الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى ميلاده.. الطاهر جاعوط شاعر قتلته الكلمة

 الطاهر جاعوط
الطاهر جاعوط
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"إذا تكلمت تموت وإذا سكتّ تموت، إذن تكلم ومت"، تلك الكلمة للشاعر الجزائري الطاهر جاعوط، يمكنها أن تلخص حياة وفلسفة الرجل، فهو صاحب الموقف الثابت الذي لا يميل ولا يتزحزح عما يمليه ضميره، وهذا ما كلفه حياته في 25 مايو 1993 على يد المخابرات الجزائرية بقيادة إسماعيل العماري، رئيس جهاز المخابرات آنذاك.
البداية كانت في 11 يناير 1954، حيث ولد الشاعر الطاهر جاعوط بقرية أولخو ببلدية أيت شفعة الساحلية ضواحي أزفون، في منطقة القبائل، وانتقلت عائلته إلى الجزائر العاصمة وهو في سن العاشرة، فدرس الثانوية في مدرسة عقبة بن نافع بباب الوادي وفي 1974 وحصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات بجامعة الجزائر العاصمة، أحرز شهادة ليسانس في الرياضيات، ليتعرف بعد ذلك على الشاعر حميد تيبوشي.
الحاجة إلى كسب المال هي التي دفعت الطاهر جاعوط إلى العمل الصحفي، فأسهم بكتاباته في الملحق الثقافي لصحيفة المشهد، بين 1976 و1977 إلا أنه توقف بشكل مؤقت حتى أنهى خدمته العسكرية في عام 1979، وعاد مجددًا للكتابة في جريدة المجاهد ثم تزوج.


ظل الظاهر جاعوط يعمل في الصحافة الثقافية بسلام، حتى كان اتجاهه نحو الكتابة السياسية نقطة البداية في نهايته، فقد جلبت عليه الكثير من المشاكل والعداوات، وكان السبب في اتجاهه نحو السياسة منع "مثله الأعلى" مولود معمري من تنشيط محاضرة حول الشعر القديم بجامعة تيزي وزو سنة 1980. 
كانت بداية الأزمة عندما حدث الانقلاب العسكري في الجزائر، 11 يناير 1992، فزادت الضغوط الخارجية على السلطة الجزائرية، وكانت السلطات بحاجة لتعبئة واسعة لقوة جديدة وجبهة قادرة أن تحوي الردود السلبية الآتية من الخارج، ومن الداخل، وتحقيق ذلك استوجب انضمام أكبر عدد من المثقفين الفرانكفونيين؛ لإعطاء مصداقية أكبر للحركة.
ولما كان الطاهر جاعوط من الكتاب الفرانكفونيين المتمتعين بمصداقية ومثالية شديدة، كان على رأس تلك القائمة التي أراد ضمَّها إسماعيل العماري، رئيس جهاز المخابرات، لكن الجاعوط كان يتبنى موقفًا معاديًا للتيارين العسكري والديني، ولا سيما بعد ظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية.
تبنّى ملف تجنيد الطاهر جاعوط، رئيس جهاز المخابرات إسماعيل العماري، شخصيًّا فحاول بكل السبل استمالته، إلا أنه لم ينجح، فقد رفض كل صور التعاون مع المخابرات، فأمر إسماعيل العماري بفتح تحقيق دام عدة أسابيع لمحاولة إيجاد ثغرة لكن دون جدوى. الموضوع بلور كما يقال ولذا كان التجنيد صعبًا، كلف إسماعيل عونًا آخر "قبائلي" لجسّ النبض ومحاولة جلب طاهر إلى المعركة، كان جواب هذا الأخير نهائيًّا "أتصرف حسب ما يمليه ضميري".
لم تستمرَّ المناوشات بين إسماعيل العماري والطاهر جاعوط طويلًا، فسرعان ما سنحت الفرصة لرئيس المخابرات للتخلص من قلم الطاهر الذي لم يكفَّ عن مهاجمة الأوضاع القائمة، وذلك عندما نشر الطاهر مقالًا تحت عنوان "العائلة التي تتقدم، العائلة التي تتأخر"، وهو مقال ينتقد فيه الإسلاميين، وبنشر هذا المقال أعطى جاعوط الفرصة الذهبية لإسماعيل العماري فقرَّر تصفيته على جناح السرعة؛ حتى يعطى انطباعًا للرأي العام في داخل البلاد وخارجها أن الإسلاميين هم الذين قاموا بقتله بسبب المقال.


وفي العاشرة من صباح يوم 26 مايو 1993، كانت هناك فرقة كومندوس قد أفرغت الحي من أصحاب طاولات بيع السجائر وعمال الورشات المجاورة، كما كان هناك شخص من طرف إسماعيل العماري يقف أمام سيارة الطاهر جاعوط (الواقفة أمام عمارته)، عندما صعد في سيارته أطلق النار عليه بعد أن ناداه باسمه للتأكد من هويته، ولتمويه الجريمة أخرج الجسد المدمى من السيارة وطرح أرضًا، ثم أخذ القاتل السيارة وغادر الحي كأن شيئًا لم يكن، ونُقل الطاهر جاعوط إلى المستشفى في حالة حرجة بعد إصابته في الرأس والذراع.
وفي يوم 2 يونيو 1993 توفي الطاهر جاعوط في مستشفى عين النعجة العسكري، بعد أن قضى أسبوعًا في غيبوبة، ودفن بمسقط رأسه يوم 4 يونيو 1993.
وحاولت عائلة جاعوط إيجاد شهود من سكان الحي، حيث الكل يعرف الكل، لكن دون جدوى، لقد قامت محافظة الشرطة المحلية بالتطهير الضروري، بأخذ مجموعة شباب الحي إلى مقر الشرطة، وعندما خرجوا منه تعلموا أن يقولوا: "لم أر شيئًا، وهذا الشيء لا يهمني"، والخوف السائد هناك أتمَّ الباقي.
قدم الطاهر جاعوط العديد من الأعمال الأدبية التي تنوعت ما بين الشعر والقصة والرواية، فكان من بينهم "المدار الشائك (قصائد) صدر 1975- القوس حامل الماء (قصائد) صدر 1978- قاطن الجزيرة وشركائه (قصائد) صدر 1980- العصافير المعدنية (قصائد) صدر 1991- امرأة منزوعة الملكية (رواية) صدر 1981- الباحثون عن العظام (رواية) صدر 1984- فخاخ الطيور (مجموعة قصصية) صدر 1984- اختراع الصحراء (قصة قصيرة) صدر 1987- العسس (رواية) صدر 1991 نالت جائزة البحر المتوسط بفرنسا.. وغيرها.
ومن أشعاره:
أفكر في فرعون
في الابتسامة الثابتة للشمس المختتنة
خائفون من الحقيقة
خائفون من الأقلام الصادقة
خائفون من الرجل– الإنسان
وأنت مولود أصررت على الكلام
عن حقل قمح أطفال الفقراء
تحدثت عن رش كل الأسلاك الشائكة
التي هتكت آفاقنا.