الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نحو تأسيس عصر ديني جديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«إن المشكلة ليست فى الإسلام، بل فى عقول المسلمين وحالة الجمود الفقهى والفكرى التى يعيشون فيها منذ أكثر من سبعة قرون. لقد اختلط المقدس بالبشرى فى التراث الإسلامي، واضطربت المرجعيات وأساليب الاستدلال».
هكذا يقدم الدكتور محمد عثمان الخشت أستاذ فلسفة الدين والمذاهب الحديثة والمعاصرة، ورئيس جامعة القاهرة، لكتابه القيم «نحو تأسيس عصر دينى جديد»، ويرى الدكتور الخشت أنه من غير الممكن «تأسيس عصر دينى جديد» دون تفكيك «العقل الدينى التقليدي» وتحليله للتمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام. 
ويقتضى الدخول إلى عصر دينى جديد مجموعة من المهام العاجلة يحددها المؤلف فى تفكيك الخطاب الديني، وتفكيك العقل المغلق، ونقد العقل النقدي، وفك جمود الفكر الإنسانى الدينى المتصلب والمتقنع بأقنعة دينية، حتى يمكن كشفه أمام نفسه وأمام العالَم.
ويؤكد «الخشت» أن هذا التفكيك ليس تفكيكًا للدين نفسه، وإنما للبنية العقلية المغلقة، وإنه تفكيك للفكر الإنسانى الدينى الذى نشأ حول «الدين الإلهى الخالص». 
فالمهمة العاجلة ـ عند مؤلف الكتاب ـ هى العمل على تغيير «ماكينة التفكير» عند الناس، لأن بنية عقلية المسلم المعاصر تنطوى على إشكاليات ضخمة تجعله بعيدًا عن طرق التفكير الصحيحة سواء فى العلم أو الدين أو الحياة بوجه عام.
هدف الدكتور محمد عثمان الخشت ليس تجديد الخطاب الديني، وإنما هو تكوين خطاب دينى جديد، لأن تجديد الخطاب الدينى عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم، والأجدى هو إقامة بناء جديد بمفاهيم ولغة ومفردات جديدة، وفقًا لمتغيرات العصر وطبيعة التحديات التى تواجه الأمة، ونشر مفاهيم التنوع والتعددية وقبول الآخر وممارسة هذه المفاهيم.
إن تأسيس عصر دينى جديد يقتضى تكوين «مرجعيات جديدة» فى فقه جديد وتفسير جديد وعلم حديث جديد، ولن يحدث هذا إلا إذا تعددت وتنوعت مصادر المعرفة.
 إن التجديد من داخل العلوم الشرعية غير ممكن ـ كما يذهب المؤلف ـ لأنه سوف يجعلنا نقع فى حالة من الاجترار الذاتي، ومن ثمَّ نعود دومًا إلى نقطة الصفر، ولذا من الضرورى فتح الباب لدخول عناصر جديدة حتى يتفاعل القديم منها مع الجديد. 
ويذهب الخشت إلى أنه بغير تفكيك عقلية الإنسان المسلم لن نستطيع صناعة تاريخ جديد نخرج فيه من هذه الدائرة المقيتة لكهنوت صنعه بشر بعد اكتمال الدين، وتلقفه مقلدون أصحاب عقول مغلقة ونفوس ضيقة لا تستوعب رحابة العالَم ورحابة الدين.
 ويقتضى تحقيق عملية «التفكيك» المرور بمجموعة من المراحل، تأتى فى مقدمتها مرحلة «الشك المنهجي» الذى يتخذ من الشك منهجًا للوصول إلى «الحقائق الواضحة والمتميزة»، ويرى المؤلف أن «الشك المنهجي» استخدمه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين شك فى عقائد قومه الذين كانوا يعبدون الأوثان والكواكب والنجوم. 
إن شك إبراهيم عليه السلام فتح الطريق أمام عصر جديد فى الإيمان، وكذلك الحال مع الشك الديكارتى الذى مهد الطريق لعصر حديث ودعت فيه أوروبا عالَم العصور الوسطى.
لكن لماذا ركز المؤلف على إبراهيم عليه السلام وقارن بينه وبين ديكارت؟ هل هذه تسوية فى القيمة والمنزلة بينهما؟ كلا.. ليس الأمر على هذا النحو، إن كل ما هنالك هو أنه رأى أن المشكلة التى واجهها أبو الأنبياء إبراهيم فى عصره كانت مشكلة التقليد والاتباع الأعمى للآباء وكبار القوم، ومنهجهم القائم على اليقين المطلق بصحة أقوال السابقين وسلامة الدين والتاريخ.
والمشكلة التى واجهها ديكارت وعصره هى أيضًا سيادة أقوال الكهنة وتفسيرهم الأحادى للكتاب المقدس. وهى ذاتها المشكلة التى يواجهها الدكتور محمد عثمان الخشت بوصفه مفكرًا مصريًا مسلمًا كبيرًا مهمومًا بقضايا وطنه، منشغلًا بمحاولة إيجاد حل لحالة التردى والتخلف التى تعانى منها البلاد.
هكذا رفض إبراهيم ـ عليه السلام ـ إسكات عقله، وهكذا رفض ديكارت ورفاق عصره إسكات عقولهم. وهكذا رفض الخشت إسكات عقله.
مع إبراهيم بدأ دين جديد يرفض التقليد، ومع ديكارت ورفاق عصره تم الشروع فى تأسيس عصر جديد وخطاب جديد تراجع فيه لاهوت العصور الوسطى الذى كان يحتكر فيه رجال الدين فى أوروبا الحقيقة الواحدة والنهائية. 
ومع الدكتور الخشت تمت من خلال كتابه «نحو تأسيس عصر دينى جديد» الدعوة للنقاش بغية تجاوز «عصر الجمود الديني» الذى طال أكثر من اللازم فى تاريخ أمتنا، من أجل تأسيس عصر دينى جديد، وتكوين خطاب دينى من نوع مختلف.
إنه كتاب جدير أن يُقْـَرأ، بل جدير أن يكون مقررًا دراسيًا على طلاب المدارس الثانوية أو طلاب السنة الأولى للكليات الجامعية كافة.