الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عيد النصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار أكثر من ستين عاما كان الشعب المصرى يحتفل فى الثالث والعشرين من ديسمبر كل عام بعيد النصر والذى يوافق ذكرى تلك الملحمة الرائعة التى سجلها التاريخ عن صمود ومقاومة أهالى بورسعيد للعدوان الثلاثى الغاشم، والذى جاء نتيجة لقرار الرئيس جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، بعدما رفض صندوق النقد الدولى تمويل بناء السد العالى، وأعتقد أن واقعة طلب الحكومة المصرية لقرض من صندوق النقد فى عام ١٩٥٤ هو أكبر دليل على كذب من ادعوا أن مصر الملكية كانت تعيش عائمة على كنوز من ذهب وفضة وكانت تنعم بالخيرات وتقرض الدول المتقدمة الآن، حتى جاءت ثورة ٢٣ يوليو لتهدر ثروات مصر وتدفع البلاد إلى الهاوية وإلى الأزمات الاقتصادية المتتالية، وهذه أكذوبة كبرى اخترعها أعداء عبدالناصر وأعداء الجيش، فمصر لم تكن أبدًا دولة غنية يضاهى اقتصادها الدول العظمى كما يدعى البعض، بل الحقيقة الثابتة أن مصر فى عهد الخديو إسماعيل اضطرت لبيع حصتها فى قناة السويس كى تنفق على المشروعات التى أراد إسماعيل تنفيذها، وقد أدى الاقتراض المستمر إلى بيع حصتنا فى قناة السويس، مما دفع الدول الدائنة إلى إقرار وجود مراقب مالى من بريطانيا وآخر من فرنسا ولذلك لمتابعة الاقتصاد المصرى ولضمان سداد الديون فى موعدها للدول المانحة، وجاء الاحتلال البريطانى فى عام ١٨٨٢ بحجة حماية الأقليات فى مصر ووأد ثورة عرابى والجيش ولضمان حق الدول الدائنة، وبقى الحال على ما هو عليه حتى قيام ثورة ٥٢ وبعدها بعامين فقط قرر عبدالناصر البدء فى مشروع السد العالى لحماية أرض مصر من الفيضانات وتخزين المياه واستثمارها فى إنتاج الكهرباء بغية دخول مصر إلى عالم الصناعة، ولأن المشروع يحتاج لأموال كثيرة لا تستطيع خزانة الدولة -آنذاك - أن توفرها فكان من الطبيعى أن يلجأ ناصر إلى صندوق النقد الدولى كى يمنحنا قرضًا، لكن إدارة الصندوق رفضت هذا لأن المؤشرات الاقتصادية وقتها لم تكن واضحة المعالم، خاصة وأن دخل مصر العام كان يعتمد فقط على تصدير القطن وأفلام السينما وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى إلى جانب السياحة التى لم تكن رائجة منذ الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين، ولم يكن أمام عبدالناصر سوى البحث عن مصدر آخر للمشاركة فى تمويل بناء السد من ناحية وللمساهمة فى زيادة حصيلة الدخل العام لمصر، وكان هاجس قناة السويس يؤرقه كثيرًا، بل كان يؤرق الجيش المصرى بأكمله منذ استغلها المحتل الإنجليزى أثناء دخوله مصر بعدما خدعت إدارة القناة الزعيم أحمد عرابى وأقنعته بأنها لن تسمح للأسطول الإنجليزى أن يستخدمها فى احتلال مصر ولكنها فعلت ذلك، فظلت هذه الواقعة فى خلد كل ضابط بالجيش المصرى على مدار أجيال متعاقبة، وتجدد الأمر عقب انسحاب قوات الاحتلال وفق معاهدة (٣٦) لتبقى فى مدن القناة بحجة تأمينها، فصارت مدن القناة محتلة دون مصر، ثم وقعت أحداث الإسماعيلية فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ والتى راح ضحيتها خمسون شهيدًا من ضباط وجنود الشرطة المصرية على يد قوات الاحتلال البريطانى التى طلبت منهم إخلاء مبنى المحافظة فرفضوا ذلك فى موقف وطنى عظيم، ولا شك أن عبدالناصر كان يشعر بغصة بداخله تجاه قناة السويس وإدارتها التى كانت تشكل دولة داخل الدولة، إلى جانب إيمانه بحق مصر التاريخى فى هذه القناة التى حفرت بدماء المصريين، فقام بتأميمها فى ٢٦ يوليو ١٩٥٦ مما تسبب فى إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على مصر لاستعادة القناة مرة أخرى، وبدون أى سبب مقنع قررت إسرائيل خوض الحرب إلى جانب الدولتين ضد مصر، وبالفعل تقدمت إسرائيل بقواتها عبر سيناء فانشغل الجيش بها، فى الوقت الذى توالت فيه الغارات الجوية على القاهرة والإسكندرية ومدن القناة من خلال الطيران البريطانى والفرنسى، وعقب هذه الغارات المتتالية بدأت عمليات الإنزال الجوى بالمظلات للجنود الإنجليز والفرنسيين الذين كانوا على قناعة تامة بأن المسألة ما هى إلا نزهة لطيفة تحتاج ساعات قليلة للسيطرة على بورسعيد ثم بقية مدن القناة، ولكن أهالى بورسعيد كانوا أسودًا فقاموا بمواجهة عملية الإنزال وقتلوا وأسروا عددا كبيرا من جنود بريطانيا وفرنسا الذين صاروا يهربون كالفئران أما أبطال المقاومة الشعبية، وكما كتب أحمد شفيق كامل وتغنى عبدالحليم «كنا نارا أكلت جيوشهم، نار تقول هل من مزيد، وانتصرنا ولسه عارهم ذكرى فى تراب بورسعيد» وأسقط البرلمان الإنجليزى حكومته التى دخلت حربًا غير مدروسة فتكبدت خسائر فادحة فى الأرواح ونجحت الدبلوماسية المصرية فى حشد أكبر عدد من دول العالم لإصدار قرار من الأمم المتحدة بوقف العدوان، وبالفعل صدر القرار وامتثلت له إنجلترا وفرنسا، وفى الثالث والعشرين من ديسمبر ٥٦ انسحبت القوات البريطانية والفرنسية وانتصرت بورسعيد فى ذلك اليوم المشهود الذى سمى بعيد النصر والتى كانت مصر تحتفل به كل عام على مدار أكثر من ستين سنة، لكن إعلامنا تناساه ليتحول من عيد النصر لكل المصريين إلى العيد الوطنى لمحافظة بورسعيد، ولم تكن مصادفة أبدًا أن يتم هذا العام اختيار ذلك اليوم ليفتتح فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بعض المشروعات القومية الهامة المرتبطة بقناة السويس لاسيما الأنفاق التى ستربط مدن القناة بسيناء وتسهل عبور الناس والبضائع، ومن الواضح لكل ذى عقل أن مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية قد اختارتا هذا التاريخ بعناية لتذكير الناس به، فهو من الأيام الخالدة فى تاريخ مصر ويجب علينا أن نحدث أولادنا عنه ويجب على إعلامنا أن يحتفى به بشكل لائق، فما أحوج شبابنا إلى معرفة مثل هذه الأحداث التى تمثل صفحة ناصعة فى تاريخ مصر.