الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الحشد".. حرس ثوري جديد في العراق

حرس ثوري
حرس ثوري
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على الرغم من إعلان رئیس الحکومة العراقية حیدر العبادى بداية دیسمبر ٢٠١٧، عن القضاء الکامل على تنظیم داعش الإرهابى فى بلاده، إلا أن المشهد هناك لا یبشر باستعادة الاستقرار المفقود فى المستقبل القریب فالأسباب التى جعلت من العراق بیئۀ حاضنۀ للإرهاب لا زالت على حالها، هذا إن کان "داعش" قد انتهى فعلا ویأتى الشرخ المذهبى على رأس الأسباب التى أدت إلى ظهور "داعش" ومیلیشیات الحشد الشعبى الشیعية، التى یعتبرها کثیرون امتدادا لانتشار الإرهاب فى بلاد الرافدین.

وقال الکاتب السیاسى العراقى المنحدر من کردستان العراق، أنس محمود الشیخ مظهر، فى حوار لـ"البوابة نيوز"، إن "ظروف نشأة "الحشد" تؤکد أنه کان مخططا لیکون قوة موازیة للقوات الرسمیة العراقیة، خاصة أنه تمکن من تکوین کل هذا النفوذ فى فترة وجیزة، کما أنه سیکون مستفزا للمکون العراقى السنی، وبالتالى سیدفع إلى ظهور کیانات إرهابیة جدیدة على غرار داعش، مؤکدا أن مستقبل هذه المیلیشیات الشیعیة مظلم، وإلى نص الحوار:
فى البداية.. كيف ترى دور قوات الحشد فى المشهد العراقى بعد إعلان بغداد انتهاء حربها على تنظيم "داعش"؟
- كى نفهم الدور المنوط بميليشيات الحشد بعد داعش يجب أن نعرف كيف تشكلت هذه الميليشيا، فمن المعروف أنها تشكلت بعد فتوى »الجهاد الكفائي،« التى أطلقها المرجع الشيعى العراقى على السيستانى لمحاربة داعش، لكن الفتوى جاءت مطاطة وأفسحت المجال أمام أطراف سياسية داخلية وخارجية لتوظيفها من أجل مصالح مذهبية بحتة. فالفتوى مثلًا لم تحدد طريقة التطوع وضمن أى تشكيلات ولا الجهة التى ستشرف على إعداد المتطوعين، وبما أن الفتوى صادرة عن مرجعية شيعية، فألزمت فقط التابعين لهذا المذهب؛ وبذلك انخرطوا فى مجاميع مسلحة تزعمتها قادة ميليشيا شيعية موجودة سلفا، وبالتالى أصبحت قوة مسلحة توازى المؤسسة العسكرية، وساعد الدعم الإيرانى لها فى أن تنمو وتنتظم فى ميليشيات تتبع مباشرة طهران. وباختصار؛ فإن هذه الميليشيات خطط لها منذ تشكيلها أن تكون مذهبية بعيدًا عن معانى الوطنية، ومن ثم فكانت المنطلقات المذهبية هى المحرك لها فى الحرب ضد »داعش «؛ ولهذا، فإن وجود هذه الميليشيات أضاف شرخا جديدا فى النسيج الوطنى العراقي.
من كل ذلك، فالدور الذى ستقوم به ميليشيات »الحشد « فى فترة ما بعد »داعش «، سيكون مذهبيا خادما للمصالح الإيرانية.
فى رأيك لماذا تسخّر الحكومة العراقية الخدمات لصالح ميليشيات الحشد؟
- بغض النظر عن مصطلح حكومة عراقية، التى لا أتفق معها، إذ هى ليست حكومة ولا لها مؤسسات حقيقية، إلا أن الدعم الذى يوفره هذا الكيان »الحكومة،لـ»الحشد « نابع من تمكن الأكثرية الشيعية داخل هذا الكيان من إقحام هذه الميليشيات، وهو ما يفسر تمرير قانون الحشد الشعبى الذى جعل هذه الميليشيا مؤسسة رسمية عراقية مع أنها تمارس القتل الجماعى والخطف والسرقة حالها حال أى عصابات أخرى.
ويتغاضى المكون الشيعى عن هذه الجرائم؛ لأنه يشعر بأن هذه الميليشيات تمثل مصالحه، لا سيما الخوف، الذى يعترى الأحزاب الشيعية دائما من أن الآخرين »غير الشيعة « متربصون بهم ويحاولون دائما القضاء عليهم، لذلك فإنهم مضطرون لتشكيل مجاميع مسلحة تدافع عنهم كشيعة، حسب زعمهم. ويضاف لكل ذلك، الأفكار التوسعية للمكونات السياسية الشيعية سواء فى العراق أو إيران، تدفعها لتقوية مجاميع مسلحة تابعة للمذهب تحسبا لأى مواجهة إقليمية فى المستقبل.
هل معنى ذلك أن »الحشد « يتم إعداده لمواجهات خارج حدود العراق؟
- بالطبع، فإيران تعد الحشد لكى يكون بمثابة جيش لها فى المنطقة، وهو ما ظهر فى التهديدات التى تطلقها عناصر »الحشد « ضد أمريكا، أو فى الدور المرجح له بسوريا.
هل ترى أن هذه القوات تتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الجيش العراقي؟
- يمكننا أن نقول إنه لم يعد هناك جيش عراقى أصلًا؛ فالأحزاب الشيعية الموجودة فى بغداد بالتعاون مع إيران خططوا للقضاء على المؤسسة العسكرية العراقية فى سيناريو احتلال الموصل من قبل »داعش « فى مشهد مذل للجيش العراقى وهو ينسحب دون قتال أمام بضع مئات من عناصر داعش.
وكان هذا المشهد مقصودا وتم بتخطيط من رئيس الحكومة العراقية آنذاك نورى المالكى والأحزاب الشيعية، ليتم بعده صعود ميليشيا الحشد إلى الواجهة والسيطرة على الوضع الأمنى والعسكرى فى القتال مع داعش.
وإن كان الجيش العراقى مجهزًا بأسلحة أمريكية وغربية، فإن هذه الأسلحة أصبحت تحت تصرف ميليشيا الحشد، بالإضافة إلى ترسانة الأسلحة، التى مدت بها إيران هذه الميليشيات، ليمتلك بذلك مستوى تسليحيا يفوق تسليح الجيش العراقي. والأكثر من ذلك، أن تصريحات قادة ميليشيا الحشد تشير لدخول تكنولوجيا تصنيع السلاح إليهم. ويدلل على ذلك أنه قبل فترة، عرض على وزارة الدفاع العراقية مشروع لصناعة إطلاقات الرصاص (خرطوش)، فاعتذرت وزارة الدفاع عن المشروع لعدم امتلاك الوزارة التخصيصات المالية المناسبة للمشروع، فتبنت هيئة الحشد الشعبى المشروع وبدأت بتنفيذه، وهذا يدل على الإمكانيات المتوفرة أمام الحشد على حساب إمكانيات الجيش.
كيف رأيت دعوة المرجعية الدينية على السيستانى بضرورة اقتصار السلاح على الدولة، ما اعتُبر دعوة لإدماج »الحشد « فى الجيش العراقي؟
- إن الدعوة الجديدة للسيستانى توضح تمامًا كذب الأحزاب الشيعية المتنفذة بالحكم فيما كانوا يصرحون به طوال السنتين الماضيتين، من أن الحشد مؤسسة تابعة للدولة، وعلى أساس ادعاءاتهم هذه مُرر قانون الحشد فى البرلمان، فلو كان الحشد قبل الآن تابعا للمؤسسة العسكرية فما الداعى من إعلان هذا فى الوقت الحاضر!
ودعوة السيستانى الجديدة لا ترمى إلى جوهرها بقدر ما ترمى إلى غايات أخرى وهى حماية هذه الميليشيات؛ فبعد بدء أمريكا فى استهداف حزب الله وميليشيا النجباء العراقية رأى القائمون على الوضع العراقى والإيرانى أن هذه هى لحظة حماية »الحشد «، كما أن الدستور العراقى يحرم أى كيان مسلح من المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، وبما أن إيران حريصة على السيطرة على الحياة السياسية العراقية، فهى تخطط للدفع بالحشد فى الانتخابات البرلمانية المرتقبة فى الربيع القادم، ولكن بعدما يصبح »الحشد « جزءا من الدولة.
ما خطورة دمج »الحشد « فى الجيش العراقي؟
- ما يسمى مجازًا دمج الحشد فى الجيش العراقى هو فى حقيقته »حشدنة للجيش «، أى تحويل الجيش العراقى إلى ميليشيا، وليس العكس؛ فمن الصعب أن يستوعب الجيش العراقى فى وضعه الحالى من ضعف وقلة العدد أعداد »الحشد «، ويحولها من أسلوب الميليشيات إلى جيش منظم. يضاف لهذا الأمر خطورة نشر الفكر المذهبى داخل الجيش العراقي، وخطورة أن يتيح دخول »الحشد « تحت راية الجيش الفرصة للميليشيات للاستفادة من السلاح المتطور، الذى تُعقد من أجله الصفقات.
سبق لك التأكيد أن الحشد لا يقل خطورة عن »داعش «، لماذا، وما أوجه الشبه بينهما؟
- نعم لا يوجد أى فرق بين الحشد الشعبى و»داعش،« وذلك لأن كلا الطرفين يتبنيان أفكارًا عقائدية لا تلتقى فى نقطة مشتركة ولن تلتقي، ومثلما يقتصر »داعش « على الشريحة المتطرفة من المكون السني، يقتصر الحشد على الشريحة المتطرفة من المكون الشيعي، وهكذا فهما يقسمان المجتمع الإسلامى من خلال تنظيماتهما المسلحة إلى سنى وشيعى، وهذا سيكون له تبعات خطيرة على الوضع العام فى المنطقة الإسلامية.
أضف إلى أن الجرائم التى ارتكبتها ميليشيات الحشد ضد المكون السني (كمدنيين عزل) من قتل وذبح وحرق وتمثيل بالجثث واغتصاب لا تقل إجرامًا عما ارتكبه »داعش « من فظائع.
أيهما أخطر من وجهة نظرك؟
- أعتقد »الحشد « الأخطر، وذلك لأن »داعش « لا تدعمه أى دولة فى العلن، على عكس الحشد المدعوم من العراق وإيران، ويرتكب جرائم تحت غطاء رسمي، وباختصار فإن الحشد ذراع مسلح لدولة ذات فكر توسعى وهى »إيران.« 
هل تتفق مع الرأى القائل بأن بقاء الحشد قد يدفع باتجاه ظهور تنظيم أكثر وحشية من »داعش «، أو مماثل له على الأقل؟
- فى تصوري، ستقوم إيران بالحفاظ على »داعش « حتى تضمن وجود سبب لبقاء »الحشد «، فطالما أعلن القائمون على »الحشد «، أنهم باقون ما بقى »داعش،« ولو أثبت »داعش « فشله تمامًا فى الاستمرار، فسيتم خلق جماعات إرهابية جديدة تمثل نفس الدور الذى مثله »داعش.«
ويفسر ذلك الرأي، التحذيرات التى يطلقها من وقت لآخر قادة »الحشد « من وجود تنظيمات إرهابية سنية جديدة بعد »داعش «، وفى نفس الوقت مغالاتهم فى تنفيذ عمليات إجرامية ضد السنة، لدفعهم لتشكيل هذه التنظيمات.
كيف ترى المشهد العراقى فى ظل بقاء "الحشد" وخلايا "داعش" النائمة؟
- المشكلة أن كلا الطرفين يحملان روحية التحدى والإصرار على تحقيق ما يؤمنون به، مهما كانت التضحيات، والمشكلة فى المشهد العراقى أن التركيبة الديموجرافية للسكان، وانقسامها بشكل تناصفى بين الطرفين الشيعى والسنى تجعل من انتصار طرف على طرف آخر أشبه بالمستحيل، لذلك فوجود ميليشيات الحشد ووجود خلايا نائمة ل »داعش « يؤدى إلى استمرار القتال، ويغذيه المنطلق الفكري، الذى ينحدرون منه.
هل تتوقع أن يشارك الحشد فى الانتخابات البرلمانية المقرر لها مايو ٢٠١٨ ؟
- بالتأكيد، سيشارك فى الانتخابات وهناك الآن استعدادات تجرى على قدم وساق لترشيح قادة الصف الأول فى الحشد أنفسهم، لكن ولأن الدستور العراقى يمنع مشاركة مجاميع مسلحة فى الانتخابات، فقرر هؤلاء القادة انفكاكهم عن مجاميعهم المسلحة وضم هذه المجاميع إلى هيئة الحشد الشعبى التابعة مجازًا للجيش، كى يتسنى لهم المشاركة فى الانتخابات باعتبارهم مدنيين وليسوا من ضمن المجاميع المسلحة. 
حال مشاركته.. ما خطورة أن يكون هناك كيان مسلح ممثل داخل المجلس النيابي؟
- سيكون العراق أمام قوات عسكرية تسيطر عليها ميليشيات الحشد وساسة كانوا سابقا فى تلك الميليشيات يديرون الحكومة العراقية، بمعنى سيطرة الميليشيات بشكل كامل عسكريًا وسياسيًا على العراق، وبحكم العلاقة بين »الحشد « وإيران فستكون طهران متحكمة فى العراق تمامًا.
ما السيناريوهات التى تنتظر الحشد الشعبى فى رأيك؟
- فى الحقيقة، فى داخل العراق، ليس بمقدور أية جهة أن تشكل تحديًا لميليشيات الحشد الشعبي، فلا السنة، ولا الكرد، قادرون على التصدى لهذه الميليشيات كونها تتحرك تحت غطاء الدولة العراقية من خلال الأحزاب الشيعية المسيطرة على مقاليد الحكم، لكن هذه الميليشيا لا تمثل تهديدًا للداخل العراقى فحسب، بل إنها تمثل تهديدًا لدول إقليمية سنية، كما أنها تمثل تهديدًا للمجتمع الدولي. بمعنى أن خطورتها لا تقتصر على الداخل العراقى فقط؛ لذا فعلى دول المنطقة والمجتمع الدولى الانتباه لخطر هذه الميليشيات التى أراها أخطر من تأثير حزب الله. فوجود هذه الميليشيات فى العراق ووجود حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن يمثل طوقًا كاملًا يحيط بدول الخليج وتهديد غير مباشر لتركيا ومصر فى المستقبل.
ما تقديرك لتصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون حول ضرورة تفكيك الحشد الشعبى وسحب السلاح منه؟
- ليس فقط تصريحات ماكرون وإنما حتى التصريحات الأمريكية أعطت مؤشرات للأطراف الشيعية فى العراق وإيران بأن هناك تركيزًا على الميليشيات التابعة لها فى المنطقة، وهذا دفع باتجاه حماية هذه الميليشيات من خلال دعوات دمجها فى الجيش، وبصراحة؛ فإن أمريكا والغرب تتعامل بغباء سياسى تجاه هذه الميليشيا حتى الآن.