الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رمسيس ينقذ جلينكا العرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فوجئت منذ أيام بتداول بعض الأخبار حول أزمة صحية كبيرة يتعرض لها أحد عمالقة التأليف الموسيقى فى مصر، وهو الأستاذ الدكتور جمال سلامة أستاذ التأليف بكونسرفتوار القاهرة، وصاحب أشهر الأغانى وأجمل الألحان التى كتبت فى موسيقى الأفلام والمسلسلات، وفور علمى بذلك بادرت بالاتصال به، لأتفاجأ بصوت ابنته الكبرى مدام سونيا التى تعيش فى إسبانيا ترد على رقمه الخاص وتؤكد الخبر، وللأسف كان الدكتور جمال فى العناية المركزة بمستشفى المعادى للقوات المسلحة يستعد لإجراء جراحة عاجلة فى القلب، لم أتمالك دموعى بعد سماعى للخبر، ليس لقيمته الفنية الكبيرة وموهبته الفذة فحسب، ولكن بقدر ما زرعه فى نفسى ونفوس كل من عرفوه عن قرب من طيبة قلب وحنان ومحبة لكل من حوله.. كنت أتابع حالته الصحية ثانية بثانية وأدعو الله من كل قلبى أن يقف بجواره ويشفيه، وبالفعل كانت فرحتنا لا توصف بعد أن سمعنا صوته بعد انتهاء العملية بنجاح..كانت المعجزة الحقيقية هى تدخل العناية الإلهية لإنقاذ المبدع الكبير فى اللحظات الأخيرة، حيث لم يكن دكتور جمال يعرف بما وصلت إليه حالة قلبه، لولا صديقه وجاره المخلص أستاذ المسالك البولية الشهير الدكتور رمسيس توفيق بشاى، الطبيب البارع والإنسان النبيل الذى يوده ويحرص على زيارته باستمرار، والذى ما أن رأى وجهه حتى طلب منه أن يتوجه فى أسرع وقت ممكن إلى المستشفى لإجراء فحص شامل للتأكد من حالته، وبالفعل حين وصل إلى المستشفى تم حجزه مباشرة، حيث كان نبض القلب قد وصل إلى (٢٠ ).. ولكن بحمد الله تم إنقاذ الفنان المبدع بدعوات أبنائه وتلاميذه ومحبيه.. هذا الفنان الكبير الذى يجهل الكثيرون قيمته الفنية الحقيقية، والذى لا يعد ملحنا فقط كما يظن البعض، ولكنه مؤلف موسيقى حقيقى بالمعنى العلمى، يملك كل الأدوات والمهارات التى يتم اكتسابها فى سنوات طويلة من الدراسة إلى جانب الموهبة الفطرية التى يتمتع بها، حيث نشأ فى أسرة موسيقية فكان والده عازفا للترومبيت وشقيقه الأكبر الملحن فاروق سلامة الذى ملك أيضًا نفس الموهبة لكنه لم يصقلها أكاديميًا.. وقد وضع والدهم كل أحلامة فى ابنه الأصغر جمال فدفعه وشجعه على الدراسة الأكاديمية وكان يتمنى أن يصل للعالمية، وخاصة بعد نبوغه فى الدراسة فى الكونسرفتوار، وتميزه على أقرانه، وانتقاله إلى موسكو لاستكمال دراسته هناك، حيث تتلمذ على يد المؤلف الموسيقى العالمى آرام خاتشادوريان (١٩٠٣-١٩٧٨) الذى يعد أهم الموسيقيين السوفييت فى ذلك الوقت، والذى كان يشيد بموهبة تلميذه المصرى وعبقريته فى التأليف، وكان يصفه بجلينكا العرب، ولمن لا يعرف جلينكا (١٨٠٤- ١٨٥٧) فهو من أشهر المؤلفين الروس على مدار التاريخ، ويلقب بأنه الأب للموسيقى الروسية الأكاديمية.. وبالفعل حصل جمال سلامة على أعلى شهادة فى التأليف الموسيقى من موسكو عام ١٩٧٦.. ولكنه لم يستجب لنصح أستاذه خاتشادوريان بالاستقرار هناك ليبدأ مشواره كموسيقى عالمى يتخصص فى تأليف الأوبرات والباليهات، حيث فضل العودة لمصر التى كان قد حقق فيها قبل سفره شهرة كبيرة بوضع موسيقى تصويرية لبعض الأفلام الهامة وتلحين بعض الأغانى..ولكن بكل أسف ما زال الكثيرون لا يدركون قيمته ويختزلونها فى كونه أحد كبار الملحنين فى مصر، رغم أن قيمته أكبر كثيرا من ذلك، ونتمنى أن تقوم المؤسسات الإعلامية والثقافية بدورها نحو هذا الفنان الكبير، للتوعية بقيمته ودوره، وحتى لا تظل مؤلفاته حبيسة الأدراج لا تجد من يعرف قيمتها.. ولكن ما أوجع قلبى هى كلمات الدكتور جمال سلامة حين رأيته بعد العملية، حيث كانت أولى الكلمات التى نطق بها ودموعه تنساب بغزارة: «إللى ملوش ضهر فى بلدنا ويعيا هيحصل فيه إيه».. هذا الإنسان والفنان ذو القلب الكبير كان يفكر فى هذه اللحظات فى كل مواطن مصرى يتوجع ولا يجد ما ينفقه على علاجه، ولا يجد تأمينا صحيا يغطى تلك النفقات.. وكان يحمد الله أنه وجد من يقف بجانبه، وأنه حصد ما زرعه لسنوات طويلة سواء كأستاذ بأكاديمية الفنون أو كمؤلف موسيقى لألف فيلم تقريبا، إلى جانب المسرحيات والأغانى والموسيقى البحتة.. ولكنه كان يبكى بحرقة لأنه شعر فى لحظات ضعفه بملايين البشر الذين يعانون دون أن يجدوا من يقف بجانبهم.. ولكن لا تحزن يا دكتور جمال فالله جل جلاله أرحم بعباده منا، وهو لا يكلف نفسا إلا وسعها.. و لعلنا نشعر جميعا بأوجاع بعضنا البعض قبل فوات الأوان وقبل أن نشرب من نفس الكأس.