الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"شتِّي يا دِنِي".. شعراء التمسوا الدِّفء في قصائدهم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مر ديسمبر 2017 مرور الكرام دون أن يحرض شتاءه على القسوة ورياحه على العواء رغم أن هذا غير معتاد في مصر؛ لكن يبدو أن هذا الشهر سلم يناير 2018 الراية ليفاجئ الناس اليوم بصباح مليء بالرياح الباردة وعواصف ترابية وسماء ملبدة بالغيوم تنذر بهطول أمطار غزيرة؛ هذا المشهد جعل الناس تستحضر كافة الصور الذهنية التي تجمعهم بالشتاء من طلب الدفء وجلسات المنزل وسط المواقد المشتعلة والأكل والمشروبات الساخنة والجواكت الجلدية وأغنية "شتي يا ديني" لفيروز؛ هذا في ما يخص الأشياء والأفعال المادية، لكن الشعراء والروائيين وكافة الكتاب أضافوا بعدًا آخر لهذا الفصل.. بعدًا يشعر به الجميع ولن يستطيعوا التعبير عنه، نجحوا في فرض أنفسهم كنواب عن الناس في التعبير عما يحدثه الشتاء في النفس، ربما يكون حنين أو كآبة أو عزلة أو تمرد أو غيرها فلكل أديب سينماه الخاصة؛ وتستعرض "البوابة نيوز" أبرز أسماء الأدباء الذين اشتبكوا مع هذا الفصل بكل تفاصيله الدقيقية؛ فجعلوه أسطورة.




محمود درويش
 يأتي الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، كأحد أبرز الأسماء التي ترك الشتاء بصمة في قصائدهم، تعامل مع ما يحدثه هذا الفصل في النفوس بشكل مغاير ومختلف بعض الشئ ففي قصيدة له بعنوان "الحنين" صدرت ضمن ديوانه "في حضرة الغياب" عام 2006 يقول في إحدى مقاطعها: "وللحنين فصل مدلل هو الشتاء/ يولد من قطرات الماء الأولى على عشب يابس فيصعد زفرات استغاثة أنثوية عطشى إلى البلل/ وعدٌ بزفاف كوني هو المطر/ وعد بانفتاح المغلق على الجوهر/ وحلول المطلق في ماهيّاتٍ/ هو المطر/ كم من سنديانة هناك تشرئب إلى اثنين: أنتَ وهي/ تركضان تحت المطر/ بلا مظلة وبلا قبعة/ سعيدين بفضيحة شريفة/ سعيدين بنصف عُري/ تركضان ولا تعرفان إلى أين/ متحرّرين من الطريق ومن الهدف / تلهثان معا من تعب لذيذ السبب/ وتندسَّان في جوف سنديانة ضيق لا يتسع إلا لواحد/ فتلتصق بك وتلتصق بها حتى تصيرا اثنين في واحد/ وتعتصرك وتعتصرها فيسخن الماء عليكما وفيكما وتلهثان من الدفء/ ولا تحتاج الشهوة إلى ذريعة المطر الذي أدخلكما إلى مخدع السنديانة وانصرف/ الحنين هو اختلاط النار بالماء".
الشتاء كان مفجر الحنين في هذا النص؛ والحنين فرض نفسه على مخيلة درويش فشبه المطر بزفاف كوني يمهد لقصة عاشقين منحهم المطر المزيد من الحرية في بيئة تحفها أشجار السنديان.
وتتوالى قصائده المفعمة برائحة الشتاء ففي قصيدة بعنوان "شتاء ريتا الطويل"؛ يقول: "أجْهَشَتْ ريتا: طويلُ هذا الشَّتاءُ/ وكَسَّرتْ خَزَف النَّهار على حَديد النَّافِذَة/ وَضَعتْ مُسدَّسَها الصَّغير على مُسَوَّدَة القَصيدَةْ/ وَرَمَتْ جَواربها على الكُرْسيِّ فَانْكسَرَ الْهديلُ/ ومَضَت إلى المَجْهول حَافيةً، وأدْرَكَني الرَّحيل" وللشتاء هنا دلالة أخرى في نفس درويش حيث جاء مشكلا إعاقة ما بين لقاء الأحبة وبعضها البعض، ريتا وحبيبها وشتائهم الطويل المليء بالوحدة والرحيل.



نزار قباني 
يتفرد الشاعر السوري نزار قباني في التفاعل مع مشاهد المطر ومزجها بالشعور الإنساني وبالقضايا في مشهدية مختلفة جعلت نزار خالدا في دنيا الشعر العربي؛ في قصيدة له بعنوان "بيروت والحب والمطر" يقول نزار: "انتقي أنت المكان/ أي مقهى، داخل كالسيف في البحر/ انتقي أي مكان/ إنني مستسلم للبجع البحري في عينيك/ يأتي من نهايات الزمان /عندما تمطر في بيروت/ أحتاج إلى بعض الحنان/ فادخلي في معطفي المبتل بالماء/ ادخلي في كنزة الصوف/ وفي جلدي/ وفي صوتي/ كلي من عشب صدري كحصان" أحدث المطر عنده حالة من الحنين استثار من خلالها مشاهد للمعطف المبتل الذي من الممكن أن يغطي به حبيبته؛ وذكر بعض النقاد أن سبب شعبية نزار قباني هي مشهديته الواقعية الساحرية التي يبدو فيها كفنان تشكيلي جيد أو مخرجا سينمائي ينقل مشاهد حية تطرح جماليات الواقع.
وتتوالى قصائد نزار ففي نص بعنوان "حقائب الدموع والبكاء" يقول "إذا أتى الشتاء وحركت رياحه ستائري/ أحس يا حبيبتي بحاجة إلى البكاء على ذراعيك/ على دفاتري/ إذا أتى الشتاء/ وحركت رياحه ستائري/ أحس يا صديقتي/ بحاجة إلى البكاء/ على ذراعيك/ على دفاتري/ إذا أتى الشتاء/ وانقطعت عندلة العنادل/ وأصبحت/ كل العصافير بلا منازل/ يبتدئ النزيف في قلبي.. وفي أناملي/ كأنما الأمطار في السماء/ تهطل يا صديقتي في داخلي".
الشتاء عند نزار قباني يجعله طفلا دائم الاحتياج؛ ويفترض الكثيرون إن الشتاء يدفع البعض دائما للاحتياج لآخر حيث أنه يكثف إحساسك بكونك جزء من منفصل عن كله.
ومن شعر نزار نستعرض قصيدته حبيبة وشتاء إذ يقول:"وكان الوعد أن تأتي شتاءً / لقد رحل الشتا.. ومضى الربيع / تطرزها، ولا ثوبٌ بديع/ ولا شالٌ يشيل على ذرانا / وهاجر كل عصفورٍ صديقٍ/ ومات الطيب، وارتمت الجذوع / ولم يسعد بك الكوخ الوديع /ففي بابي يرى أيلول يبكي /ويسعل صدر موقدتي لهيبًا /فيسخن في شراييني النجيع /وتذهل لوحةٌ.. ويجوع جوع.


محمد الماغوط
للشاعر السوري محمد الماغزط قصيدة بعنوان "الشتاء الضائع" ضمن ديوانه حزن في ضوء القمر يقول فيها: "بيتنا الذي كان يقطنُ على صفحةِ النهر/ ومن سقفه الأصيل والزنبقُ الأحمر/ هجرتُه يا ليلى/ وتركتُ طفولتي القصيرة/ تذبلُ في الطرقات الخاوية/ كسحابةٍ من الوردِ والغبار/ غدًا يتساقط الشتاء في قلبي وتقفز المتنزهاتُ من الأسمالِ والضفائر الذهبية/ وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي/ وأنا أرقبُ البهجة الحبيبة/ تغادرُ أشعاري إلى الأبد والضبابُ/ المتعفّنُ على شاطئ البحر/ يتمدَّدُ في عيني كسيلٍ من الأظافرِ الرمادية"؛ ويتمتع الماغوط بفرد مساحات واسعة في قصائده لوصف الطبيعة وتوظيفها بشكل يخدم موضوعه؛ وهنا استخدم المفردات المتعلقة بما يحدثه الشتاء ونجح في توظيفها للتعبير عن صدق شعوره.




جبران خليل جبران

قال الشاعر اللبناني جبران خليل جبران في كتابه البدائع والطرائف: "إذا قال الشتاء: إنَ الربيع في قلبي فمن ذا يصدق الشتاء؟" فلا تجد نصا لجبران لا يخلو من الشتاء فعن قرى لبنان كتب روايته "خليل الكافر" جميعها في فصل الشتاء ومشاهد أعياد الميلاد؛ يقول في مطلع هذه النوفيلا: "قدم الشتاء بثلوجه وعواصفه؛ وخلت الحقول والاودية الا من الغربان الناعبة والاشجار العارية، فلزم سكان تلك القرية اكواخهم بعد ان أشبعوا اهراء الشيخ عباس من الغلة وملأوا آنية من عصير الكروم واصبحوا لا عمل لهم، يفنون الحياة بجانب المواقد متذكيرن مآتي الاجيال الغابرة مرددين على مسامع بعضهم حكايات الايام والليالي؛ انقضى كانون الأول وقضى العام العجوز متنهدا أنفاسه الأخيرة في الفضاء الرمادي؛ وجاءت الليلة التي يتوج فيها الدهر رأس عام الطفل ويجلسه على عرش الوجود؛ توارى النور الضئيل وغمرت الظلمة البطاح والأودية وابتدأت الثلوج تنهمر بغزارة؛ والعواصف تصفر وتتسارع ملعلعة من أعالي الجبال نحو المنخفضات حملة الثلوج لتخزنها في الوهاد فترتعش لهولها الأشجار وتتململ أمامها الارض فمزجت الارياح بين ما تساقط من الثلج في ذلك النهار والساقط منه في تلك الليلة حتى أصبحت الحقول والطلول والممرات كصفحة واحدة بيضاء يكتب عليها الموت سطور مبهمة ثم يمحوها وفصل الضباب بين القرى المنثورة على كتفي الوادي وتوارت الانوار الضئيلة التي كانت تشعشع في نوافذ البيوت والاكواخ الحقيرة وقبض الرعب على نفوس الفلاحين وانزوت البهائم بقرب المعالم واختبات الكلاب في القراني ولم يبقى سوى الريح تخطب وتضج على مسامع الكهوف والمغاور فيتصاعد صوتها الرهيب من اعماق الوادي تارة وطورا ينقض من أعالي قمم الجبال فكأن الطبيعة قد غضبت لموت العام العجوز فقامت تاخذ بثاره من الحياة في الاكواخ وتحاربها بالبرد القارس".
كان في كتابات جبران اتجاهان من بينهما اتجاه يتتبع خلاله الميول ويحب الاستمتاع بالحياة النقية، ويفصح عنه في قصيدته "المواكب" التي غنتها المطربة اللبنانية فيروز باسم "أعطني الناي وغنّي"؛ إذ يقول في إحدى دفقاتها الشعورية: "ليس في الغابات راعٍ/ لا ولا فيها القطيعْ/
فالشتا يمشي ولكن/ لا يُجاريهِ الربيعْ/ خُلقَ الناس عبيدًا للذي يأْبى الخضوعْ/ فإذا ما هبَّ يومًا سائرًا سار الجميعْ/ أعطني النايَ وغنِّ فالغنا يرعى العقولْ/ وأنينُ الناي أبقى من مجيدٍ. 



جون شتاينبك
اشتهر الأديب الأمريكي جون شتاينبك بتغليف أحداث رواياته ببيئة تسيطر عليها جو شتوي غاليا حتى أنه لدي رواية تحمل عنوان "شتاء الأحزان" لاتدور أحداثها عن الشتاء لكنها تدور في الشتاء وهي قصة فياضة بالقوة حافلة بالحياة والمرح والحب، تصور في واقعية أخاذة مقترنه بالتحليل الدقيق، أنماط حياة شخصياتها الفريدة وصراعاتها في تلك البلدة الصغيرة باقليم نبوانجلند الأمريكى.

صلاح جاهين
تعتبر رباعيات شاعر العامية المصري صلاح جاهين أحد أكثر أصناف شعر العامية المصري شهرة عند الناس لقربها منهم واشتباكها مع أدق تفاصيل حياتهم، ومن ضمن التفاصيل الحياتية التي اشتبك بها جاهين تلك التي تخص الشتاء ومنها "دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت/ وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت/ وحاجات كتير بتموت فى ليل الشتا/ لكن حاجات أكتر بترفض تموت"؛ وله أيضًا "الدنيا من غير الربيع ميّتة/ ورقة شجر ضعفانه ومفتفته/ لأ يا جدع غلطان تأمّل وشوف/ زهر الشتا طالع في عز الشتا/ عجبي.

سعدي يوسف
رغم الجدل الذي اعتاد الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف إثارته بقصائده السياسية إلا أن أحدا لا يستطيع تصنيفه كشاعر سياسي؛ فمنذ بداية مسيرته الادبية أواخر الستينيات من القرن الماضي يظهر يوسف أمام قراءه بشكل متجدد دائما من شاعر مهموم بالسياسة إلى آخر تشغله الفلسفة والحياة ومن اهتمام بالموسيقى في الشعر فيكتب قصائد تفعيلة إلى أن أصبح من أشرس الشعراء دفاعا عن قصيدة النثر؛ فهذا هو سعدي يوسف؛ الذي كتب مؤخرا نصا بعنوان "طبيعة في أواخر السنة" تتجلى فيه طبيعة الشتاء وتمتزج بمعاني فلسفية متعددة؛ يقول فيه: "كادت الريحُ تعصفُ بالسقفِ/ ما كان سقفي حديدًا/ وكانت غصونُ صنوبرتي تتقصّفُ/ لم أسمعْ نَقرًا من نقّارِ الخشبِ/ السنجابُ اختبأَ/ الطيرُ/ وغابَ الثعلبُ/ لم ينهمر المطرُ/ الغابة ُلا تتنفّسُ/ والبحرُ بعيدٌ/ والصحراءُ الممتدّةُ بين السّلْمانِ ونجْدٍ كانت تَبْلغُني/ بلسانٍ من أسَلٍ/ وأغانٍ من أثَلٍ/ وغضًا/ والبحرُ بعيدٌ/ هذي الليلةَ سوف أظلُّ/ وحيدًا/ لِصْقَ النافذةِ المقرورةِ/ قد ينهمرُ المطرُ/ قد لا ينهمرُ المطرُ/ لكنّ الصحراءَ الممتدّةَ بين السّلْمانِ ونجْدٍ/ كانت تَبْلغُني/ كانت تسمعُني".




إبراهيم عبد الفتاح
إبراهيم عبد الفتاح أحد ابرز شعراء جيل الثمانينات في مصر اهتم بكتابة قصائده بالعامية المصرية وتنوعت إصدارته ما بين المسرح والشعر؛ ومن دواوينه "شباك قديم" و"صورة جماعية للوحدة" و"لا شيء يحمل اسمه القديم غير وجهك الجديد"؛ قدم "عبد الفتاح" أغنيات عديدة تغنى بها أشهر المطربين وأبرزهم علي الحجار؛ لكنك لا تستطيع اعتبار أغنياته مجرد كلمات أغاني بل التوصيف الأقرب لها قصائد مغناة؛ سيطرت على جمله الشعرية نزاعات فلسفية لا تخلو من رومانسية الصور البيانية؛ من أشهر قصائده المغناه قصيدة بعنوان "لما الشتا يدق البيبان" التي غناها الفنان الكبير علي الحجار يتحدث خلالها عن الشتاء والمطر والليالي والقمر النعسان، وعن الطفولة والحنين والقلوب المشوقة، وهو في كلها شفاف يعتمد العنونة لازمة في تركيبها الشعري؛ ومن أجوائها نقرأ: "لما الشتا يدق البيبان/
لما تناديني الذكريات/ لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات/ ألقاني جايلك فوق شفايفي بسمتي/
كل الدروب التايهة تنده خطوتي/ كل الليالي اللي في قمرها قلبي بات/ مش جاي ألومك عاللي فات/
ولاجاي أصحي الذكريات/ لكني بأحتجلك ساعات/ لما الشتا يدق البيبان/ كنا طفولة حب لسة فأوله/
بنضم بإيدنا الحنين وبنوصله/ خريف ندانا والشجر دبلان/ بردانة كنتي وكنت أنا بردان/ ضمت قلوبنا بشوق ولهفة نبضها/ لما التقينا الخطوة عرفت أرضها/ أجمل معاني الحب غنتها النايات/ مش جاي ألومك عاللي فات/ ولا جاي أصحي الذكريات/ لكني بأحتجلك ساعات/ لما الشتا يدق البيبان".

عمرو حسن
شاعر العامية المصري الشاب عمرو حسن تفرد في قصائده بوصف مشاهد حياتية دقيقة ففي قصيدة له بعنوان "قهوة" يقول" صدرك شوارع ذكريات تايهين /والحزن شاعر له هدوءه وحكمته/ سألوا الكمان ياهل ترى بتحب مين ؟/ ضاق - المكان - مافضلش غيرها ف رنِّته/ اتنين ف حرب وخرجوا الاتنين مقتولين / وحضنها هربت منه،، رجعت حضنته !/ مين اللي سلِّم للشتا المفتاح / طعم الحاجات الدافية ف الليل والمطر / زُهدك ف كل الهربانين من جنّتك/ البنت كانت حبِّتك ياعبيط / حبِّتها ليه ساعة ماكانت كرهتك !؟/ وازاي بتعمل من سجايرك بالونات / بتسيبها تطلع للسما دخان / البنت مشيّت وانت مُتّ عشان / دخّنت نفسك ف الصحاب سرطان / وعطشت من شُرب السما ف البحر / والبحر من كتر الغرق عطشان / فبلاش تفكّر كل ماء يرويك / وبلاش تفكّر كل حضن شاريك / فكّرت يوميًا ف كل الناس / ونسيت تفكّر ف اللي فكّر فيك.