السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

بطرس الجاولي.. بابا رفض وصاية روسيا

بطرس الجاولي
بطرس الجاولي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ابن أسيوط لقيصر روما: «نحن فى حماية ملك لا يموت» 
سمح للأقباط فى عهده برفع الصليب فى جنازاتهم بعد واقعة مقتل «شاب دمياط»
فى أقاصى الصعيد بمحافظة أسيوط، شهدت قرية الجاولى ولادة طفل لم تعرف أنه سيكون رأس الكنيسة وحافظ للوطن، إنه البابا بطرس الجاولى، تلك البلدة الصغيرة التى تقع فى الجبل الغربى جاءت بالبطريرك المناضل، ترهبن باسم مرقوريوس الأنطونى بدير الأنبا أنطونيوس. 
وفى سنة 1808 اختاره البابا مرقس الثامن ليكون مطرانًا على إثيوبيا، لكن تأجلت رسامته، ليختاره البابا مرقس ليكون سلفا له، فرسمه مطرانًا عامًا للكرازة المرقسية باسم الأنبا ثاؤفيلس، وأبقاه معه فى البطريركية ليستشيره وحمل معه الأمور الإدارية، وقام البابا برسامة الأنبا مكاريوس الثانى مطرانا لمملكة إثيوبيا فى سنة 1808 م، بدلا منه واستمر فى البطريركية حوالى ستة أشهر معينا للبابا مرقس وإدارة الأعمال الكنسية لشيخوخته حتى توفى سلفه فى شيخوخة صالحة فى 21 ديسمبر سنة 1809م.
رحل البابا مرقس الثامن فى يوم 13 كيهك سنة 526 ش (21 ديسمبر 1809)، وكان الأساقفة موجودين بمصر فاجتمعوا مع أراخنة الشعب وأتت ساعة اختيار الأساقفة والأراخنة الخليفة المرقسى، ووجدوا ضالتهم المنشودة فى الأنبا ثاؤفيلس الجاولى، وأجمع رأيهم على أن يكون خليفة له فرسموه بطريركا فى الكنيسة المرقسية بالأزبكية بعد 3 أيام من نياحة البابا مرقس، أى فى يوم الأحد 16 كيهك سنة 1526 ش (24 ديسمبر 1809)، ودعى اسمه بطرس السابع واشتهر باسم بطرس الجاولي.
عاصر البابا بطرس الجاولى محمد على باشا الذى حكم مصر فى سنة 1805، حتى تنازل عن الحكم لابنه إبراهيم باشا سنة 1848، ولما توفى كل من محمد على وإبراهيم باشا عين بعدهما عباس باشا سنة 1848.
وكان عصر محمد على بالنسبة للعصور السابقة عصرًا ذهبيًا للأقباط هو وابنه إبراهيم، ولكن تغير الأمر تغيرًا طفيفًا فى عصر عباس باشا الأول، ولكن سرعان ما اغتيل عباس باشا فى قصره فى 14 يوليو 1854.
للبابا بطرس الجاولى مواقف وطنية، فيذكر ابن المقفع حادثة غريبة عن فيضان النيل بعد صلاة هذا البابا بطرس الجاولى «ولم يف النيل بمياهه فى الفيضان الذى ينتظره المصريون كل سنة، فخاف الناس من وطأة الغلاء والوباء والجوع، فاستغاثوا بمحمد على باشا طالبين منه أن يأمر الرؤساء الروحيين بأن يرفعوا الأدعية والصلوات من أجل النيل ليبارك الرب فى مياهه فيروى الأرض ويخضر الزرع وينبت العشب، ففعل، وقام المسلمون بالصلاة، ثم اليهود، ثم الروم، ثم السوريون، فلم تتحرك مياه النهر من موضعها، ثم طلبت الحكومة من البابا بطرس الجاولى أن يصنع نظير ما صنع أصحاب الأديان الأخرى.
فاستدعى لفيفا من الأكليروس وجماعة من الأساقفة وخرج بهم إلى شاطئ النهر واحتفل بتقديم سر الإفخارستيا، وبعد إتمام الصلاة غسل أوانى الخدمة وطرح مياهها فى النهر وطرح أيضًا قربانه من البركة فى مياه النهر فتلاطمت فى الحال أمواجه واضطربت». ويقول ابن المقفع: «وفارت كدست يغلى وفاضت» فبادر تلاميذ البطريرك رافعين أدوات الاحتفال فلم يتمموا ذلك إلا وقد أدركتهم المياه فعظمت بذلك منزلة البطريرك والأقباط لدى محمد على باشا.
ومن المواقف الوطنية أيضا، والتى سجلت عبر التاريخ، فكانت الإمبراطورية الروسية تعد أكبر دولة مسيحية أرثوذكسية ويحكمها قيصر، جاء سفير روسيا ليعرض على البابا بطرس موضوع حماية قيصر روسيا للأقباط، فابتسم البابا بطرس الجاولى فى وجه محدثه وسأله برفق ومودة قائلًا له: «هل ملككم (قيصر روسيا) يموت أم يعيش إلى الأبد؟ فقال له الزائر: «هو يموت طبعًا مثل كل بنى البشر»، ولكن البابا بطرس رفض هذا العرض، ورد على السفير بهذه الجملة الذهبية: «نحن فى حمى من لا يموت، فإذا كان قيصر روسيا يموت فنحن نفضل أن نكون فى حمى من لا يموت وليس لملكه نهاية».. فانصرف السفير من أمام البابا وهو يتعجب من رده المنطقى، وتوجه السفير إلى محمد على فسأله عما رأى بمصر فأجابه: «لم تدهشنى عظمة الأهرام ولا ارتفاع المسلات ولا الكتابة الموجودة عليها ولم يبهرنى كل ما هو موجود فى مصر من عجائب، بل أثرت فى نفسى فقط زيارتى للرجل التقى بطريرك الأقباط، ثم روى له كل ما جرى بينهما، فطفح السرور على وجه محمد على باشا، ولما ذهب من أمامه السفير الروسى حتى قام وذهب إلى المقر البابوى، وقدم الشكر الجزيل للبابا بطرس الجاولى على ما أبداه من استقلالية لكنيسته وعلى ما أبداه من وطنية ونبذ التدخل الخارجى».
كما يذكر ابن المقفع حدث عجيب حدثت فى أيام هذا البابا القديس: «ما شاع على ألسنة العامة من خروج نور من القبر المقدس كل سنة وحدث أن إبراهيم عندما ملك (استولى على) بلاد الشام، وكان مرتابًا ويشك فى ظهور النور، فدعا البابا بطرس الجاولى ليباشر خدمة خروج النور من قبر السيد المسيح مثل ما يفعل بطريرك الروم فى كل سنة، فالبطريرك القبطى لعلمه أنه سيترتب على ذلك عداوة أكثر بين الروم والأقباط فاعتذر، فقبل عذره، ولكنه طلب إليه أن يدخل الثلاثة هو وبطريرك الروم والبابا القبطى بطرس الجاولى إلى داخل القبر.. وخاف البابا بطرس من تأخير فج النور وسوء العاقبة وأخذ يستغيث بقدرة وقوة الرب يسوع، وكانت كنيسة القيامة قد غصت بالناس من جميع الطوائف المسيحية وغيرها، ولما حدث هرج ومرج أمر إبراهيم باشا بإخراج الفقراء فقط إلى خارج القيامة، فلما صار الوقت انبثق النور من القبر بصورة أتعبت الباشا الذى لم يكن يتوقعه، ووقع عليه ذهول ودهشة وصرخ مرددًا هذه العبارة: «أمان بابا.. أمان».
شهد فى أيامه سيدهم بشاى الذى قتل فى دمياط ظلما بعد تلفيق التهم له ورفع الأقباط شكواهم إلى خديو مصر محمد على؛ فأمر بإعادة التحقيق وأصدر الوالى حكمه بإدانة القاضى والمحافظ، واحتفل الأقباط بجنازة الشهيد احتفالًا رائعًا لم يحدث من قبل باستشهاده رافعين الصليب يدورون به فى شوارع المدينة، ومنذ ذلك اليوم سمح للمسيحيين برفع الصليب فى جنازاتهم. 
ظل البابا بطرس الجاولى على الكرسى المرقسى 42 سنة، ورحل عن عالمنا فى 5 إبريل 1952.