الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السودان لمصر ومصر للسودان "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو أن طبيب الأسنان إبراهيم الغندور الذى قادته ظروفه لكى يكون وزيرًا لخارجية السودان نسى السياسة، وهو تخرج فى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية ولابد وأن يكون قد تتلمذ على يد الرموز الدكتور محمد السيد الحضري، أول طالب بجامعة الإسكندرية ليصبح رئيسًا لها، والدكتور وهيب موسى العالم الجليل المصنف دوليًا وغيره من العمالقة، ولابد وأن يكون قد حظى برعاية زميل العمر الدكتور مهندس محمد عبدالرازق عامر، راعى الجالية السودانية بالإسكندرية والذى رفض منصبًا وزاريًا إيمانًا بأهمية دوره، ولابد وأن يكون قد سمع عن الدكتور التيجانى الماحى الذى عين رئيسًا لمجلس السيادة السودانى، وتلقى الخبر وهو فى منزله بشارع سعد زغلول بميدان محطة الرمل، حيث كان مساعدًا لمدير الهيئة الصحية العالمية ومقرها الإسكندرية فى ذلك الوقت، وعندما علم المحافظ الأسطورى حمدى عاشور بأن الرجل يحزم حقائبه لكى يتولى منصبه فى الخرطوم إلا أنه أجرى معه اتصالًا يطلب إلى الرئيس السودانى الجديد أن يؤجل سفره ساعات، وكانت هذه المكالمة بعد اتصال مع الوزير الأستاذ سامى شرف، مدير مكتب الرئيس جمال عبدالناصر للمعلومات ودقائق وصدرت تعليمات الرئيس بأن يعامل الدكتور التيجانى كرئيس دولة شقيقة وجاءت سيارات الرئاسة تخطره بأنك فى بيتك مصر ممثلًا لشعب السودان الشقيق، وكانت التقارير فورًا تجمعت أمام الرئيس عن الدكتور التيجانى وأسعده جدًا أنه كان من أبناء السودان الشقيق الذين حاربوا فى معركة ١٩٥٦مـ، وكان من بين فريق الأطباء المعالجين لأبطال القوات المسلحة برتبة مصرية وارتدى بدلة الشرف العسكرية وقتها، وتصادف أن الرئيس كان وقتها على موعد مع الشعب العربى فى لقاء فى بورسعيد بمناسبة ذكرى عيد النصر يوم ٢٣ ديسمبر، فوجه إليه الدعوة لحضور هذه المناسبة واستقل مع الرئيس العربية المكشوفة الرئاسية وسط زحف شعبي لأبطال بورسعيد، وشق موكب الزعيمين طريقه بصعوبة أمام هذا التيار الجارف تحية للرئيس عبدالناصر، وتعبيرًا عن مشاعر العرفان والتحية للشعب السودانى الشقيق، وقد عكست عن أصالة هذه العلاقة ذات الخصوصية التى صمدت أمام تحدى الزمان والمكان والاختبارات القاسية ولازالت حتى اليوم.
تفوقت العلاقات على ثوابت الطبيعة والظواهر الطبيعية وقانون الحركة والمعدلات الكيماوية، والبحث عن الحفريات التى صنفتها الحياة فهى علاقات أزلية بغير مزايدة أو صراخ أو ضجيج، فهى صنعت التاريخ بل وقبل اكتشاف التاريخ والجغرافيا، بل هى ملحمة إنسانية رائعة تلهب المشاعر، تؤكد مفاهيم الأخوة الصادقة والمعانى السامية النبيلة وتدفعها فهى صاغت مفاهيم الكفاح فبهذه المعانى (عاشت وحدة وادى النيل) ولا أعرف إذا كانت الأجيال تذكر بعضها إن إتفاقية الجلاء عام ١٩٥٤مـ وما قبلها، حيث كانت المفاوضات تصطدم عند صخرة، عند إصرار مصر على وجود علاقة سياسية خاصة (ما) مع السودان وبسببها تأخر إعلان استكمال استقلال مصر بعد تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٣مـ لنحو ثلث قرن على الرغم من أن مصر، السيادة على أرض مصر (وبالاسم) على السودان، وجاءت ثورة ٢٣ يوليو التى كان واجهتها السياسية هو اللواء محمد نجيب، وهو له جذور سودانية، وأقرت الثورة بحق السودان فى تقرير المصير وأصبح السودان دولة مستقلة ذات سيادة فى أول يناير ١٩٥٦مـ، ولاينسي المصرى ذلك الاستقبال الحافل للرئيس جمال عبدالناصر بعد هزيمة ١٩٦٧مـ التى كانت نقطة تحول وبعث الأمل للرئيس عبدالناصر شخصيًا، ولعل فترة تنفيذ إتفاقيات التكامل المتتابعة فى عهد رؤساء سابقين بغرض ترسيخ العلاقات الثنائية وتأكيد خصوصيتها، لكن بصراحة فإن نقطة الضعف التى وجهت للتكامل إنها كانت إتفاقًا حكوميًا (فوقيًا) فلم تثر الحماس المطلوب حتى بين البيروقراطيين الذين يتولون آلية تنفيذ الإتفاقيات العديدة، ولم يتحمس القطاع الخاص فى إنشاء شركات مشتركة، وتجربة مصر والسودان نموذج رائع وفريد فى عالم العلاقات بين الأشقاء لدرجة أنها جعلت ونستون تشرشل داهية السياسة الإنجليزية إلى تأليف كتاب وهو أوج شبابه حينما كان يعمل صحفيًا وهو كتاب (حرب النهر) أو تاريخ الثورة المهدية وهو كتاب صادر نشرته هيئة الكتاب المصرية منذ حوالى ١٦ عامًا، ولا أريد أن أخوض فى التفاصيل لكن كل واقعة أو كل علاقة تعكس عمق العلاقات الأخوية، علاقة النسب، علاقة الدم، العلاقات والتكامل الثقافى والاجتماعى ومنذ أيام احتفل السودان بعيد الاستقلال منذ عام ١٩٥٦مـ وقبيل الاحتفالات خرج علينا وزير الخارجية السودانى طبيب الأسنان إبراهيم الغندور، الحديث بالعمل السياسى بتصريحات يهاجم فيها رجال الدين الإسلامى بوزارة الأوقاف المصرية، وقام بتسييس زيارة قام بها وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة يوم ٢٩ ديسمبر الماضي، وتزامنت هذه الزيارة مع الاتفاق الذى وقعه الرئيس البشير مع أردوغان الذى يحلم بعودة الخلافة العثمانية ومنح تركيا حق الولاية على (سواكن) وهى حزمة من الاتفاقيات، فضلًا عن الاجتماع الثلاثى لرؤساء أركان الجيوش السودانية التركية القطرية، ولا أعرف لماذا لم يشارك رئيس الأركان الإيرانى، ربما تكون له ظروفه فى محاولة قمع الربيع الإيرانى المشتعل حاليًا، المهم أن الوزير الغندور وضع (قياسي) غير دقيق بين الزيارتين، وكأن وزير الأوقاف توجه إلى حلايب وشلاتين لكى يضع حجر الأساس (لقاعدة عسكرية) أو القيام بعمل يهدد أمن السودان، وكأن الدكتور مختار جمعة توجه على رأس حملة مصرية لاحتلال أراضى السودان، فقد حدث أن ألقى الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف خطبة الجمعة من مسجد التوبة بحلايب، وأعلن جابر طايع رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف أنه سيرسل ١٥ إمامًا وخطيبًا إلى مساجد حلايب، ومحافظ البحر الأحمر اللواء أحمد عبدالله يعلن عن رصد ٣ مليارات جنيه لتنمية أبو رماد (حلايب ـ شلاتين)، والعميد إيهاب رشاد، رئيس مجلس مدينة حلايب يعلن عن إقامة محطات تحلية مياه والهيئة الوطنية للإعلام برئاسة حسين زين يعلن عن بث مباشر لبرامج إذاعية وتليفزيونية من حلايب، وقناة النيل للأخبار تضع فى بورمو وتتراتها حلايب وشلاتين مصرية، ودرجات الحرارة اليومية حلايب ٢٤م وشلاتين ٢٦م، وحلمى النمنم وزير الثقافة أعلن عن إنشاء ٣ قصور ثقافة حلايب وشلاتين، هذه هى قوات الدكتور مختار جمعة لاحتلال أراضى السودان