الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الذين خانوا الثورة وأراقوا دماء الثوار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فوجئتُ ظهرَ الأربعاء الماضى وأنا أتصفح موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بنصِ رسالة من القيادى الإخوانى محمد البلتاجى يغازلُ فيها ثوار يناير، وكتب البلتاجى فى رسالته المعنونة «د. محمد البلتاجى يكتب من سجن العقرب إلى ثوار يناير».. يقولُ فيها: «أردتُ أن يُدرك ثوار يناير الذين جمعتهم الثورة العظيمة، بكل طيفهم السياسى والوطني، ثم فرقهم بعد ذلك حجمُ التآمر، ليس فقط على نتائج الثورة، بل حتى على تاريخها وصفحاتها الوضاءة، لعلنا نستدركُ ما فات، ونُعِيدُ الاصطفاف الوطني، على قاعدةٍ أكثرَ صلابة، مستفيدين من دروسِ الماضى وأخطائه التى وقعنا فيها جميعًا».
ويواصل البلتاجى فى رسالته المثيرة للجدل: «أردتُ أن يعلمَ الجميع أننا سددنا، وما زلنا نسدد، من أرواحنا ودمائنا وحرياتنا وأولادنا فاتورةَ ثورة يناير المجيدة. نقولُ هذا ليس منة منا على الوطن وعلى الثورة، وإنما فداءً للحرية والكرامة التى حلمنا بها وجاهدنا فى سبيلها، وحفاظًا على مستقبلِ وطن، حلمنا لكل مَن فيه بالحياة الكريمة العزيزة، ترفرفُ عليهم راياتُ الحق والعدل والحرية، وصونًا لحقوقِ ٢٥ يناير، وكُلُنا أمل فى مسستقبلٍ عظيم لأمةٍ ووطنٍ عظيم نفتديه بأرواحنا ودمائنا (قل عسى أن يكون قريبا)». 
ولا أعلمُ يقينًا كيف واتت محمد البلتاجى الإرهابى الأكبر فى جماعةِ «الإخوان» هذه الجرأة فى كتابة رسالته من داخلِ سجنه لكى يخاطبَ ثوار يناير محاولًا خِدَاعهم مرةً أخرى مثلما فعل هو وجماعتُه فى العام ٢٠١١، وهو ليس علينا ببعيد. ألم ترفضْ جماعة «الإخوان» الانضمام للمشاركين فى «يومِ الغضب» فى ٢٥ يناير ٢٠١١، بعد أن شاركوا فى الإعدادِ له، بحجة أنهم لا يعلمون أهدافه ومن دعا إليه خشيةَ فشله، وذلك حفاظًا على كِيان «الجماعة» التى هى لديهم أغلى من الوطن الذين لا يعرفون له قيمة؟.
إن جماعةَ «الإخوان» لم تقرر النزولَ إلى ميدانِ التحرير إلا بعد أن وافقَ مكتبُ الإرشاد على نزولِ كوادر الجماعة للانضمام للثورة مساءَ «جمعةِ الغضب» بعد أن ترنحَ النظام وأصبحت الأمورُ فى يدِ الثوار.. هنالك دعا أعضاءُ الجماعة «دعاءَ الرُكوب» وقرروا النزولَ لرُكُوبِ الثورة وامتطاءِ جَوَادَهَا الجامح وخِدَاعِ الثوار الشباب المتحمسين عديمى الخبرة وسرقةِ ثورتهم التى أشعلوها.
إن التآمرَ الذى تم على الثورة الذى يتحدثُ عنه البلتاجى فى رسالته لم يقمْ به سوى جماعةُ «الإخوان» نفسها، ألم تهرولْ الجماعةُ بإرسال محمد مرسى وآخرين للجلوس مع نائبِ الرئيس اللواء عمر سليمان الذى دعا للحوار مع الثوار، فذهبت «الجماعة» وقاطعَ الثوارُ الحوار، وكان ذلك يمثل خيانةً للثورة التى كانت فى الميدان، والسعى لجنى المكتسباتِ والغنائم على حسابِ دماءِ الثوار التى أُريقت فى الميادين، واستطاعت الجماعة أن تنتزعَ لنفسها حزبًا سياسيًا وتعودَ للحياةِ السياسية من جديد فى صفقةٍ مشبوهة مع النظام القديم، ولا عزاءَ للثورة والثوار.
إن تآمرَ الجماعة على الثورة هو الذى جعلَ الجماعة تُخْرِجُ الثوارَ من المشهد، ليرفعَ أعضاؤها راياتِ الجماعة، ويرفعَ السلفيون أعلامهم، ويتحولَ ميدانُ التحرير فى مليونياته «الإسلامية» إلى «قندهار» الأفغانية التى تضمُ كل قوى التطرف والإرهاب الذى عشنا نكافحه على مرِ السنين. ألم تتخلَ الجماعةُ عن الثوار فى أحداث «محمد محمود»، وهو ما جعلَ الثوارَ يُعلقون لافتةً على مدخل الشارع كُتب عليها «ممنوع دخول الإخوان»؟. ألم تزأر حناجرُ الثوار فى «محمد محمود» ضد الجماعة التى خانت الثورة وتسببت فى إراقة دماء الثوار «اشهد يامحمد محمود.. كانوا كلاب.. وكنا أسود»؟. ألم تتخلَ الجماعة «الخائنة» عن الثورة والثوار لتذهب لتحشد لنفسها فى الانتخابات البرلمانية، لتسحب البساط تمامًا من تحت أقدام الثوار لتقول «الشرعية للبرلمان وليست للميدان»؟.
لقد قال اللهُ على نفسِه فى كتابِه العزيز «ولولا دفعُ الله الناسَ بعضَهم ببعض لفسدت الأرض»، لقد أفسدتم الأرضَ بعد أن طهرتها دماءُ ثوار يناير الذكية التى داستها أقدامُكم الدَنسة، فسلطَ اللهُ عليكم الثوارَ «يومَ الاتحادية» إذ أعجبتُكم كثرتُكم وأدارت رؤوسكَم لذةَ السلطة وشهوتَها، وحاصرَ الثوارُ رئيسَكم المخلوع – لا أعادَهُ الله – فى القصر، فما كان منكم إلا أن أطلقتم رصاصَ الغَدرِ والخيانة على صدورِ الثوارِ العارية، لكى يعلموا أنكم مَن خَانَ ثورتَهم واستحلَ دماءَهم على مَرأى ومَسمع من الدُنيا كُلِها، ولم يستطع يومَها رئيسُكم أن يواجهَ الثوار، ففرَ هاربًا من البوابةِ الخلفية لقصرِ الاتحادية كالجُرْذ المذعور.
وبعد عزلِ مرسى والقبضِ عليه، وأثناءَ اعتصامِ «رابعة»، خرج علينا البلتاجى – كاتب الرسالة- ليقولَ «إن اللحظةَ التى يعودُ فيها مرسى إلى قصرِ الاتحادية تتوقفُ فيها أعمالُ العنفِ فى سيناء»، وهو ما يُعَدُ تصريحًا بأن الجماعة الإرهابية هى من تقف خلفَ كلِ الأعمالِ الإرهابية فى سيناء وفى عمومِ البلاد، انتقامًا من الجيش والشرطة والشعب والقضاة والأقباط بعد ثورة ٣٠ يونيو. فمَن الذى يضعُ يدَهُ فى يَدِ جماعةٍ إرهابية يدُها ملوثةٌ بدماءِ المصريين. إن آخرَ مَن يضعُ يدَهُ فى يَدِ جماعةِ «الإخوان» هم ثوارُ يناير الذين تجرعوا خِيَانَةَ الجماعة وتآمرَها عليهم، ولن يُعيدوا الكرةَ ثانيةً.
إن أكبرَ عِقَابٍ من ثوارِ يناير لجماعةِ «الإخوان» الإرهابية، هى أنهم تركوها تواجه مصيرَها الأسود، بعد أن تخلت عنهم وعن المصريين وعن بنى جلدتهم من السلفيين، وانفردوا وحدهم بالحكم، وشَرَعَوا فى «أخونة» الدولة اعتقادًا بأن مِصْرَ قد دانت لهم. إن جماعةَ «الإخوان» لا تسددُ فاتورةَ ثورةِ يناير، بل إنها تسددُ فاتورةَ خيانتِهَا للثورة والثوار، تسددُ فاتورةَ دَمِ الثوار الذى داستُه أقدامِها أو قد تكونُ هى مَن أراقتُهُ بقناصيها لتحصدَ مكاسبَ سياسية فى الشارع من جَرَاءِ ذلك، وإلا قولوا لنا كَم من شباب الإخوان استُشهدوا فى الأيامِ الأولى من ثورة يناير؟.
إن الفاتورةَ التى تسددها جماعةُ «الإخوان» الإرهابية هى فاتورة الغباءِ السياسى والوطنى للجماعة التى لم تتعلم السياسةَ رغم ممارستِهَا لها منذ نشأتِها فى العام ١٩٢٨، ولأنها لا تعلم معنى كلمة «وطن»، لأن «الوطن» فى أدبياتِهَا «ليسَ سِوَى حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ عَفِن».
إن ثوارَ يناير لن يَضَعُوا أيديهم فى يَدِ مَنْ خَانَ الثورة وأَرَاقَ دِمَاءَ الثُوَار.