رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الإرهاب العابر للحدود" يهدد العالم.. أنقرة تدعم التكفيريين لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدأ عام 2018، محملًا بعدد من القضايا والأزمات داخل منطقة الشرق الأوسط، التى ما إن تم حلها وتجاوزها، حتى زادت الأحوال قتامة وسوءًا، وأدت بشكل كبير إلى توحش وتوسع دوائر وجود ونفوذ التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، كتنظيمى «داعش» و«القاعدة»، وبدورنا أردنا الوقوف عبر هذا «الملف» على مستقبل التنظيمات المتطرفة والإرهابية فى العام الجديد، ولأن الأشهر الأخيرة لعام 2017، شهدت تغيرات ملحوظة أثرت بشكل مباشر فى الأوضاع الحالية سواء للتنظيم نفسه بحسب توجهاته السابقة وما ستئول إليه مستقبلًا أولًا، وبالنسبة للمناطق التى يتواجد فيها التنظيم وفروعه، على اعتبار أن وجوده فيها يعود لطبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية للدولة ذاتها ثانيًا. لذا كان لزامًا علينا، مراعاة هذين الأمرين عند كتابة هذا «الملف» ليقدم فى النهاية إلى القارئ بشكل أقرب للواقع والوضوح، خاصة أن طبيعته إزاء ملف يناقش ظاهرة «الإسلام السياسي» المعروف عنه امتلاءه بالكثير من الملابسات والتشابكات التى تحتاج إلى وقت كبير لفك طلاسمها وألغازها، ومن ثم استيعابها جزئيًا على الأقل، فمنها ما هو مرتبط بالعقيدة الدينية، وفى جوانب أخرى ترتبط بطبيعة الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية بالنسبة للعناصر الإرهابية نفسها، أو بالدولة التى تنشط فى جزء منها هذه العناصر. وكى نصل إلى أدق السيناريوهات المحتملة، والمتوقعة لهذه التنظيمات فى المستقبل القريب، جرى الاطلاع على العديد من التقارير الأمنية والمعلوماتية، وكذلك التقارير الصادرة عن «المنتدى الاستراتيجى العربي» الذى يرعاه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، كمنصة لاستشراف المستقبل، بالإضافة إلى الدراسات المستقبلية والاستشرافية الصادرة عن العديد من كبريات مراكز الدراسات والأبحاث العربية والأجنبية، ومنها العربى للدراسات، والأهرام للدراسات الاستراتيجية، وكارنيجى للسلام، وبيو للأبحاث، ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي.
عودة استراتيجية ما قبل 2013.. واستغلال الأزمات الاجتماعية فى الدول العربية
قبل الحديث عن مصير «داعش» المحتمل لعام ٢٠١٨، ينبغى البحث أولًا فى تلك العوامل التى ساهمت فى عودته للظهور عام ٢٠١٣، بداية من انسحاب الولايات المتحدة من العراق فى ديسمبر ٢٠١١، بجانب الضعف المتلازم لقوات الأمن العراقية، ومشاركة التنظيم المتواصلة فى أعمال إجرامية محلية وقدرته على استغلال السنة ضد الحكومة المركزية ذات الغالبية الشيعية، وعمليات الهروب الجماعية من السجون من قبل رفاق التنظيم فى العراق، واندلاع الحرب فى سوريا، الأمر الذى حث على تعبئة غير مسبوقة للمقاتلين الأجانب.
كما تجب الإشارة هنا إلى تلك القضايا التى تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر، فى مسألة استمرار الصراع (العربى- الإسرائيلي)، خاصة بعد ما نجح الكيان الإسرائيلى مع نهاية العام ٢٠١٧، فى الضغط على الرئيس الأمريكى للاعتراف بالقدس عاصمة له بما يخالف كل الأعراف الدولية والثقافية، فى ظل ضعف الموقف الفلسطينى عامة وتشرذمه بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، بجانب الموقف العربى ككل، وهو ما يدعو إلى التوقع بعدم حدوث أية انتفاضات ذات تأثير واضح وكبير قريبًا حيال هذا القرار. 
ومن المعلوم أن الشرق الأوسط والدول العربية تحديدًا كانت ولا تزال ساحة للصراعات العسكرية والحروب الأهلية الدينية والقومية والإثنية، فى العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال ومالي، مما أدى إلى بزوغ موجات من الإرهاب المتوحش المرتبط بالتطرف الديني، على أيادى تنظيم «داعش» الذى نجح سابقًا فى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى العراقية والسورية، قبل القضاء عليه عسكريًا فى الموصل والرقة، واستمرار تواجده فى ليبيا وشمال سيناء. 
كما يعد تحول دول مثل: الصومال وليبيا واليمن إلى دول هشة وفاشلة، من الأسباب التى قد تؤدى إلى توسع فجوة الخلافات بين الدول العربية بفعل الخلاف حول عدد من القضايا والملفات الحيوية، إضافة إلى زيادة الصعوبات، والمشاكل الاقتصادية، والاجتماعية، وفشل مشاريع التنمية الشاملة والتحديث وتعزيز المواطنة والمشاركة السياسية لدول مثل: الأردن ولبنان وتونس والجزائر والمغرب.
وبالتالى ليس من المستبعد ظهور فرص جديدة أمام التنظيم الداعشي، الذى كان يعمل فى فترات ما قبل ٢٠١٣، حينما كان اسمه «الدولة الإسلامية فى العراق» على إنشاء شبكات إجرامية تعمل بالاتجار بالبشر، والاختطاف، والابتزاز، وسرقة المصارف، والتكرير البدائى للنفط، والاتجار بالآثار، إلى أن جاءت له الفرصة فى الظهور عام ٢٠١٤ بشكل لم يحدث من قبل فى تاريخ التنظيمات التكفيرية والمتطرفة، ويبدو أن هذا هو المربع الذى يقع فى التنظيم فى الوقت الراهن؛ حيث يكتفى باستغلال المنظمات الإجرامية فى العراق والحرب السورية، مع اختلاف أقل فى مستوى الزخم والامتداد والسرعة، لكن الدوافع والتداعيات التى أدت إلى ظهور التنظيم فى البدايات الأولى لا تزال قائمةً.
وسيكون من الخطأ اعتبار «داعش» خارج المعادلة خلال عام ٢٠١٨، فيعتبر «داعش» حاليًا أقوى مما كان عليه عقب هزيمته الأولى عام ٢٠٠٩، وفى كل الأحوال يظل الصراع السورى والتوتر الطائفى العراقي، قائمين كعاملين رئيسيين دفعا التنظيم الأول «دولة العراق الإسلامية»، إلى إحياء التنظيم من جديد والتحول إلى تهديد عالمى حقيقي، ومن المؤكد أن دوريهما رئيسيًا فى رسم ما هو آت.
وربما تتفرع إلى تنظيمات صغيرة، معتمدين على تكتيك «داعش» فى التوحش والجرائم التى تستخدم أسلوب الصدمة والرعب، وتحدثت تقارير عن ظهور فصائل منشقة عن التنظيم المركزي، مثل: (الرايات البيض، خراسان، السفياني، المتطوعون)، وهى الخلايا التى كثفت حضورها الإعلامى بإصدار بيانات وتسجيلات على الإنترنت بما يشير إلى تمهيد «داعش» نحو حل محلها على نطاق أقل اتساعًا.
يبقى تنظيم «داعش» هو الأساسى فى مستقبل منطقة الشرق الأوسط والإرهاب العالمي، فرغم تفكيك ما يسمى بـ «الخلافة المزعومة» فى سوريا والعراق، فإن هذا لا يعنى نهاية إرهاب تنظيم «داعش» بقيادة أبو بكر البغدادي، فمن المرجح أن يشهد الشرق الأوسط والعالم خلال ٢٠١٨، تغييرات جديدة فيما يتعلق باستراتيجيات التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المسلحة، بل وخريطة الإرهاب كليًا، ومن المحتمل وقوع هجمات استراتيجية فى ظل تنامى ظاهرة «العائدين» و«الترانزيت الجهادى»، ومحاولاتهم المستميتة فى زعزعة الاستقرار والأمن فى كل المناطق التى تصل إليها أياديها. والحديث هنا يخص التنظيم الأكثر شراسة فى التاريخ المعاصر، ألا وهو «داعش» الذى أعلنت أغلب القوى الرئيسية فى العراق وسوريا، انتصارها عليه، وإلا أنه فى المقابل يوجد ما يؤكد أن هذا التنظيم لم- ولن- يختفى بسهولة، وإن جرى استعادة الأراضى التى سيطر عليها يومًا ما، وبحسب ما توارد من أخبار وتقارير على مدار الأسابيع الماضية، عن معارك وتحركات قام بها «داعش» فى مناطق متعددة، وما تحدث منها عن أحراز عناصر «داعش» لعمليات مؤثرة أو تقدمًا فى بعض المعارك، يشير إلى أن الحرب على التنظيم لم تحقق انتصارًا حاسمًا حتى الآن، وأن العام الجديد سيشهد معارك جديدة ولو بصورة مختلفة.
وطبقًا للمعطيات الميدانية، فيما يخص شكوك البعض فى مسألة الانتصار الحقيقى على التنظيم، أشارت تفاصيل عدد من المعارك إلى انتشار الآلاف من عناصر التنظيم فى وحدات إرهابية، وثمة آلاف أخرى قد تنخرط ضمن خلايا نائمة للتنظيم، تعمل على إعادة ترتيب الصفوف لاستئناف المعارك فى سوريا والعراق وغيرها من المناطق التى تضم مجموعات تابعة للبغدادي.
وبعض من الشواهد فى الحرب على «داعش»، تقول إن ما وقع لم يكن هدفه حسم الصراع مع «داعش» أو تصفيته، بقدر ما كان هدفه تحجيم التنظيم فقط، ومسألة إخلاء الموصل والرقة من «الدواعش»، لن تكون هزيمة نهائية للتنظيم، وإنما ستمثل عودة إلى مستوى آخر، وشكل مختلف من التمرد، بما يشير ضمنًا إلى فرضية استغلال التنظيم للصراعات والأزمات المتوقعة مستقبلًا فى العراق وسوريا، كما حدث خلال الفترة ما بين ٢٠٠٩ و٢٠١٢، أى الفترة الممتدة بين هزيمته كتنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق» وإعادة بروزه فى إبريل ٢٠١٣.
مؤشرات على التفرع إلى تنظيمات صغيرة تستخدم أسلوب الصدمة والرعب
ليس من المُعتقد أن يشهد الملف السورى اختراقًا واسعًا من «داعش» كما حدث من قبل نتيجة الصراع السياسى داخل الأراضى السورية بين الجيش النظامى وكتائب المعارضة المعروفة بالجيش الحر، فبات الأمر مختلفًا فى الوقت الراهن، نظرًا لوجود «تفاهمات سياسية»؛ حيث روسيا التى تحدد قواعد اللعبة فى الملف السوري، بجانب قوى فاعلة إقليميًا وعالميًا، لديهم إجماع ضمنى على بقاء بشار الأسد فى السلطة للمرحلة المقبلة، وهذا يأتى فى ظل تمدد الأذرع الإيرانية بالداخل السورى.
بالمقابل، كشفت استطلاعات رأى وتقديرات، أن عددًا قليلًا يحدوه التفاؤل بأن الحرب السورية ستنتهى خلال العام الجديد، رغم اعتقاد الكثيرين أنها لن تستمر إلى ما بعد السنوات الخمس المقبلة، وفى كلتا الحالتين، بات خروج أغلب قيادات داعش من الأراضى السورية أمرًا واقعيًا، فربما مضوا إلى مكان آخر على الحدود السورية أو العراقية، أو تم نقلهم إلى تركيا أو ليبيا أو شبه جزيرة سيناء بتدخل تركى وقطري، مما اضطر إلى إعادة اختراق مناطق فى العراق من بينها محافظة ديالى التى يتردد أن عدة آلاف من الدواعش يختبئون بها.
ومن تبقى قد يشكل خلايا نائمة داخل سوريا، وبالإمكان هنا الاستمرار فى العمل بموارد مالية ضعيفة، تشبهًا بنهج سلكته القاعدة منذ ١٨ عاما، ففى سوريا سيستفيد تنظيم «داعش» من الاضطرابات المتوقع استمرارها، حيث إن نظام الأسد لن يتمكن- إلى حد كبير- من السيطرة على المعاقل السنية شرق سوريا فى أى وقت قريب، مما سيجعل من التنظيم أحد الجماعات القليلة القادرة والراغبة فى تقديم من الخدمات لأهالى هذه المناطق، رغم نجاح جهود استعادة الرقة وما حولها بالكامل. وبالقطع، سيحمل ٢٠١٨، تحديات جديدة للتحالف المضاد لداعش فى سوريا، أهمها تحدى إدارة الأراضى التى خضعت لسيطرة التنظيم فى الفترات السابقة، بما يجعل دراسة العوامل الثلاثة التى ستؤثر بشكل كبير فى مسارات داعش المستقبلية أمرًا ضروريًا، وتتلخص هذه العوامل فى وضع أهل السنة فى سوريا، وخيارات الحكومة السورية، وخيارات الفواعل الخارجية المنخرطة فى الحرب ضد داعش أو تدعمه بشكل مباشر أو غير مباشر، وهى نفسها العوامل التى تنطبق على العراق.
تركيا.. مواجهة الأكراد بتمويل «الدواعش»
أنقرة تدعم التكفيريين لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية
أما بالنسبة للأكراد فى سوريا، فمسألة مواجهتها كانت أحد الدوافع وراء تسامح وتعاون تركيا ودعمها للتنظيمات السلفية الجهادية النشطة فى سوريا وعلى رأسها «داعش»، وربما وجدت فى هذه التنظيمات حليفًا طبيعيًا ضد خصومها من الأكراد، ثم بعد أن تحول تنظيم داعش إلى خطر وتهديد لها، شاركت تركيا بالفعل فى التحالف الدولى ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة، ولكنها لم تتخل عن نظرتها تجاه قوات سوريا الديمقراطية الكردية- الشريك الأمريكى على الأرض- والتى تعتبرها تركيا تهديدًا أكبر من تهديد «داعش»، وترى أنقرة أن إضعاف تنظيم داعش بدرجة كبيرة سيخلى الساحة أمام قوات سوريا الديمقراطية، بما يمنحها فرصة التمدد بشكل أكبر واستعراض نفوذها فى مواجهة تركيا.
من الخطأ اعتبار «داعش» خارج المعادلة خلال عام ٢٠١٨ فيعتبر «داعش» حاليًا أقوى مما كان عليه عقب هزيمته الأولى عام ٢٠٠٩