رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نصر عبده يكتب: الخير والشر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صراع أزلى منذ أن وجد الإنسان على وجه البسيطة، ووجد معه قوتين هما الخير والشر، تتصارعان بداخله حتى تنتصر إحداهما على الأخرى، أو يخضع الإنسان لإحداهما.
وحتى تستمر تلك القوتان بداخلنا جعل الله النفس البشرية أنواعًا، منها النفس المطمئنة، وهى الآمنة التى لا يستفزها خوف ولا حزن، والتى تصل إلى مرحلة الاطمئنان، تميل بطبيعتها للخير.
وهناك النفس الراضية، وهى التى رضيت بما أوتى لها، لكنها قد يتسلل إليها الشر من وقت لآخر لكنها تنتصر فى النهاية لقيمة الخير، ومعنا أيضًا النفس المرضية وهى التى رضى الله عنها عز وجل، وحصنها من وصول الشر إليها فتجدها تكره ولا تقترب منه ولا تعرف إليه سبيلًا، أما عن الأصناف الأخرى فهناك النفس الملهمة، واللوامة، والأمارة بالسوء.
وبين تلك الأنواع تجد قاسمًا مشتركًا وهو الشر والخير، فهل يملك أحدنا أن يكون شريرًا أو خيرًا؟ فلنعرف أولًا ماذا يقصد بالشر أو الخير؟ فالشر يُقصد به الجوانب السلبية فى تفكير الإنسان وسلوكه وسلوكهم، تلك الجوانب التى تعدم الضمير داخل النفس البشرية، وتظهر الرغبة فى التدمير والخراب وإحداث الفتنة فى كل مكان، كما تستخدم كلمة «شر»، فى كثير من الثقافات لوصف الأعمال والأفكار التى تتطلع بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التسبب فى المعاناة أو الألم وصولًا للموت، وتوهم صاحبها بأن ما يفعله متعة يجب أن ينتشى وهو مقدم عليها.
أما الخير، فهو حالة مرغوبة، ومحببة إلى النفس وممتعة فى تنفيذها، وهناك تعريف آخر للخير على أنه ما يثير الإحساس بالمتعة أو بالرضا لدى البشر، أو أنه الأمر المرغوب لديه، وبموجب هذا التعريف فإن الخير هو الممتع، ومع أن المشكلة الأساسية فى هذا التعريف هى أنه من الصعب تعريف الممتع أو المُرضى بشكل مطلق، لأن أى تعريف من هذا النوع يظل مرتبطا بالظروف دائما، إلا أنه لا شك أن فاعل الخير، ومريده والساعى إليه يشعر بمتعة لا يضاهيها متعة.
وإذا فكر كل منا لوهلة بسيطة سيجد الخير والشر حوله فى كل مكان، فى عمله، أو بيته أو فى طريقه، أو فى من يتعامل معهم، أو تعرف عليهم على مدار حياته، ففى تلك المواقف وفى تلك الأجواء من المؤكد أنك قابلت الشر والخير، فهل وصلت لإجابة السؤال الذى ذكرنا قبل ذلك ونقوله بصيغة أخرى، هل يدرك الإنسان أنه يفعل خيرا وقت إقدامه على ذلك؟ وهل يدرك أنه يفعل شرًا وهو يقوم به؟
من وجهة نظرى التى تحتمل الخطأ، أن كلا منا يعرف أن ما يفعله خيرًا أو شرًا، بل إنه تعود على ذلك حتى أنه يفعل الخير كعادة والشر أيضًا، فأهل الخير يقدمون عليه دون تفكير، ويبحثون عنه أينما كان، ووقتما وجدوه فعلوه دون تردد، وأيضًا أهل الشر كذلك، يبحثون عنه، ويلهثون وراءه، ولا يفكرون ولا يترددون ولا يستجيبون لأى قوة أخرى تحاول إبعادهم عنه.
أقول هذا وأعرف أن الخير والشر طبيعتان محيرتان لكثير منا إذا ما ربطنا بينها وبين دوافع فعلهما، لكن فى النهاية يبقى الشر شرًا، والخير خيرًا، فأنت وأنا وغيرنا لا نلتمس العذر لأهل الشر ونحن نراهم يتمتعون بفعله، بل على العكس من ذلك نصب عليهم اللعنات والنظرات الحارقة، وعلى النقيض نرفع القبعة لأهل الخير وهم يقومون به دون النظر لدوافع أو غير ذلك، ووسط هذا كله فمن الخطأ أن نصدر أحكامًا على أفعالنا ونصنفها على أنها شر أو خير اعتمادًا على ظاهرها، فهناك أفعال تبدو فى ظاهرها خيرًا ويقصد بها الشر والعكس أيضًا، فهناك أفعال تبدو فى ظاهرها شرًا مع أنها خيّرة فى باطنها وجوهرها، ومن هنا يجب الحكم على جوهر الفعل ومقصده وليس ظاهره، فكثير منا من المؤكد أنهم خدعوا بأفعال بعض البشر واعتقدوا أنها خيرًا لكن سرعان ما اكتشفوا أنها تحمل الشر بين جنباتها.
من هنا فأفعال الخير والشر تخضع فى ظاهرها لمنطق الجدل، بمعنى أنه يمكن أن تتّخذ وجهةً متناقضة، أو تكاملية رغم ثبات صورتها الظاهرية فى نفس الوقت، والحقيقة أن الإنسان بطبيعته ينطوى علـى قدر من الفساد أو الشر وبداخله الخير أيضًا، وهو وحده يستطيع أن يعلى أحدهما على الآخر وينتصر لنفسه ويؤكد أن الخير بداخل كل منا كما يوجد الشر أيضًا.