الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

دولة المنايفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم أخصص هذه المساحة للحديث عن كم المناصب التى يتولاها المنايفة فى مختلف أنحاء الدولة على مر العصور أو أنهم يتفوقون على نظرائهم من المحافظات فى ذلك منذ زمن بعيد، فذلك معلوم للجميع، ولكن البعض يكتفى بالسخرية أحيانا من باب أننا نتغلب على أمورنا بالنكت، والبعض الآخر يكتفي بالنظر فقط، ولكن يبقى السؤال الذى لم يتبادر إلى ذهن أحد لماذا كل هذا التفوق؟
الإجابة ببساطة شديدة تكمن في شيء واحد، وهو التعليم فالمفاجأة أن المنوفية هى أولى محافظات مصر فى التعليم منذ زمن بعيد، ويرجع ذلك إلى الراحل عبدالعزيز باشا فهمى، الذى أسس جمعية المساعى المشكورة عام ١٨٩٦ بالتبرعات الأهلية، ويرجع الفضل لهذه الجمعية التاريخية فى أنها أول من أدخل التعليم فى محافظة المنوفية، وذلك قبل أن تدخل الحكومة التعليم فى المحافظات بخمسين سنة، كما أنها أنشأت ثاني مدرسة للبنات على مستوى الجمهورية بعد المدرسة السينية، وكأنها دولة لوحدها فى التعليم.
وهنا لنا وقفة مع العبقرى عبدالعزيز باشا فهمي، فسر إصراره على ذلك يرجع إلى أنه كان يذهب لمدرسته الثانوية فى القاهرة، لأن الإنجليز قاموا بإلغائها في المحافظات، رغبة في تجهيل الشعب، ولكن إصرار عبدالعزيز باشا لا مثيل له، ومن هنا كانت قوة أبناء هذه المحافظة فى تعليمهم وتركيزهم على توريث ذلك لأبنائهم، خاصة أن المحافظة ذات مساحة صغيرة وتقل فرص العمل بها.
ولم تقتصر الإبداعات التى ورثها المنايفة من هذا الرجل على التعليم فقط، وإنما كان يتمتع بمواقف رائعة كانت نموذجا يقتدى به، فهو أول قاض يتقدم باستقالته فى ١٩٣٠، ووقتها كان رئيسا لمحكمة الاستئناف، فعندما قرأ في الصحف أن أحد أعضاء مجلس النواب يسأل عن راتب رئيس محكمة الاستئناف، وكيف أنه يتساوى مع راتب الوزير، توجه إلى قصر عابدين وقدم استقالته للملك فؤاد؛ لأنه اعتبر السؤال عن راتبه من جانب عضو البرلمان تدخلًا فى شأن من شئون السلطة القضائية.
وورثوا منه التفاني والتواضع الجم، فمن تلك المواقف ذات يوم جاء إليه فقير كهل من أهل بلدته طالبا عملا ليقتات منه هو وزوجته بعد إصابته فى حادث قطار، فخشى ألا يقدر على أن يساعده، فقال له، أنت لا تقدر على العمل وأخذ حمار هذا الرجل وعينه في البريد، حيث كان البوسطجي يمتطى الحمار تنقلا بين المحافظات، ليكون أول من عيَّن الحمار في وظيفة.
ولكن الطريف فى موضوع عبدالعزيز باشا أنه الوحيد من المنايفة، الذى ترك المناصب بإرادته، ففى أوائل عام ١٩٢٥ تولى عبدالعزيز فهمى رئاسة حزب الأحرار الدستوريين، وفى العام نفسه اختير وزيرًا للحقّانية (العدل) فى وزارة أحمد زيور باشا، وظلَّ يشغل رئاسة الحزب إلى أن حدث الائتلاف بين الأحزاب المصرية، فوجدها فرصة سانحة لاعتزال السياسة وقدَّم على أثرها استقالته من رئاسة الحزب، ليتفرغ لمهنته الأصلية (المحاماة) وهو بالطبع ما لم يفعله المنايفة.
الخلاصة فى الموضوع أن هذه المحافظة تطورت وارتقت بسبب التعليم وتوارث الأجيال ذلك رغبة فى أن يجدوا أبناءهم في وظائف جيدة في المجتمع، وكل استثماراتهم في أبنائهم فى التعليم، فلماذا لا نستفيد بهذا النموذج بدلا من التجارب العجيبة في التعليم ولدينا تجربة تدرس؟