الإصرار يخلق من لا شيء إبداعا وتطورا، أحيانا قد نواجه موقفا ولا نجد له حلول، ونعتقد حينها أن الخروج منه ضرب من المستحيل، لكن الحياة تفاجئنا بأشخاص حولوا المستحيل إلى ممكن، مستعينين بالعزيمة والإصرار.
«ابن مقلة» الذى سمى بهذا الاسم نسبة إلى والدته التى كان والدها يدعوها مقلة أبيها، هو أبو على محمد بن على بن الحسين بن مقلة الشيرازي، وكان يعمل خطاطا بسيطا جدًا ثم تحسنت ظروفه شيئا فشيئا، وأصبح أول من هندس حروف الخط العربى وجعل من الريشة وحدة قياس، ووضع للخطوط القواعد والقوانين، ما جعله يخط الكثير من المؤلفات، ضاع جزء كبير منها ووصل إلينا جزء آخر، كشفت عن العمق والإبداع الكبير الذى امتاز به ذلك الرجل العظيم، وصار خليفة لثلاثة خلفاء، ولكن كانت حياته مضطربة ووشى به أحد الناس إلى الراضى بالله، فقطع الخليفة يده اليمنى، ورغم حزنه الشديد فى بادئ الأمر، إلا أنه لم يتقاعس ولم يندب حظه السيء، ولكنه أخذ يدرب نفسه على الكتابة بيده اليسرى، وأصبح أفضل فى كتابته من يده اليمنى والجميع حين يقرأون خطه لا يلاحظون فرقا فى الكتابة، ونال الكثير من إعجابهم به ثم عاد إلى الوزارة مرة أخري، فبلغ الخليفة دعاءه عليه، فحبسه وقطع لسانه، فأصيب بمرض شديد ومات، لكنه ظل حيًا ببراعته وطموحه الذى صار نبراسًا يضيء بعلمه العظيم.
