الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

135 عامًا على ميلاد عميد القلم.. "جبران" لا يموت

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى بيئة مضطربة لا ظل لها من استقرار أو سكينة، بمدينة بشرى اللبنانية، ولد جبران خليل جبران، فى مثل هذا اليوم السادس من يناير ١٨٨٣، وكان أبوه يعمل فى جباية الرسوم ورعاية الغنم، ولكن الخمر والميسر أنساه رعاية أبنائه، فسُجن بتهمة الاختلاس، فآثرت والدة جبران الابتعاد عن كل لبنان، وهاجرت مع أخيها إلى نيويورك، تنشد الاستقرار والبيئة الصالحة لتنشئة أبنائها الأربعة جبران وأخيه وأختيه، وكان هذا هو الزواج الثالث لها.
وكانت روح جبران نزاعة إلى الوحدة والانطواء، وبقى كذلك فى مراهقته، ورسم بقلمه صورة أدبية بليغة عن حال طفولته فيقول: «أنتم أيها الناس تذكرون فجر الشبيبة فرحين باسترجاع رسومه متأسفين على انقضائه، أما أنا فأذكره مثلما يذكر الحر المُعتق جدران سجنه، وثقل قيوده، أنتم تدعون أن تلك السنين التى تأتى بين الطفولة والشباب عهدا ذهبيا يهزأ بمتاعب الدهر وهواجسه، أما أنا فلا أستطيع أن أدعو سنى الصبا سوى عهد آلام خفية خرساء كانت تقطن قلبى وتثور كالعواطف فى جوانبه وتتكاثر نامية بنموه».
إلى بوسطن كان المستقر، فاشتغلت الأم بالخياطة، وفتح أخيه دكانا يتكئون عليه فى مجابهة متطلبات الحياة الجديدة، وأما جبران فتفرغ للتعليم، فالتحق فى ١٨٩٥ بإحدى مدارس بوسطن وتعلم الإنجليزية ونمت موهبته الأدبية بمدرسة للفنون وتعلم الرسم، وساعده أحد أصدقائه فى إتقانه وعهد إليه تصميم أغلفة الكتب. عاد مجددا إلى منبت رأسه ليكمل تعليمه فى ١٨٩٨، ولكن وفاة أخته سلطانة فى ١٩٠٢ أجبرته على العودة إلى بوسطن، وفى العام التالى توفى أخوه بطرس مسلولا، ولحقت به والدته بنفس الداء فى ذات العام.
ونبتت فى نفسية جبران روح أنانية وحب للذات، حيث تابع حياته كأن شيئا لم يكن، وترك أخته مريانة، وعهد لأحد الأشخاص مسئولية إدارة دكان أخيه، ليتفرغ لأعماله الأدبية، فكان يتوق إلى الشهرة بأى ثمن. وكان أول إنتاج أدبى له كتاب «الموسيقى» فى ١٩٠٥، وأسس فيما بعد «الرابطة القلمية» بالاشتراك مع ميخائيل نعيمة، وعبدالمسيح حداد، ونسيب عريضة، وهدفت إلى إخراج الأدب العربى من المستنقع الذى وقع فيه. وكان لجبران موقفا حادا من الدولة العثمانية، ولم يغفل عن خلفيته المسيحية، فأراد توضيح الفارق بين مقته للعثمانيون ذو الخلفية الإسلامية، وربط ذلك بكون مسيحيًا فقال: «إى والله لقد صدقوا، فأنا أكره الدولة العثمانية لأنى أحب العثمانيين، أنا أكره الدولة العثمانية لأنى أحترق غيرة على الأمم الهاجعة فى ظل العلم العثمانى، أنا أكره الدولة العثمانية لأنى أحب الإسلام وعظمة الإسلام ولى رجاء برجوع مجد الإسلام. أنا لا أحب العلّة، ولكننى أحب الجسد المعتلّ، أنا أكره الشلل ولكننى أحب الأعضاء المصابة به. أنا أجلُّ القرآن ولكننى أزدرى من يتخذ القرآن وسيلة لإحباط مساعى المسلمين كما أننى أمتهن الذين يتخذون الإنجيل وسيلة للحكم برقاب المسيحيين». ومثلما حصد داء السل روح أخيه وأمه، التفت إلى جبران لتكون نهايته فى الدنيا بنفس المرض وصاحبه تليف الكبد، وتوفى فى العاشر من إبريل عن عمر ناهز الثامنة والأربعين بمدينة نيويورك، ودفن فى لبنان، وأوصى أن يكتب على قبره عبارة «أنا حى مثلك، وأنا واقف الآن إلى جانبك، فأغمض عينيك والتفت، ترانى أمامك».