الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

أزمات القمح تُهدد "رغيف العيش".. 11.2 مليون طن تذهب لرغيف الخبز المدعم من الدقيق.. 517 عدد الشون والصوامع المتاحة لتخزين القمح.. 7 آلاف جنيه تكلفة الفدان.. والربح 6 آلاف جنيه

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أزمات عدة يتعرض لها محصول القمح فى الفترة الأخيرة بما يُهدد «رغيف الخبز»، على رأسها انخفاض المساحة المُنزرعة من القمح إلى 3.25 مليون فدان مُقارنة بـ3.5 مليون فدان فى الموسم الماضى، بحسب التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الزراعة خلال الأيام القليلة الماضية، فى حين يؤكد خبراء الزراعة أن المساحة الفعلية المُنزرعة من القمح للموسم الحالى لا تتعدى 2.5 مليون فدان على أكثر تقدير، وأن تقارير الزراعة؛ حبر على ورق، وهو ما يُعد «كارثة» تسببت فيها وزارتا التموين والزراعة لعدم إعلانهما سعر استلام القمح من المزارعين، ما نتج عنه عزوف الفلاح عن زراعة القمح. وشهدت تكاليف زراعة القمح ارتفاعا تجاوز الضعف، بسبب غلاء مُستلزمات المحصول من سماد وعمالة وزيادة أسعار السولار والغاز. 
يبدأ موسم زراعة القمح مُنتصف نوفمبر وحتى ديسمبر من كل عام، لتأتى مرحلة جمع المحصول مُنتصف إبريل، حسبما أكد مُنتصر البحارى، مزارع ٤٧ عاما، مُضيفًا أن الأزمة الأكبر التى تواجهه حاليًا هى؛ عجز وعدم توافر السماد فى الجمعيات الزراعية فى قريته القاطنة شرق مركز دشنا بقنا.
ويوضح البحارى: «الجمعيات الزراعية لا توفر السماد، وحينما توفره؛ يكون نصيب الفدان فقط ٣ عبوات سماد بسعر ١٦٥ جنيها للمحصول الشتوى والقمح، فى حين أن الفدان الواحد يستهلك بين ٨ و١٢ عبوة فى حالة الأرض الضعيفة، ويلجأ فيها المزارع إلى السوق السوداء لشراء ما يلزمه لزراعة القمح بسعر يتخطى ٢٣٠ جنيها، مما يُشكل عبئًا إضافيًا على المزارع».
وعن التكاليف الأخرى، التى يتحملها الفلاح خلال زراعته للقمح، أوضح «مُنتصر» أن فدان محصول القمح الواحد يتطلب ٧ نوبات رى حتى حصاده، بتكلفة ١٢٠ جنيها للنوبة الواحدة، بسبب ارتفاع أسعار السولار والغاز فى الفترة الأخيرة، وأيضًا ٥ عبوات من سماد السوبر فوسفات قبل زراعة القمح بسعر ٨٥ جنيها للعبوة، وأُجرة ١٥ عاملا فى فترة جمع المحصول لحصده وجمعه وتربيطه بتكلفة ٧٠ جنيهًا للفرد الواحد.
ويُتابع مُنتصر: «إجمالى التكاليف تتخطى ٧ آلاف جنيه، والعائد منه يصل إلى ١٥ أو ١٧ ألف جنيه، بربح يصل إلى ٦ آلاف جنيه للفدان الواحد، يكون فيها القمح شَغل الأرض مُدة تزيد على ٥ أشهُر».
على جانب آخر، قرر إسماعيل جمعة، صاحب الخمسين ربيعًا، مزارع، عدم زراعة القمح العام الحالى واستبداله بزراعة محاصيل الطماطم والفول، ويوضح: «الطماطم والفول والبسلة والبصل وغيرها من الخضراوات، مكاسبهم أفضل كثيرًا من القمح؛ حيث إن فدان الطماطم قد يجنى أرباحًا تصل إلى ١٠ و١٥ ألف جنيه فى العام، غير أنه يتطلب مجهودا أكثر من القمح». وأشار «جمعة» إلى أن عدم إعلان الحكومة عن سعر توريد القمح سببًا رئيسيًا لاستبدله بالطماطم، خوفًا من انخفاض أسعار التوريد عن العام الماضى، خاصة بعد زيادة التكاليف.
ويواصل: «سعر أردب القمح وصل العام الماضى إلى ٨٥٠، بينما أسعاره هذا العام مشكوك فيها، فقد يصل إلى ٦٠٠ جنيه فقط، والدليل على ذلك أن سعر الـ ١٠ كيلو من الذرة الرفيعة، وصل إلي ٥٠ جنيها حاليًا، فى حين أن سعر الـ ١٠ كيلو من القمح بـ ٤٠ جنيها فقط، وهو أمر غير مُبشر بالمرة».
ويَرى الدكتور سعيد خليل، رئيس قسم التحول الوراثى بمركز البحوث الزراعية، أن التقارير التى تخرج من وزارة الزراعة والإدارة المركزية للمديريات بالوزارة عن المساحات المنزرعة بأنها ٣.٢ و٣.٥ مليون فدان، ما هى إلا مُجرد حبر على ورق، وليس لها وجود فعلى على أرض الواقع. ويوضح خليل؛ «تقارير الوزارة فى العام الماضى مثلا أفادت أن المساحة المنزرعة من القمح ٣.٥ فدان، فى حين أنها فى الحقيقة لم تتعد ٢.٧ مليون فدان، وعدم دقة الأرقام لا تُساعد القيادة السياسية فى اتخاذ قرارات سليمة خاصة فى حالة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح، والتى يتم استهلاك ما يزيد على ١٦.٨ مليون طن سنويًا، منها ١١.٢ مليون طن تذهب لرغيف الخبز المدعم من الدقيق».
لافتًا إلى أنه من أهم مُشكلات القيادة الزراعية فى مصر؛ عدم إعلان السعر التعاقدى قبل شهرين من الزراعة، لإرشاد الفلاح وتشجيعه على زراعة القمح ما يطمئنه على تسويق محصوله، وبالتالى زراعة أكبر مساحة من القمح.
عن أزمة توريد وتخزين الأقماح فى الصوامع المُتكررة خلال الأعوام القليلة الماضية، أشار «خليل» إلى أن ما يتم توريده للشوّن من أقماح لا يتعدى ٣.٦ مليون طن قمح للحكومة، فى حين أن مصر تُنتج حوالى ٨.٢ مليون طن، التُجار يأخذون تلك الأقماح لإنتاج المكرونة والدقيق ٧٢ (الفينو) وكل فلاح يختزن بعض الأقماح لنفسه. ويُتابع: «عدد الصوامع والشوّن والهناجر الموجودة فى مصر حوالى ٥١٧، والكمية الاستيعابية لها حوالى ٣.٨ مليون طن فقط، لذلك يجب اللجوء إلى عمل صوامع على أحدث مواصفات تكنولوجيا التخزين للمحافظة على الفاقد الموجود فى حبوب القمح؛ لأن طريقة التخزين فى الشوّن والصوامع والهناجر التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعى يصل كمية الفاقد فيها من ١٢ إلى ١٥٪، مما يستوجب إنشاء صوامع جديدة تستوعب كمية أكبر من الأقماح، خاصة أن مصر تستهلك كميات كبيرة منه بسبب الزيادة السكانية التى تصل إلى ٢.٥ مليون نسمة سنويًا».
ويواصل: «الكمية الموردة للتخزين فى العام الماضى كانت لا تتعدى ٣.٢ مليون طن، وهى كمية قليلة بالنظر لما تم توريده فى العام السابق لها، لذلك لا بد من وضع الدراسات الصحيحة والموضوعية حتى يتم التيسير على الفلاحين خلال فترة التوريد؛ لأن فترة التوريد تشهد نشاطًا لتُجار السوق السوداء التى تجمع الأقماح لتهريبها».
يُرجح «خليل» أن الأزمات التى يتعرض لها الأمن الغذائى المصرى، وعلى رأسها تراجع كمية المساحات المزروعة من القمح ناتج عن اختيار الإنسان غير المناسب فى المكان المناسب مما يُهدد هذا المكان، وهو الأسلوب الذى تُدار به الزراعة المصرية مُنذ حوالى ٤٠ عاما وحتى الآن، فلا بد من اختيار قيادات ذات مسئولية لتكون مسئولة عن تنفيذ المُخطط الاستراتيجى الذى يوجه به السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى.
وينوّه «خليل» إلى أنه من الضرورى الاهتمام بالتقاوى وإنتاج أصناف ذات إنتاجية عالية تتعدى ٢٢ أردبًا للفدان، وعمل برامج تدريبية حقيقية وليست وهمية كما كان فى فترة بداية الثمانينيات فى مركز البحوث، خاصة فى الحملة القومية للقمح وبرنامج إنتاج أصناف قمح جديدة.