رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القرضاوي وغياب العقلية الفقهية المتزنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أكتوبر ٢٠١٣م تلقى المنتخب المصرى هزيمة من نظيره الغانى ١-٦ فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم بالبرازيل، فخرج الدكتور القرضاوى فى خطبة بالدوحة ليربط بين الهزيمة وبين عزل الدكتور مرسى من الحكم، كما ربط بين الهدف الوحيد الذى أحرزته مصر وبين اللاعب الذى أحرزه، وقال إنه الشاب المؤمن المستقيم «محمد أبوتريكة» المؤيد لاعتصام الإخوان فى «رابعة».
هذا الأسبوع فاز المنتخب بأفضل منتخب أفريقي، وفاز اللاعب محمد صلاح بأفضل لاعب أفريقي، فسكت القرضاوى ولم يعلق، ولم يتراجع عن عقليته الحماسية الحزبية، وكثيرا ما قلنا إننا أمام اثنين من القرضاوي، القرضاوى الفقيه العقلانى الواعى الوسطى المتزن، والقرضاوى الثانى الحماسى الذى يسخر فقهه لخدمة تيار أو حزب، فكلام القرضاوى يكشف عن غياب منهجية الفهم والتحليل لديه، ويؤكد أنه عزل نفسه عن مناهج أهل العلم، وذهب يجهد نفسه فى فهمه معتمدا على حدسه وحسه الشخصى وتصوراته الخاصة، فحدث انقطاع بين القرضاوى الأول والقرضاوى الأخير.
والقارئ العزيز فى غنى عن بيان أن الانتصارات والهزائم وإحراز الأهداف أمور لا ترتبط بدين أو عقيدة أو انتماء، وأن أساطير العالم فى كرة القدم هم من داعمى الكيان الصهيونى، ومنهم اليهودى ومنهم الملحد، وأن مصر التى خسرت من غانا فى ٢٠١٣ بسبب ما أسماه الانقلاب العسكرى، وبالتالى خرجت من المونديال هى مصر التى انتصرت على غانا فى ٢٠١٧ ووصلت لكأس العالم بروسيا، ولم يكن معهم اللاعب محمد أبو تريكة (مع احترامنا له)، كما أن اللاعب صاحب الجهد الأكبر هو محمد صلاح المعروف بتأييده للقيادة المصرية والدولة المصرية والجيش المصري، ومنتخب مصر ولاعب فاز بجائزة الأفضل أفريقيا، وحين غابت عنه منهجية الاعتدال فى العلم، وفى نفس الوقت تحدث فى تحليل رياضى ليس أهلا له غفل عن أن الهدف الذى أحرزه أبو تريكة كان من ضربة جزاء تسبب فيها محمد صلاح، ما يعنى أن الاثنين الهدف، وفى كل الأحوال قد يحرز اللاعب هدفا ويكون الفضل فيه لغيره، فالأهداف ليست مقياسا.
عموما لسنا هنا فى عرض تفاهة هذا المنحى الذى يقول به الشيخ، لكنه نموذج يبين كيف أن عقلية الفقيه المعتدل قد غابت تماما لحساب عقلية الحزبى الإخواني، هذا التحول جعل القرضاوى صاحب المؤلفات التى تنم عن اتزان وحصافة ليس هو القرضاوى صاحب التصريحات التى ترمى شواظها المحرقة، والتى تفتقد المنهجية والانضباط العلمى والرصانة وانعدام المعيارية، وتخلو من التأمل والتنظير والتقويم والمراجعة والاستيعاب، الأمر الذى جعل فقه الشيخ فى المرحلة الأخيرة ما هو إلا رد فعل دفاعى تعبوي.
هذا الذى حدث لعقل القرضاوى- بعد ضياع حكم الإخوان- أبرز تحولات حادة غير واعية، وغير منضبطة، كانت هى السمة الرئيسية للشيخ، وهذه التحولات فى التفكير ليست عيبا، بل يمكن أن نسميها(مراجعة) إذا ما كانت تطويرا للرؤية، وتعديلا لمنهج، واستشرافا للمستقبل، لكنها تصبح مشكلة بل وكارثة حين تتم بحماس وانفعال وحدة، كرد فعل لضياع مشروعه الذى عاش من أجله فى يوم وليلة، إنه تناقض فى مواقف فاصلة، غُمت عليه فيها معالم الطريق، فغلب على تصريحاته الطابع الإجرائى الذى يصلح- إن صلح- للعمل اليومى أو الأسبوعي، لا ليكون منهجا علميا معتبرا تُبنى عليه الأجيال، وتستقيم به الأمة، وتستفيد منه العقول.