الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

الإمبراطورية العثمانية.. وَهْم يطارد أردوغان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شيد القصر الأبيض بتكلفة 600 مليون دولار.. وأعاد تدريس اللغة العثمانية فى المدارس
واستصدر قرارًا برلمانيًا لإرسال قوات تركية فى الدوحة بعد المقاطعة العربية
وقّع 22 اتفاقية مع السودان و10 مليارات دولار مقابل الحصول على جزيرة «سواكن»
افتتح فى الصومال ثانى قاعدة تركية خارج أراضيها لتدريب 1500 جندى صومالى
منح أديس أبابا صواريخ عابرة لحماية السدود الإثيوبية انتقامًا من مصر.. وحول إريتريا لسوق سلاح تركية فى القرن الأفريقي
كشفت التحركات الأخيرة التى يقوم بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، علاوة على رسائل الخطاب السياسى التركى فى الآونة الأخيرة أن جميعها تقدم لحلم الدولة العثمانية المفقودة، حيث يعتبر أردوغان نفسه هو الوريث الشرعى للإمبراطورية العثمانية، وأن حزبه يمتلك مشروعًا للعلاقات مع المحيط الإسلامى والعربي، يرتكز على معادلة تاريخية أطلقت عليها «العثمانية الجديدة»، وهو ما يعنى عودة الجذور العثمانية بحيث تكون الدول العربية هى المجال الحيوى لتركيا أردوغان، وهو ما كان عليه العهد السابق أيام الدولة العثمانية، فى سبيل استعادة أراضى الدولة العثمانية وبسط نفوذ تركيا الجديدة.

معاهدة لوزان.. سقوط إمبراطورية «الرجل المريض»
بعد هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، وقعت مع الحلفاء، اتفاقية للهدنة، فى موندروس، فى 30 أكتوبر 1918 تضمن نزع سلاح الجيش التركي، واستسلام الحاميات وتسليم البوارج الحربية التركية، فى الحجاز وعسير واليمن وسورية والعراق، والسيطرة على الموانئ التركية فى شمالى أفريقيا.
وفى 10 أغسطس 1920، وقع الحلفاء مع حكومة إسطانبول، معاهدة سيفرSevrès، أملوا فيها شروطهم، لتصفية الدولة العثمانية، من خلال إجراءات عدة شملت: إعلان استقلال كردستان، أرمينيا، الحجاز، مصر، والسودان، والتنازل عن بعض الأراضى والجزر، لليونان وإيطاليا، وتنازل تركيا عن حقوقها، فى قبرص ومراكش وتونس وليبيا.
وفى أعقاب ذلك عُقد «مؤتمر لوزان» الثانى الذى استمرت أعماله ثلاثة أشهر، وتمخض عن توقيع «معاهدة لوزان» يوم 24 يوليو 1923 فى سويسرا. وكانت أطراف المعاهدة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، والإمبراطورية العثمانية، وتألفت من 143 مادة أعادت تنظيم العلاقات بين هذه الدول ووضعت هذه المعاهدة المسمار الأخير فى نعش إمبراطورية الخلافة العثمانية ووضعت حدًا لما كانت الدول الغربية تسميه آنذاك «الرجل المريض».
وخسرت الدولة العثمانية بسبب غطرستها وممارساتها التوسعية والاستبدادية حوالى تسع وعشرين ولاية على مساحات شاسعة من قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى السيادة الاسميّة على العديد من الإمارات والدويلات المتاخمة لها فى قارة أوروبا، هذا إلى جانب السلطة الروحية التى حاولت فرضها على ملايين المسلمين حول العالم ما بين عامى 1299- 1923م.

أوهام أردوغان لا تنتهي
منذ وصوله للحكم، لم تنقطع أوهام أردوغان لاستعادة أمجاد وأراضى الدولة العثمانية، غير مدرك التحولات الكبرى التى شهدها العالم، ومصرًا على الوقوف أمام عجلة التاريخ والواقع الجديد.
أردوغان يتحدث مرارًا عن اتفاقية لوزان كونها تسببت فى تقليص جغرافيا الدولة التركية الحديثة، وألزمتها بالتنازل عن 80% من مساحتها، وخطابه هذا ليس مجرد كلام مرسل، إنما هو يحمل أكثر من رسالةٍ تاريخيةٍ وسياسيةٍ إلى الخارج قبل الداخل.
ويمكن فهم هذا من خلال استطراد أردوغان فى جموحه وخياله ليصبغ تركيا بمظاهر من الدولة العثمانية القديمة؛ حيث قام أردوغان بتشييد قصره الأبيض، الذى أطلقت عليه وسائل الإعلام التركية «قصر السلطان»، بتكلفة بلغت أكثر من 600 مليون دولار، حيث تبلغ مساحته 200 ألف متر، من أجل إضفاء قيم العظمة والشموخ، فيما قرر أيضًا تدريس اللغة العثمانية فى المراحل الثانوية، مشيرًا إلى أنها ليست لغة أجنبية بل شكلا من أشكال اللغة التركية، كما أعاد عزف النشيد العثمانى فى بروتوكولات الاستقبال الرسمية فى القصر الجمهورى بدلًا من النشيد التركي، وذلك لأول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية.
كما أوعز للجنة الشئون الدستورية بالبرلمان التركى بالموافقة على اقتراح نواب حزب العدالة والتنمية بإعداد شعار رسمى جديد للجمهورية هو ذاته شعار الدولة العثمانية المعروف بـ«الطغراء»، بعد إلغائه 1922. كما لا ننسى المشهد المثير للشفقة حين ظهر الرئيس التركي، وخلفه 16 جنديًا من حراس الشرف يرتدون ثياب محاربين من «كتيبة الفتح العثمانى»، ونفس المشهد تكرر خلال الاحتفال بالذكرى السنوية لفتح القسطنطينية «إسطنبول»، وسط 478 رجلًا من الجيش التركى مرتدين نفس الزي، علاوة على مشهد آخر للفرقة العسكرية العثمانية المعروفة باسم «مهترخانة»، التى تتألف من 84 عازفًا.
و ظل حلم «الخلافة» يراود فصائل إسلامية تركية عديدة على مدار العقود الثمانية الماضية، لتغازل به تلك الجماعات والفصائل الشعوب، مُستخدمة فى ذلك الخطاب الديني، الذى لم يَخل من الانحرافات المقصودة عن النهج السليم للدين، هذه الدعوات تلقفها حزب العدالة والتنمية، وأفرط أردوغان فى استخدامها سياسيًا ليقوم بالتغطية على جرائم الفساد، ومواجهة حركات المعارضة، وعلى تغوله على المؤسسة العسكرية التركية وتطويعها وراء حلم استعادة «الدولة العثمانية» كونه «خليفة» المسلمين.
ولا يمل أردوغان من التأكيد على جذوره العثمانية فى مختلف المحافل خارج الحدود التركية، فمن ذلك كلمته على هامش منتدى الأعمال التركى الكولومبى فى العاصمة بوغوتا بمشاركة رئيس كولومبيا خوان مانويل، حيث حرص أردوغان على الإشارة إلى أن العلاقة بين البلدين تعود على عهد الدولة العثمانية، وأنه كانت هناك علاقات دبلوماسية تربط الدولة العثمانية بتلك المنطقة.


أردوغان وصدمة ما بعد «الربيع العربي»
كانت إحدى أهم الصدمات الأردوغانية هى اصطدام حلمه بصخرة فشل سيناريو ما بعد «الربيع العربي»، من السيطرة على عواصم الدول العربية من خلال حركات الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين، فقد باتت كلماته المتعثرة وقراراته المتخبطة خير معبر عن تلك الحسرة مع سقوط مشروع العنف والإرهاب، ورفض حركات الإسلام السياسى فى تونس، والفشل الذريع فى مصر، وملاحقة وتقويض فى ليبيا.
فقد بدت الرهانات التركية على الإخوان المسلمين وتوابعها من ميليشيات إسلامية مسلحة فى مصر وليبيا وسوريا والعراق وفلسطين، على أمل أن تؤدى هذه السياسة إلى قيادة أنقرة للشرق الأوسط فى إطار النظريات التى طُرحت لإعادة ترتيب الوضع فى المنطقة، وحمل مجمل الخطاب السياسى التركى تجاه العالم العربى نزعةً عثمانية تتحدث وكأن هذا العالم حديقة خلفية لتركيا الطامحة إلى استعادة أمجاد الدولة العثمانية، فالقدس وغزة وحلب وبغداد والموصل وغيرها من العواصم والمدن العربية بدت وكأنها شأن داخلى فى خطابات أردوغان.
وهذا التكتيك المستخدم فى الدول العربية هو جزء واحد من استراتيجية تركيا لاسيما وأن رئاسة الشئون الدينية التركية (ديانت) قد وسعت من مكاتبها على المستوى العالمى بشكل ملحوظ خلال فترة حكم أردوغان، وزاد نطاق تأثيرها (ديانت) منذ عام 2005 فى منطقة البلقان والقوقاز لاسيما فى دول مثل مقدونيا وألبانيا والبوسنة، وهذا جزء من حنينهم للحقبة العثمانية وللعودة لدور الأخ الأكبر فى تلك الدول.
ولكن النخبة السياسية التركية الموجودة فى دائرة حزب العدالة والتنمية لا تكاد تفهم الشرق الأوسط واستياء الناس هنا فيما يتعلق بماضيهم الاستعمارى ففى الدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية هناك الكثير ممن تربكهم الإشارة لفترة الحكم العثمانى نتيجة لعدم حبهم لها، ومعرفتهم الفظائع التى ارتكبها العثمانيون فى بلادهم خلال خمسة قرون.
ويحاول أردوغان البحث عن لغة يخاطب بها رجل الشارع ليتجاوز هذه العقبات وهو ما يظهر بوضوح فى خطاباته التى يبدو وكأنها تستهدف رجل الشارع المسلم سواء فى تركيا أو الخارج، بلهجة شعبوية ثقيلة مخلوطة دائمًا بلمسة قوية معادية للغرب.
ورغم ذلك، ما زالت تركيا تعبث بأمن الدول العربية، وتحاول فرض نفسها فى معادلة الحل، والتأثير، ففى العراق، يوجد انتشار عسكرى تركى واسع، وكما نشرت صحيفة “حرييت” التركية أن أنقرة أنشأت قواعد فى منطقة بعيشقة بالموصل تضم 600 جندي، على الرغم من مطالبة بغداد لتركيا بسحب قواتها من الأراضى العراقية على الفور، واحترام علاقات حسن الجوار، إلا أن الرد التركى جاء مخالفًا للمطلب العراقي، حيث قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إن الانسحاب غير وارد فى الوقت الراهن. اللمسات الأمريكية كانت حاضرة وبقوة على التواجد التركى فى العراق، فأردوغان كشف عن اجتماع ثلاثي، جمع بين مسئولين من تركيا والولايات المتحدة وحكومة إقليم كردستان، حيث كان هدف القمة اتخاذ الأطراف المشاركة فيها خطوات مهمة فى الحرب على داعش، واتخاذ مواقف مشتركة.
وفى قطر، ومع اندلاع الأزمة القطرية مع دول الرباعية، الإمارات، السعودية، البحرين، ومصر، سعت تركيا لاستغلال الأزمة لتوطيد أركانها فى المنطقة باعتبارها فرصة تاريخية، فاستصدر أردوغان موافقة البرلمان على إرسال قوة تركية، وفتح باب اتصال مع طهران. مما يكسب إسطنبول لأول مرة قدرة وتواجدا عسكريا قويا داخل دول الخليج، بما يعزز قدراتها التفاوضية ونفوذها الاقليمي.
كما أن أحلام التوسع التركى، وحلم إعادة الإمبراطورية العثمانية، تلزمها قدرات مالية كبيرة، لا يمكن تحقيقها فى ظل تراجع الاقتصاد التركى، ومعاناته من عدة أزمات خاصة مع توتر علاقته مع روسيا والسعودية، وبالتالى وجد أردوغان علاقاته قطر حلا حاسما لمشاكله المالية، لما تملكه الإمارة من احتياطى هائل للغاز وموارد بترولية كبيرة، لدرجة أن استثماراتها فى تركيا تتعدى الـ 10 مليارات دولار

سواكن» السودان.. قواعد القرن الأفريقي
يسعى أردوغان إلى تطويق الدول العربية واستعادة مناطق للنفوذ والسيطرة مستغلًا حسابات سياسية ضيقة للتحالف مع بعض النخب السياسية والدول، أفضى هذا مؤخرًا عن تولى تركيا إعادة تأهيل وإدارة جزيرة سواكن التى تقع على البحر الأحمر، حيث تنفذ وكالة التعاون والتنسيق التركية «تيكا» مشروعًا لترميم الآثار العثمانية، وكانت جزيرة سواكن تحظى بمكانة هامة فى عهد الدولة العثمانية، إذ كانت مركزا لبحريتها فى البحر الأحمر، وضم ميناؤها مقر الحاكم العثمانى لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامى 1821 – 1885. وكان المقابل هو توقيع 22 اتفاقية مع السودان، وعزم البلدين على زيادة حجم التجارة بينهما إلى 10 مليارات دولار.
ولا يقتصر الأمر على جزيرة سواكن فقط، وإنما تبدو الأطماع التركية فى القارة الأفريقية ليس لها حدود، إذ أظهرت هذه الأطماع عن الوجه الحقيقى لأردوغان فى التمدد والتوسع على طريقة نظام الملالي، فبعد تدشين القاعدة العسكرية التركية فى الصومال فى أكتوبر، حصلت أنقرة على موطئ قدم لها فى الخرطوم عبر جزيرة سواكن، وهى خطوات فى طريق مزيد من السيطرة
وتمثل هذه القواعد أنها تمثّل تهديدًا صريحًا للأمن الوطنى العربي، حيث تسعى أنقرة إلى فرض هيمنتها على منطقة القرن الأفريقى، عبر تحضير الدعم العسكرى وإنشاء عدة قواعد لها فى دول أفريقية، كما أن إنشاء أى قواعد عسكرية فى الخرطوم يمثل تهديدًا واضحًا للدولة المصرية، على خلفية العلاقات المتأزمة بين مصر وأنقرة، والخلاف المصرى السودانى المتصاعد حول حلايب وشلاتين.

قاعدة الصومال
تركيا لم تتذكر فجأة ميراث العثمانيين من القواعد البحرية فى بلاد العرب، ففى أكتوبر افتتحت تركيا، فى الصومال ثانى قاعدة لها خارج أراضيها، سيتم من خلالها تدريب 1500 جندى صومالى على يد 200 جندى تركي، وهذه القاعدة تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى والسعودى واليمنى والسودانى، لأن تركيا تعمل فى القرن الأفريقى بالتنسيق التام مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى مما يعنى أن القاعدة تعد موطأ قدم للقوى على شواطئ البحر الأحمر وتهديدا مباشرا للدول المطلة عليه وكذا قناة السويس أهم ممر ملاحى فى العالم.
كما تسعى تركيا من خلال تواجدها فى القرن الأفريقى لمزاحمة دولة الإمارات العربية المتحدة فى المنطقة اقتصاديًا، خاصة أن لها استثمارات كثيرة فى هذه المنطقة الحيوية فعلى سبيل المثال يضم القرن الأفريقى أهم ممرات الشحن الرئيسية فى العالم، وترى تركيا فيها فرصا لبناء الموانئ البحرية وغيرها من الهياكل الأساسية للنقل، والقفز على دور الشركة الإماراتية للطيران التى تدير الخدمات اللوجيستية فى مطار مقديشو.


غزو جيبوتي
عمل أردوغان على تكثيف الاستعدادات الرامية لإنشاء “المنطقة الاقتصادية التركية فى جيبوتي”، فى ضوء لقاء ممثلى قطاع الأعمال التركى والوفد الجيبوتى المرافق للرئيس. ويستخدم أردوغان ورقة المنح والمساعدات للتأثير على تلك الدول حيث تعد تركيا ثالث أكبر مانح للمساعدات فى القارة الأفريقية بإجمالى مساعدات بلغت 800 مليون دولار فى عام 2012.
ولدى أردوغان العديد من المؤسسات العاملة فى مجال دعم التنمية والبعد الإنسانى مثل «تيكا» و«الإغاثة الإنسانية» و«جان سيو» و«ياردملي»، وبعض المراكز الصحية فى الصومال، فى محاولة مفضوحة ومغلفة بوجه إنسانى لشراء الولاء والتأثير

إثيوبيا.. وسد النهضة
تشير العديد من التقارير على أن تركيا تدعم إثيوبيا من خلال تمويل سد النهضة انتقامًا من مصر، وأنها قد وقعت اتفاقيات عسكرية لحماية السد وزودت إثيوبيا بصواريخ لهذا الغرض. ويبدو أن موضوع سد النهضة يستحوذ على حيز كبير على طاولة النقاش التركية الإثيوبية، لكن التطورات فى هذا الشأن ستنعكس لا محالة على العلاقات مع مصر، التى غيّر مؤخرا عدد من المسئولين الأتراك لهجة خطابهم تجاهها، بدءا من الرئيس التركي، عبدالله جول، مرورا بوزيرى الخارجية ببولنت أرينتش وأحمد دواد أوغلو.


إريتريا والسلاح التركي
رغم معاناة إريتريا كبلد فقير ومحدود الموارد، فإن تركيا قد وجدت فيها سوقًا رائجًة للسلاح التركي، خاصة فى فترة الحرب الإثيوبية الإريترية، وهو ما جعلها مركزا لتجارة السلاح التركى الذى يتم تصديره عبر البحر الأحمر للحوثيين باليمن.
كل تلك الخطوات وغيرها، تسير فى خط استعادة النفوذ التركي، وفى قلبه محاصرة العواصم العربية فى سبيل لإخضاعها للسيطرة التركية برعاية أردوغان، لكن يبدو جليًا أن أردوغان يعيش حلمًا، ربما يستفيق منه قريبًا جدًا.