السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفكر العلمي عند سلامة موسى (2 – 3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن أبسط الطرق لمعرفة الاتجاه العام لفكر أى كاتب أو مفكر هو النظر إلى عناوين مؤلفاته، وعلى ذلك؛ فإن إلقاء نظرة سريعة إلى عناوين أهم الكتب التى وضعها سلامة موسى تكشف عن غلبة الطابع العلمى لفكره، فمن أبرز مؤلفاته:
«مقدمة السوبرمان»، «نشوء فكرة الله»، «الاشتراكية»، «أحلام الفلاسفة»، «حرية الفكر وأبطالها فى التاريخ»، «العقل الباطن ومكنونات النفس»، «نظرية التطور وأصل الإنسان»، «السيكولوجية فى حياتنا اليومية»، «ما هى النهضة؟»، «الدنيا بعد ٣٠ عامًا»، «الشخصية الناجعة»، «حياتنا بعد الخمسين»، «التثقيف الذاتي»، «عقلى وعقلك»، «تربية سلامة موسى»، «محاولات سيكولوجية»، «هؤلاء علموني»، «كتاب الثورات»، «دراسات سيكولوجية»، «برنارد شو»، «مقالات ممنوعة»، «الإنسان قمة التطور».
هذه المؤلفات وغيرها تكشف عن الحرص الشديد من جانب سلامة موسى على نشر الثقافة العلمية. ولقد قام الزميل الدكتور مجدى عبدالحافظ فى كتابه «سلامة موسى بين النهضة والتطور» (ص ٢٠-٢١) بإحصاء محتويات المجلدين الأول والثانى من (السنة الأولى) من المجلة الجديدة من نوفمبر سنة ١٩٢٩ إلى مايو ١٩٣٠. ولاحظ أن «الثقافة العلمية» تحتل المركز الأول، إذ بلغ عدد المقالات المتعلقة بالثقافة العلمية ٧٠ من أصل ٣٦٦، بنسبة مئوية بلغت ٢٠.٨٪، وقد زادت مقالات الثقافة العلمية فى الجزء الثانى بنسبة ١.٦٪. ولكى نستطيع استيعاب الطابع العلمى لفكر سلامة موسى والذى ساد كتاباته طوال خمسين سنة، وجب علينا قبل كل شىء أن نشير إلى العصر الذى عاش فيه، وندرس الأحداث العلمية التى شهدها، وتأثر بها، فهذه الأحداث تكشف لنا عن مصادر فكره.
عاش سلامة موسى فى النصف الأول من القرن العشرين، وهو قرن كثرت فيه الكشوف العلمية والاختراعات، فظهرت النسبية الخاصة والعامة لـ «أينشتين» وميكانيكا الكم «لبلانك». أما فى الميدان السياسي، فقد طغت الدعوة إلى الحرية والاشتراكية والتحرر والبعث القومي.
إن أبرز الأحداث التى وقعت فى النصف الأول من القرن العشرين هو نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية. ورغم الطابع السياسى والعسكرى البارز لهذين الحدثين؛ فإن سلامة موسى يفسرهما بطريقة خاصة تنم عن عمق إيمانه بالعلم وأهميته وتأثيره البالغ، إذ يقول فى كتابه «هؤلاء علموني» تحت عنوان «المؤلفون يغيرون الدنيا»:
«عندما نتأمل ونتعمق الأسباب والبواعث لهذه الحروب نجد أنها كانت ثمرة أو نتيجة لابتكارات علمية قام بها مفكرون اخترعوا الآلات أو ابتكروا الأساليب أو ألفوا الكتب لإعلان نظريات جديدة».
ثم يستطرد قائلًا:
«إذا تأملنا هاتين الحربين الكبريين الأخيرتين؛ فإننا نسمع فيهما عن رجال السياسة ورجال الحرب. ولكن هؤلاء الرجال قد باشروا هاتين الحربين فقط ولم يكونوا السبب فى إثارتهما؛ لأن السبب يرجع إلى الآلة البخارية التى أخرجها رجل مفكر هو «جيمس واط» فى ١٧٧٦».
ولا ننسى أنه فى مجال العلوم الطبيعية أيضًا ظهرت كشوف هائلة بالنسبة للإنسان، كشوف تبحث عن أصله وارتقائه وتقدمه. وظلت هذه الأفكار الجديدة تشغل أوروبا، وكثر حولها الجدل والنقاش بين العلماء والمفكرين والفلاسفة. هذه الأحداث التى شهدها سلامة موسى- علمية كانت أو سياسية- والتى أثرت فيه تأثيرًا بالغًا لم يشهدها فى مصر، ولم يتعرف إليها فى أى بلد عربي، إذ إن مصر فى ذلك الوقت، بل الشرق كله، كان يعيش فى حالة تخلف، لقد شهد سلامة موسى كل هذه الأحداث العلمية فى الغرب، فأحب ثقافته وحضارته ورقيه، وأبغض الغرب المستعمر الغاصب المتجنى على الحريات. وجد سلامة موسى فى الغرب الإنسان القادر المنتصر الذى يؤمن بالعلم والتطور والاختراع، وتطلع إلى الإنسان الشرقى فوجده يرسف فى أغلال الجهل والفقر والمرض غارقًا فى أجواء الخرافات والتقاليد والتعاويذ.