الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب عابر الحدود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشكل ظاهرة الإرهاب الدولى عابر الحدود التحدى الأكبر للدولة المصرية فى مواجهة ظاهرة العنف على أراضيها، فأغلب التنظيمات المتطرفة لها امتدادات خارجية تُحركها، فكلما قطفت أجهزة الأمن رأس تنظيم فى مصر نبت رأس جديد بدعم خارجى فى منطقة أخرى داخل الحدود، وتبقى أهمية المواجهة فى التعامل مع النبت الجديد لهذه التنظيمات داخل الحدود مع مواجهة حاسمة لرأس التنظيم خارج الحدود، وهو ما يتطلب جهودًا ذاتية غير محدودة فى مواجهة تخاذل دولى إزاء مواجهة هذه التنظيمات خارجيًا مع دعم بعضها داخل الحدود.
من أهم التحديات التى تواجه الدولة المصرية التعامل مع التنظيمات المتطرفة داخل الحدود الليبية على وجه التحديد التى تجمعنا معها حدود مشتركة تصل لقرابة ١٣٠٠ كيلومتر، لا يوجد جيش أو دولة بمفهومها السياسى فى ليبيا للحفاظ على هذه الحدود، فتركت المهمة للدولة المصرية وسط فضاءات الدعم للتنظيمات المتطرفة فى ليبيا مع الفوضى التى تميز الوضع السياسى، فأصبحت ليبيا أرضًا خصبة لعمل التنظيمات المتطرفة التى يأتى منها الدعم البشرى واللوجيستى لتنفيذ عمليات مسلحة داخل الحدود المصرية، ووفرت الصحراء الغربية غطاءً لتحرك هذه التنظيمات.
سيطرت التنظيمات المتطرفة على أغلب الأراضى الليبية من مدينة درنه شرقًا وسرت فى الوسط حتى أقصى الجنوب بمدينة سبها وما بينهما، فضلًا عن سيطرة هذه التنظيمات على مدينة بنى غازى والعاصمة الليبية طرابلس، باستثناء بعض المناطق المحررة، وهنا تشعر الدولة المصرية بخطر هذه التنظيمات وكأنها تتواجد فى حى الزمالك بقلب القاهرة، فلا يمكن مواجهة الإرهاب الداخلى بدون مواجهة رأسه خارج الحدود.
ولذلك الدولة المصرية تواجه بيد واحدة التنظيمات المتطرفة داخل حدودها، بينما تواجه باليد الأخرى هذه التنظيمات خارج حدودها، وسط موقف دولى وسياسى معقد بشأن مواجهة هذه التنظيمات داخل حدود الدول التى تتواجد فيها، تعقيدات الموقف المصرى مرتبطة بحجم التحديات الدولية والإقليمية ودعم دولى فى المحيط الإقليمى للتنظيمات المتطرفة داخل ليبيا، فضلًا عن التعامل مع الحظر الدولى فى تسليح الجيش الليبى من ناحية، وضرب هذه التنظيمات داخل ليبيا من ناحية أخرى، سواء مواجهتها أمنيًا أو عسكريًا.
نجحت مصر مرتين فى المواجهة التى رسمتها بشأن فوضى التنظيمات المتطرفة فى ليبيا، سياسيًا عندما حاولت تقريب وجهات النظر بين الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر الذى يمتلك آليات القوة على الأرض وما بين فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطنى الذى يمتلك شرعية السلطة، قد تكون حلقات التواصل بينهما ليست على ما يرام، ولكن الجهود ما زالت قائمة، المرة ثانية فى مواجهة هذه التنظيمات على المستويين الأمنى والعسكرى ممثلًا فى صورته الاستخباراتية، فأجهزة المعلومات فى مصر قد تعلم تفاصيل تحرك التنظيمات المتطرفة فى الداخل الليبى بشكل يؤهلها للدفاع عن أمنها القومى وعمقها الاستراتيجى.
الإرهاب الليبى يرتدى الطربوش التركى والجلباب القطرى والعمامة الإيرانية، وهنا تقف هذه الدول فى مواجهة مفتوحة مع الدولة المصرية ومصالح ومصائر المنطقة، وتفرض صراعًا لا أخلاقيًا أداته التنظيمات المتطرفة التى تستفيد من التناقضات الدولية والإقليمية لتبنى دولة جديدة فى ليبيا بديلًا لمملكتها المتهاوية فى الرقة والموصل.
هذا النمط من الصراع طويل الأمد ولا يمكن التعامل معه فى فترة زمنية محدودة ومواجهة مباشرة، وإنما يحتاج إلى حكمة فى الصراع وروح فى المواجهة وأدوات متباينة حتى يتم القضاء على التنظيمات المتطرفة، ووقف الدعم المقدم لها بعد قطع الأيادى التى تدعمها إقليميًا ودوليًا، فهم الصورة عن قرب وفهم أبعاد المواجهة يجعلنا أكثر اطمئنانًا بالنتائج واستيعابًا بما قد تؤول إليه هذه المعركة وما يجب استخدامه فى هذا الصراع.
أعتقد أن التجربة المصرية فى مواجهة الإرهاب داخل أراضيها أو خارجها جديرة بالدراسة، وهو ما يطرح تحديًا جديدًا خاصًا بدراسة التجارب الناجحة فى مواجهة الإرهاب، واستنساخ هذه التجارب، والتغلب على الأخطاء، مع تطوير هذه التجارب من أجل الخروج بنموذج أكثر تأثيرًا فى الظاهرة التى باتت تهدد العالم شرقه وغربه.