رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حتى لا يقتلنا العشم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العشم فى العامية هو الأمل، فحينما تقول لشخص.. عندى عشم فيك..أى عندى أمل فيك، وفى الفصحى ووفقًا لأغلب المعاجم تعنى كلمة عشم.. طمع، فحينما تقول لشخص أنا عشمان فيك.. أى أننى طمعان فيك أن تعمل كذا وكذا، والاستخدام فى الحالتين (العامية والفصحى) قريب الشبه، وعادة ما تستخدم كلمة عشم بين شخصيات قريبة من بعضها البعض ولكل منهم دلال على الآخر؛ لأنك لن تتعشم فى شخص لا تعرفه، وعندما يفرط شخص فى العشم نقول: (العشم قاتله)، أى أنه عنده أمل كبير، وفى حياتنا اليومية نعول على العشم كثيرًا؛ لأننا شعب عاطفي، كما أن العشم يحوى بعضًا من الكسل، وكثير منا كسالى، يعولون على العشم فى شخص ما لينجز لهم مهمة تكاسلوا عن أدائها.
قد يكون العشم مقبولًا فى حياتنا المعيشية بحكم العاطفة التى تتحكم فى أغلب سلوكياتنا، لكن إقحام العشم فى السياسة أو فى التعاملات بين الدول يأتى بنتائج عكسية، وتكون الصدمة والحسرة هى المحصلة النهائية، وطالما ارتكنا إلى العشم فى السنوات الأخيرة، وبخاصة فى الإعلام فكانت النتائج كارثية، حيث فقد الإعلام كثيرًا من مصداقيته، وخسر العديد من الإعلاميين جماهيريتهم.
كثير من الإعلاميين تعشموا خيرًا فى أردوغان عندما زار مصر فى أعقاب أحداث يناير ٢٠١١، سمعنا عشرات القصائد فيه، وكيف أنه جعل من تركيا جنة الله فى الأرض وتمنى الجميع أن تحذو مصر حذو تركيا، والعديد من المحللين صالوا وجالوا فى تفسير خطابه، وكيف أنه يعشق مصر.. ثم كشف أردوغان عن وجهه القبيح و(عشمه) فى أن يعيد عصر الخلافة على أن يكون هو الخليفة، بعدها انقلب الإعلام وصب لعناته على أردوغان ومن أتى به إلى مصر.
ثم كان العشم فى قطر وجزيرتها التى صنعت ما سموه «ثورة يناير»، وزاد العشم فى حمد بن خليفة عندما أغدق على الإخوان ودفع لكل من وطئت قدمه قناة «الجزيرة»، ثم انقلب الإعلام على حمد وقطره وجزيرته بعد أن كشف عن وجهه القبيح وسعيه لتفتيت مصر.
ثم جاء دونالد ترامب لينافس كلينتون فتعشمنا فيه خيرًا وتعاملنا معه على أنه المرشح المصرى فى الانتخابات الأمريكية، وأسهبنا فى الحديث عن الصداقة التى تجمعه بالرئيس السيسي، وها هو ترامب لم يخف أطماعه وابتز المنطقة بأسرها، وحتى لو تغزل ترامب فى حذاء السيسى فسيظل الأخير شوكة فى حلقه وحائط صد يحول دون تمكينه من تحقيق أطماعه، وطال العشم إثيوبيا.. فسعت إلى تعطيشنا لينقلب عليها الإعلام بعد أن ظل فترة يتحدث عن الإخوة والشفافية اللتين تنعم بهما الدولتان الشقيقتان. ثم جاء عمر البشير إلى مصر فتغنينا بصداقته وإخلاصه وتعشمنا خيرًا فى وساطته لحل أزمة سد النهضة، ثم اكتشفنا أنه يتآمر على مصر مع تركيا وقطر ويقيم تطبيعًا شبه كامل مع إسرائيل، كل ذلك برعاية أمريكية، وكان المقابل رفع الحصار عن السودان وحصوله على المقابل من قطر وتركيا. جميعنا عول على العشم فى علاقات مصر الدولية إلا السيسي، فهو يعلم أن ترامب لم يكن يومًا صديقًا له، وأن البشير يسعى إلى تحقيق أكبر استفادة على حساب مصر، وأن الإرهاب صناعة أمريكية إسرائيلية تركية قطرية، وأن سيناء مطمع للأمريكان والصهاينة، ولو لم يدرك السيسى ذلك لما اشترى كل هذه الأسلحة التى لامه البعض عليها، ولما هم بتعمير سيناء وتلبية احتياجات أهالى حلايب وشلاتين، ولما حزم مصر أمنيًا وضيق على الإرهاب فى سيناء، وبالتأكيد هناك حماية لباب المندب الذى أصبح يشكل خطرًا على مصر، السيسى وحده يعلم أن القادم أسوأ، وأن تكاتف الشعب هو الضمانة الوحيدة لحماية مصر، لذلك على الإعلام ألا يقحم العشم فى تقييمه لعلاقات مصر مع أى دولة؛ لأن العلاقات بين الدول تحكمها المصالح وليس العشم.