الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اللهم اجعلنى من الـ5 %

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ستتعجل كعادتك، وتظن أن طلبى من الله يأسا، أو سينصرف ذهنك إلى الـ٥٪ ذوى الاحتياجات الخاصة، وأنا أعذرك فى ذلك، فقد تعودنا لسنوات أن نجتزأ الحكايات، ألا نكمل طريقا لآخره، أن ننتهى قبل أن نبدأ، أن نصدر الحكم حتى قبل أن نستمع، مع أن هذه الإشكالية وهذا العيب أبصرنا به الله مرات ومرات، فمن «نعجة داود» إلى حادث الإفك آلاف الأمثلة والعبرات، وأنا هنا أسوق لكم واحدا فقد حدث لى موقف وأنا قادم إلى عملى فى سيارتى التى تكبرنى فى السن بأعوام، ولكنها تعافر برغم أعراض الشيخوخة التى ظهرت عليها، تعطس وكأنها تنفض غبارا من على ظهرها، تجرى تارة وتبطئ تارة وتنام لأيام، لكنها ساعة الجد لا تتخلى عني، وربما لأن جزءا من صناعتها مصرى تعلمت منا هذه الطباع، شيخ بعمامة يقف على الطريق يشير فأقف بعد أمتار يمد الخطى ويركب، نتحدث فى أمور كثيرة، يدعو لمصر وللشعب ثم يدعو دعاء غريبا «اللهم اجعلنى من الـ٥٪»، أندهش.. يكرر الدعاء، أتأكد من أن فمى مغلق جيدا حتى لا تطل منه عبارة «إنت مجنون يا عم الشيخ»، لكنه يراها فى عينى وفى ضحكتى المكبوتة، فيضحك.. فأضحك، ويقول لى هل تعلم قصة «جالوت وطالوت»، قلت له: نعم وحينما قصصتها عليه قال لى ليست كذلك.. عاودت الاندهاش فأنا فى قرارة نفسى مثقف إلى الحد الذى لا يشكك أحد فى عقلى ولو كان بعمامة، لكن أمام تلك الكفة هناك أخرى فى إحدى جنبات روحى تكبل جماح غرورى وتقول لى أنت لا شىء إذا لم تتعلم من الناس، ودائما ما تكون لها الغلبة فقلت على الفور وما الحكمة يا شيخ؟ قال: تلك أمة سلط الله عليهم ملوكا جبارين فذاقوا المر والجور، حتى جاءهم طالوت، وكان هنا الاختبار الحقيقي، فعدوهم العمالقة لا يقدر عليهم بشر وكانوا يطلبون من الله أن يرسل إليهم نبيا، لكنه كان بشرا أعد العدة وخرج فى جيشه فقال لهم سنمر على نهر لا تشربوا منه ولكن فقط غرفة بكف وكانوا يعانون العطش، أخذ منهم الوعد لكنهم أمام النهر ضعف منهم الكثير ونهلوا منه فخرج عن الجيش ستة وسبعون ألفا من أصل ثمانين ألف مقاتل، أى تبقى معه ٥٪ تلك النسبة التى صارت لدينا رمزا للإعاقة، ولو تمعنا لعرفنا أن العامل المشترك بينهم وبين جنود طالوت هو الصبر، لذا أدعو الله أن يجعلنى من الـ٥٪، أنعش الرجل ذاكرتى فقلت له إذن الغرب عرف ذلك جيدا، حقا نحن مجتمع معاق لأننا بسذاجة جعلنا من ميزات القلة علة، وتجاهلنا أن بيتهوفن أعظم موسيقار مر على التاريخ.. ألف أروع سيمفونية له حينما أصيب بالصمم، وأن «ديموستين» خطيب أثينا العظيم كان يتلعثم فى الكلام، قاطعنى الشيخ وقال لى وهذه أيضا إحدى آفاتنا لماذا نسوق الأمثلة من الغرب وعندنا منها الكثير، طه حسين أعمى أنار الدنيا بعلمه، نزل الشيخ وأكملت أنا فى طريقى إلى العمل لأكتب مقالى هذا متمنيا أن أكون من الـ٥٪.