الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

في "كابول".. "داعش" يخطف الأضواء مجددًا

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يشكل نجاح تنظيم "داعش"، في تنفيذ ثلاث هجمات دموية في العاصمة الأفغانية كابول، في أقل من شهر، مفاجأة لكثيرين، لأن التنظيمات الإرهابية تترعرع دائما في أجواء عدم الاستقرار، وتقتات أيضا على حساب دماء الأبرياء.
ويبدو أن الأسوأ ما زال بانتظار أفغانستان، المنكوبة بالصراعات والأزمات، لأن داعش لم يجد خيارا، لتعويض خسائره على الأرض، سوى في تكتيك "الهروب إلى الأمام"، الذي يعني الانتقال إلى خارج حدود مناطق تمركزه المعتادة، لإثبات أنه لا يزال موجودا.
ورغم أن هذا التنظيم يتواجد في أفغانستان منذ 2015، إلا أنه اختار هذه المرة، استهداف مواقع حيوية، وتحت حراسة أمنية مشددة، لإحداث أكبر قدر من "الشو الإعلامي"، وإثبات أنه يحقق انتصارات على الأرض خارج العراق وسوريا، بل وفي مناطق بأفغانستان، خارج سيطرته أيضا.
فالتنظيم يتمركز بالأساس في مقاطعة "ننجرهار" شرقي أفغانستان، إلا أنه شن في ديسمبر ثلاث هجمات في قلب العاصمة كابول، وسط البلاد، كان آخرها، في مركز ثقافي شيعي، بينما استهدف اثنان منها، مواقع تابعة للاستخبارات الأفغانية.

وكان هجوم انتحاري، استهدف صباح الخميس الموافق 28 ديسمبر، مركزا ثقافيا شيعيا غربي كابول، قتل فيه حوالي 40 شخصا على الأقل، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين.
وأظهرت، صور، نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي، عشرات الجثث في ساحة المركز، الذي يضم أيضا مكتب وكالة صوت الأفغان للأنباء، المقربة من الشيعة، فيما نقلت وكالة "فرانس برس" عن نصرت رحيمي، المتحدث باسم نائب وزير الداخلية الأفغاني، قوله: "إن هدف الهجوم كان مركز طبيان الثقافي، وكانت تجري في المركز فعالية لإحياء الذكرى الـ38 للغزو السوفييتي لأفغانستان، حينما حدث الانفجار".
وبدورهم، قال شهود عيان إن الهجوم وقع أثناء جلسة نقاش صباحية في المركز، وكان بين الحضور كثير من الطلاب.
وفيما أصدر ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حركة طالبان، بيانا على "تويتر" نفى فيه ضلوع حركته في الهجوم، تبنى داعش، عبر منابره الإعلامية على الإنترنت، مسئوليته.
ويعتبر هذا الهجوم، الثاني من نوعه، في غضون شهرين، إذ استهدف اعتداء أيضا في 21 أكتوبر الماضي، مسجد "إمام الزمان" الشيعي غربي كابول، ما أسفر عن 56 قتيلا، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى 55 جريحا.
وقالت السلطات الأفغانية حينها، إن مسلحا اقتحم حسينية "صاحب الزمان" في حي غالبيته من الشيعة غربي كابول، وأطلق النار على المصلين، فيما تبنى بيان صادر عن "ولاية خراسان"، التي تعد فرعا لتنظيم داعش في أفغانستان وباكستان، مسئولية الهجوم.
وتبلغ نسبة الشيعة في أفغانستان بين 10 و20 ٪ من مجموع السكان، البالغ 30 مليونا، وينتشرون بكثافة في هرات "غربا"، وكابول "وسط"، لاسيما بين قبائل الهزارة والتاجيك.
ويبدو أن استهدافهم بات أمرا سهل المنال بالنسبة لداعش، في ظل انعدام الاستقرار هناك، ما ساعد التنظيم أيضا على اختراق الأماكن، التي تتمتع بإجراءات أمنية مشددة في كابول. 
وكانت وكالة "أعماق" التابعة لداعش أعلنت أيضا مسئولية التنظيم عن تفجير وقع في 25 ديسمبر قرب المدخل الرئيس لمبنى وكالة الاستخبارات الأفغانية في كابول، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين.
وقالت مصادر أمنية أفغانية حينها، إن انتحاريا فجر نفسه، بينما كان موظفو الوكالة في طريقهم إلى العمل، ما أسفر عن عشرات الضحايا.
وجاء الهجوم السابق، بعد أسبوع من الاعتداء، الذي استهدف في 18 ديسمبر مركزا للتدريب تابعا أيضا لوكالة الاستخبارات الأفغانية، واشتبكت حينها قوات الأمن الأفغانية مع المسلحين، الذين حوصروا في ورشة بناء بمركز التدريب.
وقال مصدر من وكالة الاستخبارات الأفغانية لوكالة الصحافة الفرنسية في 18 ديسمبر:"المسلحون كانوا يختبئون في مبنى قيد الإنشاء، وقمنا بتفجير سيارتهم المفخخة، وقتلنا اثنين أو ثلاثة منهم"، في إشارة إلى سيارة مفخخة أحضرها المهاجمون إلى المكان. 

وبدوره، قال المتحدث باسم شرطة كابول بصير مجاهد، إن اثنين من رجال الشرطة جرحا، دون تسجيل إصابات في صفوف المدنيين، فيما أعلن "داعش" مسئوليته عن الهجوم، عبر وكالة "أعماق" التابعة له. 
ووصف مراقبون الهجمات المتتالية في كابول بأنها ضربة قوية للسلطات الأمنية هناك، التي تواجه فيما يبدو صعوبات كبيرة، في مواجهة هجمات الإرهابيين، خاصة داعش.
ولعل تتبع نشأة داعش بأفغانستان، يرجح أن الهجمات السابقة، قد تكون مجرد بروفة، لهذا التنظيم، الذي يسعى للعودة للأضواء مجددا، واستقطاب عناصر جديدة.
ففي بداية 2015، أعلن التنظيم عن تدشين "ولاية خراسان" في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.
جاء ذلك، بعد ظهور التنظيم في يناير من 2015 في مقاطعة "ننجرهار" بإقليم "خراسان" شرقي أفغانستان على الحدود مع باكستان، وحينها اختار حافظ سعيد خان أميرًا لولايته المزعومة هناك، قبل مقتل خان، في غارة جوية أمريكية شرقي أفغانستان في أغسطس 2016.
واللافت أن اختيار داعش لاسم "خراسان" لم يكن محض صدفة، لأن هذا الاسم يرتبط بمنطقة تاريخية كانت تشمل في السابق مناطق في إيران وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى الأقاويل، التي يرددها البعض حول "أن جيشا سيخرج من تلك المنطقة لتحرير القدس".
بل وهناك من عزا تسمية خراسان إلى أحد أولاد سام بن نوح، وتحديدا خراسان بن عالم بن سام بن نوح، فيما عزا آخرون التسمية إلى خيراته الكثيرة.
فإقليم خراسان التاريخي كان يوجد فيه جبال وأنهار كثيرة في الوقت ذاته، ولذا تمتع بتنوع منتجاته الزراعية، وفي شماله الشرقي، كان يوجد به مناطق رعوية تمتد عبر الأراضي الصينية والروسية، ما أسهم في نشر الإسلام، حتى وصل إلى الصين.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الطبيعة الجبلية في منطقة الحدود بين أفغانستان وباكستان، وانتشار تنظيمات مسلحة كثيرة فيها، أبرزها حركة طالبان وتنظيم القاعدة، يوفر فرصة لداعش لتجنيد عناصر مدربة على القتال، مستغلا تغير التحالفات والانشقاقات في صفوف منافسيه.
وكانت وفاة زعيم حركة طالبان في أفغانستان "الملا محمد عمر" أدت إلى زيادة الصراعات داخل الحركة، وانضم عدد كبير من مقاتليها إلى داعش، وكان الزعيم السابق لطالبان في إقليم هلمند جنوبي أفغانستان "عبد الرؤوف خان"، أحد أول المنضمين للتنظيم.
ويتردد أن نحو 1500 مقاتل منشق عن طالبان انضموا لداعش، فضلا عن إسلاميين من أوزبكستان، ويستغل داعش المشاعر والمعتقدات الدينية والبطالة المنتشرة على جانبي الحدود بين أفغانستان وباكستان، لتجنيد فئة الشباب تحديدا، عبر الزعم "أن حروبه دفاعًا عن شرع الله".
كما يستغل التنظيم تجارة المخدرات الرائجة في أفغانستان، لزيادة موارده، وإغراء المزيد من الشباب، ويتردد أن داعش ربح ما يقرب من 500 مليون دولار من هذه التجارة، عبر إرسال الهيروين الأفغاني، لتجار المخدرات بدول آسيا الوسطى، ومنها إلى روسيا وأوروبا.
وقالت كيتلين فوريست، الباحثة بمعهد دراسة الحرب في واشنطن، إن تنظيم «داعش» يريد تحويل منطقة جوزجان، شمالي أفغانستان، إلى محور لوجيستي لاستقبال وتدريب المقاتلين الأجانب من عناصره، مشيرة إلى أن التنظيم الذي هزم في سوريا والعراق بات يعتبر أفغانستان ملاذًا آمنا، ومكانا يستطيع منه الانطلاق في عموم آسيا. 
وأضافت فوريست أن أفغانستان، ذات الحدود سهلة الاختراق، تشكل أرضًا خصبة للقتال، وتدريب التنظيمات الإرهابية، خاصة أن الكثيرين فيها قاتلوا ضد السوفييت في ثمانينات القرن الماضي، كما درب تنظيم القاعدة عناصره على ما سماه "الجهاد العالمي" هناك.
والخلاصة، فإن دولا مثل أفغانستان، تبدو المفضلة عند الإرهابيين، لأنه يتوفر بها البيئة المواتية، للتمدد، مستغلة ثالوث "الفقر والحرب والجهل".