الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

مولد الحسين.. نزهة وبيزنس وسياسة وحلقات ذكر.. المصريون ينفقون 10 مليارات جنيه على "الوهم".. اختفاء الشيعة من المشاركة بسبب الظروف السياسية الإقليمية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مولد الحسين.. نزهة وبيزنس وسياسة وحلقات ذكر.. المصريون ينفقون 10 مليارات جنيه على «الوهم».. اختفاء الشيعة من المشاركة بسبب الظروف السياسية الإقليمية 
«محاسن» بياعة الحمص: أنا بحب ربنا وربنا بيحب المصريين قوى 
لا تخلو مدينة فى بر مصر من الاحتفال بموالد أولياء الله، حيث يقام ٢٨٥٠ مولدا لأقطاب منتشرة أضرحتهم من القرى إلى النجوع، ومن المدن الصغيرة إلى القاهرة والإسكندية وطنطا وقنا، ومن أشهر هذه الموالد «الحسين، الرفاعي، السيدة نفيسة، البدوي، السيدة زينب، القناوى، الشاذلى، وإبراهيم الدسوقى»، هذه الموالد صارت مواسم للتجارة وقبلة للتجار يشدون الرحال إليها من مولد لآخر، ولأنها تجارة مربحة يرتبط بها أصحاب الضريح أو القائمون عليه والمحال التجارية والتجار القريبون من المقام والمقاهى المنتشرة حول مكان الاحتفال، لذا يجد هؤلاء الفرصة أمامهم للكسب مما ينفقه المصريون خلال الموالد على الألعاب والمراجيح وجميع أساليب اللهو، بخلاف تجارة إقامة الملاهى والغناء والفرق الاستعراضية التى أصبحت مرتبطة بالموالد، خاصة فى الأقاليم، الأمر الذى يبين حجم الضخامة المادية لعوائد الاحتفال بالموالد، كما أن الباعة وأصحاب الفنادق الرخيصة بالقرب من مواقع الموالد تنتعش تجارتهم فى تلك المواسم، فضلًا عن المنافع الواسعة للقائمين على الموالد. 
فالموالد أصبحت بفعل الواقع، أسواقا تجارية تعرض فيها البضائع والمأكولات ولوازم خدمة زوار أهل البيت، ويختلف المولد بحسب مكانه فمعظم الموالد فى القرى والريف تكون موجهة أساسا لتجارة المواشى والحيوانات والحبوب الزراعية، أما فى المدن، فتكون مخصصة لتجارة السلع الأخرى مثل الملابس والكوفيات والعكاكيز وغيرها، ناهيك عن المأكولات والحمص والحلوى والسودانى، ولعب الأطفال والسبح والعطور والبخور وبعض المنتجات اليدوية التى يحضرها أهل الريف معهم، وفى هذا السياق لا يمكن إغفال ماروى فى كتاب «دين الحرافيش فى مصر المحروسة» للدكتور على فهمى، أن «مواسم الموالد ترتبط فى الأقاليم المصرية بمواسم تصريف محاصيل زراعية بعينها، وتقترن مواعيدها بمواعيد الانتهاء من جنى المحصول الذى يشتهر به الإقليم الذى يقام فيه المولد»، لذا فإن الاحتفالات تمثل رواجا اقتصاديا، ويتم انتظار مواسمها، وهو الأمر الذى تنبهت له الدولة وتنبهت لتأثيره على النواحى الروحية والاقتصادية، خاصة عندما تعطل الاحتفال بالموالد تلبية لرغبة وزير الصحة، خشية انتشار مرض إنفلونزا الطيور، حيث تسبب قرار الإلغاء فى إثارة مشاعر ملايين المريدين والطرق الصوفية، الذين يتعاملون معها، ليس فقط باعتبارها مناسبات روحية للتذكير بأولياء الله الصالحين وإحياء ذكراهم، ولكن باعتبارها فرصة للترويح عن النفس، وكسر روتين الحياة اليومية، والالتقاء بناس مختلفين، وممارسة طقوس الذكر، التى تحقق نوعا من الانسجام، فضلًا عن استفادة آلاف التجار والباعة الصغار وعشرات المهن التى تنتعش فى أماكن إقامة هذه الموالد، وتمثل بيزنس بمئات الملايين، ينعش الحالة الاقتصادية لقطاع كبير ينتظرون هذه الموالد لتحقيق بعض الأرباح التى تعينهم على مواجهة أعباء الحياة فى أيام الركود والإفلاس. 
اختفاء الشيعة من المشاركة بسبب الظروف السياسية الإقليمية 
لا يعرف العامة عن موالد آل البيت وأولياء الله الصالحين سوى الظاهر منها، سرادقات وحلقات ذكر، يرتادها الدراويش والمجاذيب وطالبو الشفاء من الأمراض المستعصية، يشدون الرحال ببضاعتهم من مولد لآخر ومن مدينة فى بحرى إلى أخرى فى الصعيد الجوانى، وملايين من البسطاء والمريدين، الذين يتعاملون مع ارتياد الموالد وزيارة الأضرحة، باعتبارها مناسبات روحية للتذكير بأولياء الله الصالحين، والتى تقام هذه الموالد لإحياء ذكراهم، ويجدون فيها الفرصة للترويح عن النفس، وكسر روتين الحياة اليومية، وممارسة طقوس يدور بشأنها جدل، لكن هناك فضائل، تتعلق بجوانب أخرى، منها استفادة آلاف التجار والباعة الصغار من رواج تجارتهم، وانتعاش عشرات المهن فى أماكن إقامة هذه الموالد، وتمثل «بيزنس» بالملايين، ينعش الحالة الاقتصادية لقطاع كبير من المنسيين والمهمشين،الذين ينتظرون الاحتفالات بالموالد باعتبارها مواسم لتحقيق بعض الأرباح التى تعينهم على مواجهة أعباء الحياة فى أيام الركود والإفلاس.
قبل أيام قليلة احتفل المصريون بمولد «الحسين»، حيث ارتاده نحو ٥ ملايين شخص من جميع أنحاء محافظات الجمهورية، حيث امتلأت جميع المناطق المحيطة بالمقام والمجاورة له بمنطقة الجمالية والغورية، كما تواجد الآلاف أمام المسجد، افترشوا الطرقات والحديقة الكبيرة التى تفصل بين المشهد الحسينى ومشيخة الأزهر «المبنى الأثرى» أما المقاهى فكان لها نصيب وافر من مئات الأسر التى تتوافد على مدار الـ ٢٤ ساعة طوال فترة الاحتفال بالمولد، وانتشر الباعة فى الحوارى وجميع الشوارع المؤدية إلى المسجد، كما انتشرت أيضا سرادقات حلقات الذكر التى ترعاها الطرق الصوفية، وعددها ٧٧ طريقة مسجلة رسميا فى المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وهى التى يرتاد احتفالاتها المتصوفون، وزوار أهل البيت ولأول مرة تم غلق الطرق المؤدية إلى منطقة الحسين لتيسير السير للمواطنين. 
وجانب آخر لا يمكن إغفاله أثناء مشاهدة حلقات الذكر المتناثرة فى الشوارع والأزقة، وهى التى يشرف على إقامتها مشايخ الطرق الصوفية بفروعها المتنوعة، وهى حالة الزحام الشديد من الفئات المختلفة للاستمتاع بالأجواء الروحانية ومشاهدة حلقات الذكر وتقديم المأكولات والمشروبات فى سباق رائع.
اللافت للنظر أن مشاركة الطرق الصوفية الرئيسية فى الاحتفالات تختلف من مولد لآخر، فجميع الطرق تتسابق للمشاركة فى موالد آل البيت «الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة»، كما يشارك فيها مشاهير المداحين من غير المحسوبين على الطرق الصوفية، مثل الشيخ ياسين التهامى وولده محمود، والشيخ أمين الدشناوى، وهؤلاء يقومون بإحياء الليلة الختامية، أما الموالد الأخرى فتحتل كل طريقة مكانة متميزة عن غيرها حسب صاحب المولد، فمولد السيد أحمد البدوى الذى يقام فى مدينة طنطا، تتصدر المشاركة الأساسية للاحتفال بمولده، الطريقة الأحمدية بفروعها، باعتباره قطبهم وشيخهم، لم تشهد أجواء الاحتفالات بمولد الحسين هذا العام حضورا من الشيعة المتواجدين بمصر، كما جرت العادة فى السنوات السابقة، عندما كانوا يحضرون، وإن كان حضورهم على استحياء، لزيارة المقام والتجول فى المنطقة المحيطة بالمشهد الحسينى، لما يمثله استشهاد ما يشير إلى انعكاس أجواء السياسة الإقليمية على اهتمام الشيعة العراقيين المقيمين فى مصر منذ احتلال العراق، فقد كان حضورهم بملابسهم وعمائمهم السوداء، يلفت الانتباه، وحضورهم تسبب قبل ثمانى سنوات فى أزمة بين وزارة الأوقاف والطرق الصوفية، جراء موافقة وزير الأوقاف، وقتها، على طلب ملياردير شيعى بالإنفاق على كسوة الضريح، وعندما حل موعد الاحتفال بالمولد، اكتشفت الطرق الصوفية تغيير لون الكسوة من اللون الأخضر إلى الأسود، الأمر الذى ساهم فى تنامى الاتهامات للأوقاف، بأنها تقوم بتشييع الاحتفال، وتصاعدت حدة المواجهة بين الطرفين، وتدخلت مؤسسات الدولة وحسمت الأمر لصالح الطرق الصوفية، حيث جرى وضع الكسوة الخضراء.
المقدسة «روحية» وأسرتها جاءوا من المنيا وأقاموا خيمة لخدمة الزوار
ولأن التصوف عنوان رئيسى للاحتفال بالموالد، فهو يمثل جزءًا مهما فى معادلة اللعبة السياسية، خاصة أن عدد المنتمين للطرق الصوفية، يتجاوز عشرة ملايين، مسجلين رسميا فى المجلس الأعلى للطرق الصوفية، لذلك لم يكن غريبًا أن تجد بعض الشخصيات النيابية، تقيم سرادقات لخدمة رواد الاحتفال، وإقامة حلقات الذكر، والمجيئ بمنشدين من الأقاليم وطهاة وذبائح، فمنهم المنتمى لإحدى الطرق، ومنهم من يشارك فى الاحتفال لمقابلة أهالى دائرته، لم يقتصر الاحتفال على السياسيين وحدهم، بل توجد مشاركة من الأثرياء ورجال الأعمال، ومواطنين عاديين، جاءوا للنزهة، سواء من القاهرة أو الأقاليم، يتوافدون مجموعات ضخمة للمشاركة فى هذا الاحتفال، فهناك كثير من العامة والإخوة المسيحيين، يقومون بالمشاركة حسب ما تيسر لهم، من تقديم المشروبات مثل المقدسة «روحية» التى تبلغ من العمر ٧٢ عاما وأختها وعائلتها «أسرة مسيحية» جاءوا من محافظة المنيا بالمولد والبقاء فى مكان بجوار المسجد لأكثر من أسبوع، حيث أقاموا سرادقا بجوار المسجد فى منطقة الجمالية وتحدثت المقدسة «روحية» بأنها تواظب على زيارة مولد الإمام الحسين منذ أربعين عاما، وتقول إنها تعشق سيرته العطرة، وأنها تأتى كل عام مع أختها وأسرتها للاحتفال، وتقديم «الفول النابت» للوافدين ومشروب القرفة، وتواصل «روحية» كلامها: «نحن شعب واحد لا يفرقنا شىء وعندما أذهب إلى زيارة الكنائس فى المناسبات أرى بعض الإخوة المسلمين من جيراننا يشاركوننا فرحتنا وأيضا يشاركوننا فى أحزاننا واحنا شعب واحد لا يفرقنا إلا الموت، وهذا التلاحم يندر أن تراه فى أى مجتمع خارج مصر المحروسة». 
مرتادو المولد متنوعون بين تجار كبار وباعة صغار، ومحلات مجاورة، من بين هؤلاء «عم إبراهيم مطاوع» الذى يبلغ من العمر ٦٤ سنة، وهو من باب الشعرية، ولم يعد لديه صحة للعمل فى ورش الأحذية، يقوم ببيع العسلية والحمص والفول السودانى، يقول لـ«البوابة» إنه ينتظر موسم المولد وموالد آل بيت النبى «السيدة زينب والسيدة نفيسة، وموالد الشيوخ المغمورين فى أحياء القاهرة»، لبيع ما يشتريه من المصانع ويقوم بتعبئته فى أكياس، كما التقينا بالحاجة «محاسن» التى تقف بعربة صغيرة تفرش عليها الحمص والحلوى، فهى تبلغ من العمر ٥٢ عاما، وتقول بأعلى صوتها: «أنا بحب ربنا قوى قوى وربنا بيحب مصر قوى»، واشارت إلى أنها منذ أكثر من أربعين عاما، تتنقل بين الموالد كلها طوال العام وبروح مولد السيدة زينب والسيدة نفسية، وبعشق حبيبى سيدنا الحسين، وأنا بحب شغلى قوى عشان ببقى جنب آل بيت الرسول، والحمد لله ربنا بيكرمنى من تجارة الحمص والحلوى، وعايشة وراضية، والحمص عندى سعره زى أى مكان والحلويات أيضا، ولما بيجيلى حد ممعهوش فلوس بقول له خد ما يكفيك وربنا هيدينى لأن ربنا عنده كتير قوى وفضله علينا كلنا كتير قوى، وتحدثت «محاسن» بائعة الحمص قائلة: «زوار المولد من جميع أطياف المجتمع فيها الفقير وفيها الغنى ومن جميع محافظات مصر وفلاحين مصر، وكمان الأجانب موجودين معانا وبيشتروا منى حمص وحلاوة».
المصريون ينفقون 10 مليارات جنيه على «الوهم» 
انتشرت كما هو حال المصريين على اختلاف شرائحهم الاجتماعية البدع والخرافات، التى يلجأون إليها بهدف الخروج من واقعهم، لذلك لم تعد القناعة بالخرافات قاصرة على الذهاب للدجالين وحدهم، لكنها وصلت إلى الموالد، يرتادونها فى مواسم الاحتفال بها، فضلا عن أنها امتدت لزيارة الأضرحة والزوايا للتبرك بالصالحين، يقصدها العامة ويشدون إليها الرحال فى سفر طويل من محافظة إلى أخرى بحسب القناعات التى يروج لها عن الأضرحة، مرة للتبرك، ومرات بقصد شفاء المريض بواسطة الولي، الأمر الذى فتح باب الدجل على مصراعيه أمام المحتالين والنصابين، الذين يستغلون زيارة البسطاء للأضرحة والمقامات، حيث راج فى القرى والنجوع تخصص المقامات وكرامات صاحبها فى الشفاء من أمراض معينة لا غيرها، مثل ضريح الشيخ أو الولى «فلان» لعلاج العظام، وآخر لعلاج العقم وهكذا، وهناك أضرحة يوجد بجوارها بئر مخصص لعلاج العقم عند النساء الباحثات عن الإنجاب يلجئن إلى التبرك به بعد اليأس من كثرة الذهاب إلى الأطباء، حيث يطلب من النساء الدوران حوله سبع مرات لشفائهن من العقم، بخلاف طلبات أخرى شاذة وغريبة، تعرض السيدات للخطر والتعرض للأمراض، وغالبا ما تكون تلك الأضرحة وهمية، وربما لا يكون فيها أحد أصلا حتى يمكن التسليم بأن «سره باتع» يشفى الأمراض العضال ويشفى حالات العقم التى فشل الأطباء فى علاجها، فضلا عن ممارسات أخرى مثل الأحاديث المتداولة عن «فك عمل» أو عمل «حجاب» يقى صاحبه من الشرور ولبس الجان، وهذا الواقع لا يمكن القفز عليه تحت أى دعاوى، خاصة إذا علمنا أن عدد هؤلاء بالملايين، وأنهم يمثلون نسبة كبيرة من شرائح الشعب المصرى، ممن لديهم استعداد.
والمثير للدهشة أن بعض المصريين الذين يؤمنون بالخرافات والكرامات والتوسل لأصحاب الأضرحة ومن يطلق عليهم حراس المقامات «النقباء» ينفقون قرابة الـ١٠ مليارات جنيه مصرى، على الدجالين والمشعوذين الذين يلجأون إليهم بهدف «إخراج جن» أو «فك عمل» أو عمل «حجاب» يقى صاحبه من الشرور نتيجة استمرار اعتقاد الكثير من الأسر المصرية فى دور هؤلاء الدجالين فى حل الكثير من المشاكل المستعصية مثل تأخر سن الزواج أو عدم الإنجاب والعقم أو فك السحر والأعمال.