعور وطني جارف داخل المصريين بكافة طبقاتهم، وقرر العمال هجر أماكن عملهم في معسكرات الإنجليز وأوقف الموردون توريداتهم، وتعرضت القوات العسكرية البريطانية لموقف في غاية الإحراج، حيث تعطل العمل داخل المعسكرات، وصارت قواتهم شبه محاصرة، فبدأو يضغطون على الحكومة المصرية للتراجع عن موقفها، وعملوا على إرهاب الأهالي والعمال على حد سواء بمهاجمة المدنيين وإطلاق الرصاص على الأفراد والمنازل وإلقاء القنابل وغيره من الأعمال الوحشية.


وإزاء عدم استطاعة مصر الدفع بجيشها في تلك المعارك خوفا من تصفيته، واتخاذ الإنجليز ذلك ذريعة لإعادة احتلال القاهرة وباقي محافظات مصر، تقرر أن يتحمل عبء الدفاع عن القناة رجال البوليس البواسل من بلوكات النظام، وفي أيام معدودة التحم الشعب بالشرطة وخاضوا معا معارك حربية حقيقية مع القوات البريطانية، وقللت الحماسة الوطنية من خسائر المصريين وهونت منها، وشعر المواطنون بالأمن في ظل رجال البوليس الذين لم ينسحبوا أو يتخاذلوا من معركة واحدة، رغم بدائية تسليحهم مقارنة بالقنابل والمدافع والطائرات البريطانية.

واشتدت أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكرات الإنجليز وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة، وكانت الخسائر البريطانية نتيجة هذه العمليات الفدائية فادحة، إلى جانب ما سببه انسحاب العمال المصريين من العمل في معسكرات الإنجليز في منطقة القناة من حرج للقوات البريطانية، بتسجيل 91 ألفا و572 عاملا أسماءهم خلال الفترة من 16 أكتوبر عام 1951 وحتى 30 نوفمبر عام 1951، عند فتح الحكومة المصرية الباب لذلك، وتوقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة ثمانون ألف جندي وضابط بريطاني، فأنعكس ذلك في قيام القوات البريطانية بمجزرة الإسماعيلية التي تعتبر من أهم الأحداث التي أدت إلى غضب الشعب والتسريع بالثورة في مصر.

وفي صباح يوم الجمعة 25 يناير عام 1952 استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام"، ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارا بأن تسلم قوات البوليس "الشرطة" المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات، وترحل عن منطقة القناة كلها، وتنسحب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز اختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته في منطقة القناة، ورفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلى وزير الداخلية " فؤاد سراح الدين باشا " الذي أقر موقفها، وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.

وترتب على ذلك قيام القائد البريطاني في القناة بإصدار أوامره لقواته ودباباته وعرباته المصفحة بمحاصرة قسم بوليس "شرطة" الإسماعيلية بنفس الدعوى، بعد أن أرسل إنذارا لمأمور قسم الشرطة يطلب فيه تسليم أسلحة جنوده وعساكره، غير أن ضباط وجنود البوليس، رفضوا قبول هذا الإندار، فأطلق البريطانيون نيران دباباتهم مدافعهم وقنابلهم بشكل مركز وبشع بدون توقف ولمدة زادت عن الساعة الكاملة، ولم تكن قوات البوليس مسلحة بشيء سوى البنادق العادية القديمة.

وقبل غروب شمس ذلك اليوم، حاصر مبنى قسم البوليس "الشرطة"، سبعة آلاف جندي بريطاني مزودين بالأسلحة، تدعمهم دباباتهم الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان، فيما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد عددهم على ثمانمائة في الثكنات وثمانين في المحافظة، لا يحملون غير البنادق.

واستخدم البريطانيون كل ما معهم من أسلحة في قصف مبنى المحافظة، ومع ذلك قاوم الجنود المصريون واستمروا يقاومون ببسالة وشجاعة فائقة ودارت معركة غير متكافئة القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة في القسم، ولم تتوقف هذه المجزرة حتى نفدت آخر طلقة معهم بعد ساعتين من القتال المستمر، والذي أسفر عن سقوط 50 شهيدا، و80 جريحا وجميعهم من أفراد وضباط قوة الشرطة التي كانت تتمركز في مبنى القسم، وأصيب نحو سبعون آخرون، إلى جانب عدد آخر من المدنيين وأسرهم.

وأمرت قوات الاحتلال البريطاني بتدمير بعض القرى حول مدينة الإسماعيلية، كان يعتقد أنها مركز اختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته، فقتل عدد آخر من المدنيين جرح آخرين أثناء عمليات تفتيش القوات البريطانية للقرى المسالمة، وانتشرت أخبار الحادث في مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط، وخرجت المظاهرات العارمة في القاهرة، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة في مظاهراتهم في صباح السبت 26 من يناير 1952، وانطلقت المظاهرات تشق شوارع القاهرة التي امتلأت بالجماهير الغاضبة، الذين راحوا ينادون بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز، وبهذا كانت مذبحة الإسماعيلية، الشرارة التي غيرت مجرى التاريخ.

وصار من الطبيعي أن يسقط شهداء المقاومة مع شهداء البوليس، وأن يحتضن تراب الوطن أجسادهم، وأن يبكي الشعب على رجاله الأبطال دون تفرقة، وأن تخلد مصر هذه الذكرى التي حزن لها الجميع، حيث تقرر أن يكون يوم 25 يناير من كل عام هو عيد للشرطة إحياء لذكرى الدماء التي جرت من أجل مصر وللرجال الذين رفضوا تسليم سلاحهم الوطني.