الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أكل العيش يُحكم يا معالي الوزير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يحدد خط الفقر بناء على الحد الأدنى من ضرورات الحياة الثلاثة من مأكل وملبس ومسكن، ونسبة الفقر في جميع محافظات الصعيد تخطت 50% من السكان، فيما تصل نسبة الفقر في محافظة أسيوط إلى 66%."
ما سبق جزء من تصريحات وزير التنمية المحلية الجديد اللواء أبو بكر الجندي، والذي كان رئيساً للجهاز قبل توليه المنصب.. ولكن يبدو أن "السيد الوزير" نسي ما قاله منذ أقل من 8 شهور، وراح يلقي باللوم علي الفئة الأكثر فقراً واحتياجاً في مصر "الصعايدة".
"سنشجع الاستثمار فى الصعيد لخلق فرص عمل، ونبطل نخلى الصعايدة يركبوا القطر، ويجيوا القاهرة عشان يبحثوا عن فرص عمل، ويعملوا لنا هنا عشوائيات..."، كانت هذه أيضاً مقتطفات من تصريحات معالي الوزير بعد توليه منصبه الجديد بأقل من 24 ساعة، وعلي الرغم من أن بدايتها كانت مبشرة، إلا أنه اختتمها بما لا يليق، وبعيداً عن أنه قد يكون خانه التعبير، إلا أن رجلاً مثله وفي منصبه، يجب ألا يسمح للألفاظ أن تخرج منه هباءً.
الصعيد يا سيادة الوزير، وأنت بذلك من العالمين.. يعيش فيه 33% من إجمالي سكان مصر، وذلك حسب إحصائيات الجهاز أيضاً، وبه 38% من نسبة الأمية علي مستوي الجمهورية، وحسب الجهاز مجدداً كانت نسبة الاستجابة في محافظات الصعيد للتعداد السكاني الأخير أعلي عن دونها في بقية المحافظات، وهذا دليل أول علي إنعدام العشوائية التي أشرت إليها.
العشوائيات التي تطرقت إليها في حديثك سيدي "الجندي"، ليست نتاج قطار محمل بالصعايدة قادم من الجنوب ليفرغ حمولته في الشمال، إنما نتاج عشوائية فكر أزلية، أدت بالتبعية إلي عشوائية المناطق، فعندما قدمت من منزلي أقاصي الجنوب إلي القاهرة منذ 10 أعوام، جئت أيضاً في قطار محمل بأكوامٍ من اللحم، منهم من جاء بحثاً عن لقمة عيشه، ومنهم من جاء بحثاً عن العلاج، ليس من أجل النزهة، ولكنها قلة الحيلة.
والآن يا معالي الوزير، دعني أطرح عليك بعض التساؤلات التي تدور في ذهني، هل قام الجهاز بحصر المنشآت الطبية في الصعيد؟ هل لديه إحصائية بعدد المصانع في الوجه القبلي، كم عدد الصعايدة خارج مصر، هل ستقوم من خلال منصبك الجديد بتكليف المحافظين بحصر البطالة في كل محافظة، كم عدد العاملين في مصانع العاصمة وضواحيها من أبناء الصعيد، وكم عدد من يعولهم وتركهم من أجل أن يجمع لهم "لقمة"، وكم أيضاً عدد الزائرين للمستشفيات منهم لتلقي العلاج.. لعلك كنت تقصد حين قلت العشوائية أولئك الذين يفترشون أرصفة الطرقات أمام المستشفيات في انتظار دورهم لعلاج الأبناء والأمهات، أم أولئك الكادحين الذين يرتدون الملابس الرثة صباحاً بسبب عملهم في البناء، ويملأون المقاهي ليلاً وهم يرتدون الجلباب، وأصواتهم تزعج "أصحاب الأرض".
وأخيراً معالي الوزير.. ابحث عن قصة عم محمود الأسواني، رجل مسن كان يأتي من أسوان للقاهرة بحثاً عن جرعة "السوفالدي"، وكان من الممكن أن ينتظر شهر كامل للحصول عليها، وأثناء حديثه مع أحد الزملاء قال عم محمود "بلادنا مليانة أمراض ومافيش حد يعالجنا هناك، لا في دكاترة كويسين ولا علاج بيوصلنا، وأنا هاخد الجرعة وأخف وهبطل انزل القاهرة إن شاء الله، ما فيش حد يسيب بلده وعياله وناسه إلا عشان الضرورة".