الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" في تحقيق استقصائي.. "توثيق مزور" يكشف ضحايا تُسلب أملاكهم بواسطة الشهر العقاري.. وآخرون خلف القضبان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بقايا سيدة ارستقراطية، مازالت تحاول الصمود منذ أربع سنوات أمام المحاكم، تقف خلف القضبان تنتظر أى بارقة أمل فى قضيتها، يبدو من مظهرها أنها تغالب الأسى بطابع أنثوى، تجول عيناها حول قاعة المحكمة لا أحد من أهلها سوى ضباط ومحامين وخيوط من دخان السجائر تتطاير فى الهواء وبعض أهالى المساجين الذين بجوارها.

بصوت متهدج تحدثت مع محاميها وسكتت للحظات، زاغت عيناها وكأنها تسترجع ذكرياتها، فتتذكر «سارة» اسما مستعارا، السيدة الأربعينية تبدل حالها بعدما كانت سيدة أعمال تتاجر فى السيارات، ولها محلات مجمدات إلى «رد سجون» كما يلقبونها، وكيف فقدت أبويها أثناء فترة حبسها لمدة 14 شهرا الواحد تلو الآخر حزنا عليها، وكيف تخلى عنها زوجها ولفظها ليتبرأ منها بورقة طلاق. تسترجع بداية كل ذلك جراء الحادث المنكوب، فقد اشترت فيلا بالتجمع الخامس، ثمنها ثلاثة ملايين جنيه فى عام 2012، دفعت مليونًا ونصف وقسطت باقى المبلغ على دفعات لمدة عام، بعدها أرادت أن تنقل ملكية الفيلا من المشترى لنفسها فى جهاز القاهرة الجديدة، ولكنها فوجئت بالقبض عليها بتهمة التزوير فى توكيل البيع.


هذه ليست الحالة الوحيدة، بل وقع ضحية التوكيلات المزورة الكثير، وثقتها معدة التحقيق على مدار ثلاثة أشهر، لنكشف استغلال المزورين ضعف إمكانات مكاتب الشهر العقارى فى التأكد من صحة «المحررات الرسمية»، مما يتسبب فى سهولة التزوير والاستيلاء على أملاك الغير وأموالهم من البنوك، ويُعرض بعض موثقى الشهر العقارى للتورط فى قضايا التزوير ظلما فى ظل غياب رقابة وزارة العدل ومصلحة الشهر العقارى.

تُكمل سارة وتترقرق فى عينيها الدموع كيف أُتهمت فى قضية لا دخل لها بها-حسب قولها- فحين اشترت الفيلا ذهب معها مالكها «أحمد. ف» للشهر العقاري ليحرر لها توكيلًا بالبيع، ولم يكتب فيه أن لها حق التصرف فى الفيلا إلا بعد دفع بقية الأقساط، وبعد عام حرر لها توكيلا بالتصرف.

تلتقط أنفاسها وتقول إنها اشترتها للاستثمار، حيث أرادت تشطيب الفيلا وتجهيزها وبيعها بسعر أعلى بعد بضعة أعوام.

بعدها اقترح عليها السمسار عرض الفيلا على مكاتب التسويق العقارى لبيعها، بدلا من الانتظار لتشطيب الفيلا وإنفاق المزيد من المال، فذهبت لأحد المكاتب لعرض الفيلا للبيع، ثم ذهبت لجهاز القاهرة الجديدة لنقل الملكية، وحينها قالوا إن التوكيل ليس مكتوبا فيه التعامل مع الجهاز وعلى البائع إضافتها، وبعد إضافة هذا الجزء فى التوكيل ذهبت للجهاز مرة أخرى ليقبض عليها بتهمة التوكيل المزور.

تستجمع قواها لتستكمل الحديث وتقول، إن مالك الفيلا الوهمى استغل بيانات المالك الأصلى نفسها وزور بطاقة بصورته، واتهمت بتكوين تشكيل عصابى، برغم أنه لم يُقبض على أحد سواها، وتتساءل هل هى فقط من زورت البطاقة والتوكيل وتواطأت مع شركة التسويق العقارى.

مصلحة الشهر العقارى جهة قانونية تتبع وزارة العدل، أُنشئت بموجب القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦، وهى الجهة الوحيدة المنوط بها توثيق وشهر المحررات والعقود، والحفاظ على حق حماية الملكية فى مصر، وفقا لستة قوانين، أهمها القانون رقم ٦٨ لسنة ١٩٤٧ بشأن التوثيق، والقانون رقم ٥ لسنة ١٩٦٤ بشأن تنظيم المصلحة.

وينقسم الشهر العقارى إلى قطاعين: «التوثيق»، ويختص بالعقود وتوكيلات المركبات والعقود التجارية والبنوك، والأحوال الشخصية، والقطاع الثانى «التسجيل العقارى» ويختص بحقوق الملكية العقارية، ذلك وفق ورقة بحثية أعدها وليد فهمى رئيس اتحاد موثقى مصر.

«موثق أو مأمور الشهر العقارى» هو الموظف المختص بتوثيق المحررات، ومنحه القانون صلاحيات الضبطية القضائية أثناء مباشرة عمله، طبقا للقرارات الوزارية رقم ٩١٦٨ لسنة، ٢٠١٢ ورقم ٣٥٢ لسنة ١٩٧٢، وحديثا لم يُقبل تعيين أى موثق إلا من حملة الماجستير والدكتوراه.

ضحية أخرى رصدتها معدة التحقيق توثق صداقة جمعت الأخوين «عادل وماجد. ع» و«ح. م» أبناء منطقة إمبابة وفرقتهم التجارة بسبب تلاعب الأخير، بعد أن نشبت خلافات أحرقت سنوات الطفولة والشباب بينهم بورقة تزج بالعِشرة وراء القضبان، بسبب امتناعه عن سداد مبلغ مالى اقترضه من عادل والتوقيع على إيصال أمانة ورفع الأخير دعوى ضده.

الحل الودى من أبناء المنطقة بين الأصدقاء أطفأ نسبيا نيران الكراهية التى خلفتها أروقة المحاكم بتنازل الأول عن القضية وتعهد الثانى بسداد المبلغ.

ليعيد الكرة مع الأخ الثانى المدعو ماجد ويتهرب من سداد دين قيمته ٣٠٠ ألف جنيه، وبعد صدور حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات بجنح إمبابة، يتلاعب «ح. م» بتوكيل التنازل للأخ الأول من خلال محامى بتغيير الاسم الأول بالمحرر الرسمي، والخروج من الحبس بموجب التنازل المزور ليخسر الأخوان أموالهما بيد القانون.

طرق بدائية وآليات غائبة

زيارات ميدانية لعشرة مكاتب توثيق بخمس محافظات، وضحت كيف يكتشف الموظفون ألاعيب المزورين.

«سُجن صديقى الأول ٦ أشهر والثانى ٤٥ يوما فى قليوب بتهم «تزوير»، هكذا بدأ على عبدالمجيد الموثق بشهر عقارى شبرا الخيمة حديثه بنبرة استياء مؤكدًا: أننا ليس لدينا آليات للتحقق من صحة المحررات الرسمية وبطاقات الرقم القومى، سوى خبراتنا فى حفظ أكواد أختام الجهات الرسمية، أو الاعتماد على الشك وكشف ارتباك بعض المزورين، ليصبح اكتشافهم روتينا يوميا لنا.

ويحكى «عبد المجيد» عن مزورين افتضح أمرهم بهذه الحيل فأراد صاحب شركة استخراج توكيلات بأسماء موكلين من خلال سجل تجاري، لكن بتدقيقه فى الختم اكتشف أنها غير المنوط بها استخراج هذه السجلات، لينتهى الأمر بهروب المزور بعد شجار.

حالة أخرى بالمكتب كانت لـ«عجوز» أجَّرتها سيدة لانتحال شخصية والدتها، لتزوير توكيل صرف معاش نيابة عنها، تبين الموثق صورة البطاقة فاكتشف أنها مزورة، فانهالت دموعها وارتمت جاثية على ركبتيها تقبل يدى الموثق، عله يتركها تمضي، متمتمة بكلمات العفو متعللة بضيق ذات اليد الذى جعلها تَقبل أن تنتحل شخصية العجوز المتوفاة بمقابل مادي.

بينما كانت الهيئة المبعثرة والثياب المهلهلة وسيلة الموثقة «إيمان. ع» بشبرا الخيمة، لتكشف المزور الذى يدعى أنه طبيب بشرى فى بطاقته، جاء ليحرر أوراقا لفتح عيادة، فحررت محضرا بقسم ثانٍ شبرا الخيمة، ليظهر هنا أثر سحب أجهزة الباركود الخاصة بالكشف عن صحة بطاقات الرقم القومى بموجب بروتوكول بين وزارتى الداخلية والعدل وانتهاء مدته دون تجديد، بحسب مختار البابلى، رئيس نادى الموثقين.

لقاء سري ...وصفقة مشبوهة

ثلاثة أسابيع هى مدة البحث عن إمكانية الوصول «لمزور»، سألنا بعض سماسرة «إنهاء الأوراق والإجراءات» وأصحاب «نصبات الشاي» حول مكاتب الشهر العقارى والمحاكم، تنصل أغلبهم من معرفة أشخاص كهؤلاء، إلا بعد تردد عدة مرات على الأماكن ذاتها، استطعت أن أقنع أحدهم بتوسلات شديدة برغبتى فى عمل توكيل لبيع قطعة أرض لعلاج والدى المريض، فاتصل بأحد المزورين، وقال، إنه سيحدد المكان والموعد ويتصل بي، ثم أخذ رقم هاتفى ولم يعطنى رقمه.

انتظرته عدة أيام حتى اتصل ليحدد الموعد والمكان، وفوجئت به فى آخر لحظات يغير وجهتنا من وسط البلد إلى أحد مقاهى السيدة زينب، بواحدة من الحارات القديمة التى وضع الزمن عليها بصمته بشروخ هنا وهناك، وما زالت صامدة، وأثناء سيرى شعرت بوقع خطوات منتظمة خلفى تشى لى بأننى قد أكون مراقبة، ولكنى أكملت سيرى دون أن ألتفت إلى الوراء.

المقهى أقرب إلى دكان صغير، بضعة كراسى متهالكة متراصة بشكل عشوائى فى المكان، وطاولات خشبية معدودة يلتف حولها عدد قليل من الرجال هيئتهم متواضعة، تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين، وصوت قرع حبات الطاولة يخفت مع ارتفاع أصوات ضحكاتهم المريبة، لتتصادم فى سمعى مع الرؤية الضبابية التى خلفتها بعينى أدخنة السجائر وأحجار الشيشة وهى تتراص واحدا تلو الآخر دون ملل من القهوجى الستينى الذى تترنح خطواته بساق بها عرج طفيف.

تسللت خارجة من المكان بدقات قلب متسارعة وأنفاس مكتومة وقررت انتظاره على الجهة المقابلة للمقهى لحين وصوله وأنا لا أعرف من سيقابلني، راقبت الطريق بتوجس قرابة النصف ساعة، اعتقدت أننى سأرى رجلا فى الأربعينات، إلا أننى وجدت شابا فى منتصف العشرينات متأنقا فى ملبسه وتفوح منه رائحة عطر شذية، عرفنى بنفسه هامسا «محمود»، بعد ان أقترب مني، ولم أعرف كيف ميزنى، مما زاد قلقي، لكنى رجحت معرفته لى من خلال الوسيط.

جلسنا على طاولة بركن المقهى وبنظرات ترقب وكلمات محسوبة تحدث بحرص، وبدت عليه علامات الشك والريبة مني، أخبرته بأن جدى يمتلك قطعة أرض مساحتها ٨ قراريط فى مركز طوخ ببنها، وقد باع لوالدى نصفها بتوكيل فى شهر عقارى شبرا الخيمة، وبعد وفاته أرادت عمتى وعمى تقسيم الأرض كاملة دون أن يأخذ والدى حصته المبيعة له مسبقا، وقد ضاع التوكيل أثناء نقلنا من منزل العائلة لشقة جديدة بسبب المشكلات الناشبة، ولم نجد أصل التوكيل فى الشهر العقاري، فنريد أن نزور توكيلًا لنبيع الأرض لعلاج والدى المريض.

صمت قليلا ورد بكلمات مقتضبة لا مشكلة، كتبت له بيانات الأرض، وسألنى عن المنطقة التى أريد استخراج توكيل منها، فقلت له مكتب شبرا الخيمة، فتركنى وخرج من المقهى فازداد خوفى من أن يكون فُضح أمري، عاد ليقول أنه أجرى اتصالا هاتفيا بوسيط فى شبرا يعرف شخصا فى الشهر العقارى سيختم التوكيل بأختام أصلية، ولكنه لن يُسجل فى دفاتر المكتب.

طلب خمسة آلاف جنيه، لكنى تحججت بأن المبلغ كبير، وأريده أن يقلد الأختام ويقلل المبلغ، وبعد محاولات مضنية وافق على هذا الحل مقابل ألفى جنيه، فوافقت ووعدته بإرسال صور بطاقات الرقم القومى ليكمل المهمة خلال أسبوع.

وبعد اطمئنانه لى بأننى جادة فى تزوير التوكيل، تبادلنا أطراف الحديث عن هوايتنا فى الرسم، وبدأت فى خلق اهتمام مشترك عن طُرق الرسم المختلفة وتقليد الأختام وهوس البعض بها، بعدها حكى عن أول مرة يلجأ فيها للتزوير، بمشكلة صديقه المقرب الذى ضاقت به الدنيا حين أحب فتاة وعلم برفض أسرتها تزويجها لذى تعليم متوسط، فقرر أن يساعده بتزوير شهادة تخرج له واستغلال موهبته فى الرسم لإنقاذه من مأزقه.

أما المرة الثانية زور فيها شهادة لأحد أصدقائه لتبرئته فى جنحة، وقد جاء بشهادة أصلية وأخذها سكانر وبدأ بتغيير الحروف من خلال الفوتوشوب.




بشغف تحدث عن الحيل التى يتبعها للتزوير، فيأتى بنموذج توكيل من الشهر العقارى ويملأ فيه البيانات التى يريدها ويضع عليها الأختام بطرق مختلفة، أما الطريقة الأخرى هى شراء نوع محدد من الصلصال، ثم بأقلام مخصوصة يحفر عليه الختم الذى يريد تقليده ويضع عليه الحبر ويختم به الورقة المراد تزويرها، أيضا التلاعب بالأختام على الفوتوشوب يوضح كيفية تزوير وثيقة من خلال الفوتوشوب، فيأخذ صورة اسكانر من توكيلات اصلية ثم يفرغ الكلمات المكتوبة بخط الموظف المختص إلى أحرف وتكوين كلمات جديدة منها ليخرج فى النهاية بتوصيل جديد لوكن مزور بنفس خط الموظف ولكن بكلمات مختلفة أو تمرير بيضة مسلوقة أو بطاطس ساخنة على الختم الأصلى، طرق أخرى للتزوير وثقناها على لسان المزور، فيُطبع الحبر على البيضة ثم يطبعها على الورقة الأخرى وهذه الطرق أكدها أيضا خبير التزيف والتزوير فى الطب الشرعي.

ويستغل المزورون أسماء الموثقين بالمكاتب على التوكيلات، فقد أنقذت العناية الإلهية «صابر» اسم مستعار موثق بالعاشر من رمضان، من الوقوع فى شبهة تزوير حيث جاءه شخص ومعه توكيل لسيارة، يقول إنه اشتراها حديثا، ويريد استخراج صورة طبق الأصل من التوكيل المُحفوظ برقم ٢٨٩٧ لسنة ٢٠١٧، ولكن بالصدفة اكتشف الموثق تزوير التوكيل بسبب وجود إمضاء مزور باسمه عليه، وحرر محضرا برقم ٣٦٤٠ إدارى أول العاشر

كارثة تهريب الأختام التقليدية حلها الاستعانة بالإلكترونية الموثقة بديلًا لها باليوم والساعة كدول الخليج بحسب الباحث إبراهيم زيدان.



موثقون لم تثبت إدانتهم

خلال طريق سريع إلى بنها عاصمة القليوبية التى تبعد حوالى ٤٥ كم شمال القاهرة، لرصد مأساة خمسة من موظفى الشهر العقارى خلال ستة أشهر عانوا فيها من الحبس على ذمة قضية تزوير وتسهيل الاستيلاء على أملاك الدولة.

«أحمد عبد الهادي»-اسم مستعار- ٥٨ عاما، يتكئ على مكتبه شاردا، يطرق عامل البوفيه بابه ثلاثا، لكنه ما زال غارقا فى عالم آخر، وقسمات وجهه تشى بشيء أثقل كاهله حزنا، ظللت واقفة ببابه أنتظر أن ينتبه لنا حتى استفاق، ورحب بى بمكتبه الذى اقتسم معه سنواته الستين، إلا بضع منها تباعد بينه وبين التقاعد للمعاش.

سمعة مشوهة عقب الزج به وراء أسوار السجن تلاحقه أينما ذهب رغم تبرئته فى يونيو ٢٠١٧ وتلاحق ابنته أيضا، لتنتهى بفسخ خطبتها بعد أن كان يفصل بينها وبين عرسها بضعة أسابيع، وديون تكاثرت جراء حبسه وهو العائل الوحيد للأسرة، ليخرج فى مواجهة كل ذلك، وسؤال يتردد صداه فى رأسه ويلقيه على مسامعى فى أسي «بأى ذنب؟».

بينما يجلس جواره صديقه «حسن محمد» اسم مستعار ٥٦ عاما، يحكى بصوت تخالطه بقايا آثار الحبس ومشاهد من ليالى قضاها بين المجرمين عن معاناته أثناء حبسه، فوالده محفظ القرآن حرمه من ميراثه عقب علمه بسجنه، وتدهورت صحته حتى أضحى على فراش الموت، ليخرج «حسن» فور تبرئته، ولا يشغل باله سوى تقبيل يدى والده وكسب رضاه، وحتى ابنة «حسن» الوحيدة رسبت فى الثانوية العامة، أما زميلهما الثالث فتوفى متأثرا بالسرطان عقب خروجهما من الحبس، كان كل ذلك جراء التلاعب فى توكيل لقطعة أرض.

فقطعة الأرض مملوكة لسيدة عمرها ٨٦ عاما، اشتراها لها والدها سنة ١٩٤٩ واشترتها إحدى الشركات الكبرى، ثم تأممت وأصبحت أرضا ملك الدولة، ليتنازعوا الملكية بين ثلاثتهم، وكُونت اللجنة من الخمسة موظفين السالف ذكرهم للبت فى الورق فقط، وبعد الفحص نقلوا ملكية الأرض من الشركة لهذه السيدة، دون العلم بأن سيدة أخرى بمعاونة أحد أقارب العجوز انتحلت شخصيتها لتزوير التوكيل.

بينما يقضى الموثق «محمود عبدالله»، اسم مستعار من شهر عقارى الإسكندرية لياليه فى حيرة يؤرقها القلق، بعدما وصمه العار بين أقرابه وجيرانه ذوى المناصب المرموقة فى انتظار الحكم فى جلسة قضيته الجديدة، بعدما حُبس خمسين يوما على ذمة قضية تزوير، يرجع سببها إلى خداع موكل ومحام له بطلب استخراج توكيل إدارة لإحدى الشركات الكبرى، ليخلطا بين المسميات الإدارية فى التوكيل بين رئيس مجلس الإدارة ومدير الشركة، ليطعن الشريك الآخر فى الشركة بالتزوير على التوكيل ويزج به فى السجن.

«المسئولية المدنية للموثق» رسالة دكتوراه يلقى فيها الباحث إبراهيم زيدان مسئولية التزوير على جهات أخرى غير الشهر العقارى، مثل مصلحة الأحوال المدنية وإدارة الجوازات، ووزارة الخارجية وهى المسئولة عن التصديق على التوكيلات الصادرة من الخارج ثم إيداعها بالشهر العقاري.

وحصلنا على صورة من توكيل صادر من الخارج منسوب للقنصلية المصرية بالرياض وبطاقة مزورة جاء بهم شخص لإيداعه فى الشهر العقارى بالزيتون.

استبيان

كان عدد المرات التى اكتشفوا فيها توكيلا مزورا أكثر من مرتين، وتراوحت المشكلات التى تواجههم فى عدم وجود أمن وحماية موازية للمسئولية التى يتحملونها، والوقوع فى محررات مزورة دون وجود آلية للكشف عنها، وقلة العمالة والتكدس ونقص المستلزمات.


أجانب طالهم التزوير

على مدار ٧ ساعات، عبر طريق ساحلى فى رحلتنا من القاهرة إلى محافظة البحر الأحمر، التهمت فيها عجلات الحافلة الطريق تحت حرارة تعدت ٣٥ درجة مئوية، يخفف من وطأة الحرارة اللون الفيروزى لساحل البحر، للقاء عدد آخر من ضحايا التزوير بمدينة الغردقة، ولكن ممن يحملون جنسيات آخرى وقعوا ضحية خلل آليات مكاتب الشهر العقارى المصرية.

قصة حب بدت للروسية أكسانا جوكوفا ستدوم لسنوات، لتلتقى بالأسوانى مصطفى بمصر، فيغمرها بكلامه المعسول وتتزوجه بعقد عرفى مُوثق بالمحكمة، فالروسية الأربعينية ذات الشعر الأصفر القصير والجسد المائل إلى البدانة، ربطتها علاقة عشق بأرض مصر منذ تسع سنوات وإقامتها بالغردقة

بفطرة أنثى أحبت زوجها وأعطته الكثير، سواء سيارة ابتاعتها له أو بشيكات بنكية أغدقتها عليه- حسب قولها– تحكى بلهجة مصرية ركيكة لطالما قال لى، إننى «الحب الكبير»، كلمة كررتها مرارا طوال حديثنا فقد بدا أنه شغفها حبا وتركها وسط سيل أسئلة دون إجابات. تكمل حديثها بالروسية ويوضحه المترجم لنا، أن زوجها ظل هكذا قرابة عام، ولكن يبدو أنه طمع بالمزيد، ليظهر وجه زوجها القبيح الذى أخفاه، لتصطدم بحقيقته ويسلبها فى لحظة غدر ممتلكاتها ويهرب مخلفا وراءه ندبات حزن وذهول على ملامح الروسية. ففى مايو الماضى أوهمها بإهداء قطعة أرض زراعية ليصطحبها لمكتب الشهر العقارى بحجة نقل الملكية لها، لينقل لنفسه ملكية شقتيها بمنطقة «مبارك ٥»، والذى يتعدى ثمن الاثنتين مليونين ونصف المليون، من خلال تعمد الترجمة الخاطئة بالاتفاق مع شريكه المترجم، لتؤكد أنها وقعت فريسة النصب بالترجمة مرتين، الأولى بحجة إهداء قطعة أرض والثانية بحجة تحرير توكيل بالإدارة، ليتضح أنه استبدله بتوكيل بيع عقار آخر تملكه. خلال الأشهر الأخيرة لخداع زوجها لهاٍ، تستيقظ «أكسانا» ليلا فى حالة دوار وهياج عصبى لا تعى سببه، تنهش بأظافرها سائر جسدها لتترك ندبات هنا وهنا، لتُنقل للمستشفى بعدما أغشى عليها عقب محاولاتها ضرب رأسها بالحائط، لتكتشف من خلال تحاليل المستشفى تعمد تخديرها بدس حبوب الترامادول فى الطعام ليجعلها فى حالة عدم توازن. تكتشف كل ذلك عقب تغيب زوجها المفاجئ فى سبتمبر الماضي، وطرقات باب تخبرها من خلال صوت أجش لرجل لا تعرفه أنها يجب عليها إخلاء الشقة، لأنها لم تعد المالكة، لتحرر دعوى جنائية بالواقعة برقم ١١٥٦٦ لسنة ٢٠١٧. طوال يومين قضيناهما مع أكسانا ظلت تردد هذه القصة بأثار صدمة ما زالت تاركة بصماتها عليها تقاومها بالضحك والسخرية بطبع امرأة أجنبية يغالبها آسى الحب كسيدة مصرية تهذى باسم زوجها، وأحيانا أخرى تسبه بشتائم مصرية وتريد أن ترى «الكلبشات» بيده ملقى بالسجن لتنتقم، لكنه بدا انتقاما تشوبه رائحة الحب.

أما «ماريا. م» أجنبية أخرى ألمانية الجنسية نُفذ معها المخطط نفسه، فقد تواطأ المترجم مع زوجها المصرى «ك. م» لتحرر توكيل إدارة له، لتغير إجراءات محل الإقامة لهما، ولأنها لا تعرف العربية ولا الإنجليزية حرر زوجها توكيلا عاما شاملا بالبيع للنفس وللغير، ومن خلاله يستطيع التصرف فى جميع أملاكها وبيعها، وعند علمها بنصب زوجها حررت محضرا فى شهر أغسطس الماضي.

«ماريا وأكسانا» حالتان لأجانب من مدينة واحدة فقط بمحافظة البحر الأحمر، التى يبلغ تعداد سكانها٣٥٧ ألف نسمة، ويتردد على مكاتب الشهر العقارى بها أجانب كُثر، نظرا لطبيعتها السياحية، مما يتطلب طبقا للكتاب الدورى بالشهر العقارى برقم ٣٣٩ لعام ٢٠٠٦ و٧٣ لعام ٢٠١٠ توفير مترجم من قبلها أو اللجوء لمترجم معتمد من الخارج.

مشاجرة نشبت بين محمد سعد، موثق شهر عقارى الغردقة مع «أ. خ» أحد المترجمين المترددين عليه أثناء اصطحابه لأجانب بولنديين لترجمة توكيل لهم، تنتهى بالزج بالموظف وراء القضبان وخروجه بكفالة ألف جنيه بسبب طلب إثبات هوية المترجم الرسمية والتأكد من قانونية ممارسته الترجمة للغة البولندية وفق ما يوجبه القانون، لينهال عليه بالضرب فى واقعة بتاريخ ١٨ نوفمبر الماضي، ما يوضح ضرورة وجود مترجمين معتمدين من المصلحة، خصوصا فى محافظة البحر الأحمر بحسب «سعد» لتفادى السماح للمترجمين خارج المصلحة باستغلال الأجانب والنصب عليهم، لافتا باستياء إسناد المصلحة أعمال إدارية للمترجم بمكتب الغردقة فى واقع يصفه بالمتناقض

سقطة في التسجيلات العقارية

بعد ثلاثين عاما من العمل قرر المهندس أحمد عبدالحميد شراء قطعة أرض بمركز منشأة القناطر، عله يؤمن حياته وأسرته، فالأرض التى تبلغ مساحتها ٢٢ قيراطا اشترى منها المهندس ١٧ قيراطا واشترى آخر ٥ قراريط، فأراد المهندس تقديم طلب لتسجيل أرضه بالشهر العقاري، ليفاجأ من الموظف بأن المحامى المشترى للخمسة قراريط من الأرض قدم طلبا لتسجيل الأرض كاملة وليس على نصيبه فقط.

فظن أحمد سوءً فى مالك الأرض فربما باعها مرتين، فهرول له مسرعا ليؤكد له كذب ظنه، وأعطى له نسخة من توكيل بيع الأرض للطرف الثانى بخمسة قراريط فقط.

ليذهب بعدها لمكتب الشهر العقارى ويقدم الوثيقة التى حصل عليها، ليرده الموظف خائبا بقوله، إنه وفقا لمادتى ١٨ و١٩ لتعليمات الشهر العقارى لا يوجد ما يسمح لرئيس المكتب بالاستعلام عن عقود البيع أو توكيلات العقار المراد تسجيله، الأمر الذى يسمح لأى شخص تقديم طلبات التسجيل لأى عقار، وسيستمر الطلب المزور حتى نهاية الإجراءات ثم يتوقف فقط عند التصديق على الطلب فى مكاتب التوثيق.

٩٠٠ ألف جنيه كنت معرضا لخسارتها لولا الصدفة بتقديمى طلب تسجيل للأرض فى نفس توقيت تقديم المحامى لهذا الطلب وكشف لعبته، هكذا اختتم المهندس أحمد كلامه.

ولم تقف حيل المزورين لهذا الحد، بل وصل بهم الدهاء إلى الاستيلاء على أراضى متوفين وأجانب بتوكيلات مزورة، فيحكى الموثق «أشرف. ش» بالجيزة عن اكتشافه لمزور يدعى «عبدالله. أ» قدم طلبا لتسجيل قطعة أرض بالمنوفية، انتابه الشك خلال فحص الأوراق، لأن تاريخ ميلاد البائع منذ عشرينيات القرن الماضي، واكتشف من خلال قضية صحة ونفاذ عن طريق المحكمة أن البائع توفى سنة ١٩٥٧- حصلنا على نسخة من شهادة الوفاة.

ولم يكتف المزور بتزوير العقد والتوكيل، بل زور إعلان البائع بقضية «صحة ونفاذ» فى المحكمة أيضا،فالمحضرون أعلنوا ميتًا.


مكاتب غير آدمية

تردى الأوضاع هو السمة المشتركة، التى رصدناها خلال زيارة عشرة مكاتب توثيق بخمس محافظات.

فأول ما يقابلك بدخول مكتب الشهر العقارى بشبرا الخيمة الازدحام الشديد، فأشخاص كُثر تلتف حول مكتب متهالك يجلس عليه موظف لا يتسنى لك رؤيته، كل ذلك محفوف بحوائط ذات لون كئيب مختلطة برائحة كريهة تنبعث من الأركان، ولكى تحرر توكيلا واحدا عليك أن تصعد السلم مرارا لكثرة الإجراءات، تشابهت الأوضاع فى مكاتب المنصورة وروض الفرج وشمال القاهرة وأكتوبر فرداءة المكاتب لا تدل على أن الجالس عليه من حملة الماجستير والدكتوراه.

أما مكتب العاشر من رمضان فلم تخفف ميكنته حدة الزحام، فبعض المواطنين منتظرن منذ الفجر أمام المكتب، بالإضافة لنقص دائم فى الورق، وأحبار الطابعة المعطلة عن العمل لغياب الصيانة، ويوجد ١١٠ مكاتب مميكنة فقط من إجمالى ٤٥٠ بحسب تقرير لوزارة العدل، ولا توجد شبكة تربط بين جميع المكاتب للاستعلام عن أصل التوكيلات.


موظفون أقل وأعباء أكبر

بنطال وسترة متواضعة لرجل يقابلنا بابتسامة باهتة، ويرحب بيد مهتزة، يرتدى نظارات طبية تدارى عينين ذابلتين، تتناقل نظراته بيننا وبين أوراق يخطها دون توقف، يعرفنا على نفسه كرئيس مأمورية مكتب ميت غمر، يحكي: «أقوم بجميع الوظائف فى آن واحد» باستثناء ثلاثة أيام أسبوعيا يأتى فيها موثق منتدب». ويكمل بصوت يائس بعدما بلغت من العمر أرذله أكافأ باتهامى فى قضية تزوير توكيل بيع سيارة بسبب انتحال أحد الأشخاص لشخصية أخيه، ليُحرر ضده محضرا برقم ٦٤٦ لسنة ٢٠١٧ بميت غمر. مشهد يتكرر كلما دلفنا إلى أحد مكاتب الشهر العقاري، مكاتب متراصة ومقاعد تخلو من الموظفين، عدا بضع منهم يتولون مهام عديدة ليسدوا العجز بلا طائل، ووجوه تعلوها علامات الإجهاد من العمل المتواصل.

أما بقية المكاتب التى زُرناها بخمس محافظات فلم يتعد عدد الموثقين الثلاثة، ففى زيارة لمكتب توثيق أكتوبر بجوار المحكمة وجدنا أن أغلب الموظفين تتعدى أعمارهم الخمسين وقاربوا على الإحالة للمعاش. يعانى قطاع الشهر العقارى من قلة عدد الموظفين، وخصوصا الموثقين، فيبلغ عدد العاملين فى الشهر العقارى ٩٦١٢ فى عام ٢٠١٦، ثلثهم فقط موثقون، أى حوالى ثلاثة آلاف موثق يخدمون ١٠٤ ملايين مواطن. بينما أُعلن عن مسابقتين لتوظيف الموثقين فى عامى ٢٠١٤ و٢٠١٦ وتم إلغائهم، وحكمت المحكمة الإدارية ببطلان مسابقة وزارة العدل فى ٢٠١٤.


"مراحيض" لحفظ التوكيلات

بدورة مياه السيدات اصطدمت قدمى بجسم صلب، لأتبين ملفات حفظ التوكيلات، وتصدمنى أوراق وثقت ملكية مئات المواطنين فى دواليب لحفظها تطالها المياه تارة وتطالها يد العبث دون عناء تارة أخري

وبسؤالنا عرفنا بوجود دواليب حفظ أيضا فى حمام الرجال، وكذلك الأمر فى مكتب المطرية، بالإضافة إلى انتشار دواليب الحفظ بطرقات الشهر العقاري ذاته

بينما فى مكتب روض الفرج كانت الملفات التى يُكتب فيها أرقام التوكيلات ملقاه بإهمال على الأرفف بمتناول الأيدي، وبعض توكيلات وبيانات شهادات السيارات ملقاة فى صندوق بالطريق، وتشابه الحال فى أغلب المكاتب الأخرى، والذى يعد انتهاكا وتعريضا لأملاك الغير للضياع بحسب مختار البابلى، رئيس نادى الشهر العقارى، لافتا أن غرف الحفظ يحفظ فيها أصل التوكيلات، بينما يأخذ المواطن صورة فقط، وتكمن أهميته فى حالة وجود قضية فى توكيل مزور يُطلب استخراج صورة طبق الأصل، وإن ضاعت أو تلفت تلك التوكيلات تضيع حقوق الناس وأصول أملاكهم، لذا أصبح بالضرورة وجود أرشيف إلكتروني.




لا تتناسب أوضاع المكاتب مع الإيرادات التى يجمعها الشهر العقاري، فوفقا لتقرير وزارة العدل فى فبراير ٢٠١٧ ساهمت إيرادات مكاتب الشهر العقارى فى ضخ مليار و٨١ مليون جنيه.

وحصلنا على صور من إيرادات ثلاثة مكاتب مختلفة، وبلغت إيرادات المكتب الأول (٤٣،٣٩٠) جنيه، والثاني(٣٠،٤٣٢) جنيه، والثالث (٢٨،٠٦٥) جنيه، وذلك فى اليوم الواحد، فإذا ضربنا إيرادات المكتب الأول فى عدد أيام السنة سيتعدى إيراد المكتب ١٥ مليون جنيه.


مطالب مشورعة

من خلال الاستبيان الذى أجريناه وجدنا أغلبية الموظفين يريدون إقرار مشروع قانون «حماية الملكية العقارية والتوثيق»، وأهم ما جاء فيه إلغاء مصلحة الشهر العقارى وإنشاء هيئة مستقلة بميزانية خاصة بها، وأن يصرف نصف الرسوم التى تُحصَّل من الشهر العقارى على اختصاص الهيئة من أعمال، وتسجيل جميع العقارات وتخفيف الإجراءات المعقدة.

بينما اشترط على مكاتب التوثيق، انتهاء التوكيلات الموثقة أو المصدق عليها بمُضى خمس سنوات منعا لتزويرها، ويستثنى من ذلك التوكيلات التى تعطى حق التصرف والبيع فى عقارات محددة.

الطب الشرعي وثغرات التلاعب

«أصل الأختام ومضاهاتها بالممهورة على التوكيلات محل الطعن، والاستكتاب لمطابقة الإمضاء بالتوقيعات على الأوراق الرسمية» هى وسيلة الطب الشرعى لإثبات التزوير، بحسب «د» أحد خبراء الطب الشرعي-طلب عدم ذكر اسمه. واستخدام أنواع مختلفة من العدسات المكبرة والميكروسكوبات الضوئية وأجهزة فحص المستندات هى طرق جديدة يعتمدها خبراء الطب الشرعى للكشف عن المحررات المزورة منها، بالإضافة إلى لجوئهم إلى فحوصات معملية كيميائية واستقطاع جزء من المستندات ووضعها فى المحاليل فى حالة فحص المستندات شديدة التعقيد، كما أوضح لنا «د. أ».

ويتابع حديثه: يأتى هذا بعد أن تُحال التوكيلات المزورة لإدارة مكافحة التزييف والتزوير بالطب الشرعى لفصحها، ففى البداية يبحثون عن أصل التوكيل فى الشهر العقارى إذا كان مسجلا أم لا، وغالبا يكون التزوير إما ببطاقة مزورة ويسجل فى الشهر العقارى أو يُزور خارجه.

وأكد الخبير على طرق التزوير التى وضحها «المزور» عند اتفاقنا معه، وشدد على منع بيع نماذج التوكيلات فى الشهر العقارى دون التأكد أنها لن تستخدم خارجه، حيث تعتبر مادة جاهزة أصلية يتلاعب بها المزورون.

ولكن الكارثة رصدنا لنماذج التوكيلات بمكتب شهر عقارى أكتوبر لا تُباع بداخل المكتب، بل عليك أن تشتريها من مكتبة تبعد عنه بحوالى عشرين مترا.

وهنا تكن الكارثة وخطورة تزوير إرادة ١٠٤ ملايين مواطن خلال الانتخابات الرئاسية حيث يلزم لكل مرشح ٣٠ ألف توكيل لقبول ترشحه.

اختلاف نتائج تقارير الطب الشرعى كادت أن تودى بموثق مكتب السادس من أكتوبر «محمد. أ» ٤٧ عاما إلى السجن، فبعد تحرير توكيل بيع لأرض بجمصة بجواز سفر مُزور، رفع المجنى عليهم محضرا برقم ٢٨٨ لسنة ٢٠١٦، فيتراءى الأمل أمام محمد ويصدر تقرير من طب شرعى المنصورة بأن التوقيع على التوكيل ليس توقيعه، ليُسلب منه من جديد حين يطعن المجنى عليهم على التقرير، ليُحال للطب شرعى القاهرة ويخرج تقرير جديد ينسب الإمضاء إليه.

وتختلف الآراء الفنية حول الخط الواحد، فربما يصل خبير لنتيجة لما وجده من ظواهر وأدوات ويجد الخبير الآخر نتيجة مختلفة، وفى هذه الحالة يحال الأمر إلى لجنة خبراء ثلاثية يعيدون فحص المستندات من جديد وترجيح النتيجة الأصح، ولكن فى قضية محمد لم تتكون لجنة جديدة لفحص إمضائه مرة ثالثة وحُكم عليه بسنة مع وقف التنفيذ، بحسب تعليق خبير الطب الشرعى على الواقعة.



وزير العدل ينفى بروتوكول الـ«باركود» ويعد بميكنة المكاتب

من خلال مواجهة مع وزير العدل حسام عبدالرحيم، للرد على التحقيق، قال إنهم أصدروا كتابا دوريا حديثا للشهر العقارى وتعليمات لتفعيل البصمة بالإصبع على التوكيلات، للحد من التزوير، وخصوصا المعتمدة على البطاقات، وبرغم تأكيد رئيس نادى الموثقين بوجود برتوكول تعاون بين وزارتى العدل والداخلية لتوفير أجهزة باركود بمكاتب الشهر العقارى، للكشف عن بطاقات الرقم القومى، لكن وزير العدل نفى توقيع هذا البرتوكول قائلا: «إن الوزارة مستعدة للتعاون مع كافة الوزارات».

أما عن ميكنة الشهر العقار قال، إنها تتطلب خطة شاملة تبدأ من تجهيز المبانى لتوفير المعدات اللازمة، بينما نفذت الوزارة ميكنة أكثر من ١١٠ مكاتب شهر عقارى ولم يتبق سوى ٢٠٠ مكتب فقط، وستشمل ميكنة جميع مكاتب الشهر العقارى خلال عام ٢٠١٨، لكنها متوقفة على توفير النفقات لارتباطها بالموازنة العامة للدولة.

وعن استخدام إيرادات الشهر العقارى فى تطويره، قال إن إيرادات الشهر لا تُنفق على تطويره، ولكن يدخل ضمن موازنة أبنية المحاكم، بينما تُضخ أغلب إيراداته إلى خزينة الدولة ولا تستطيع الوزارة أن تتصرف فيه.

وبخصوص إغلاق المستشار ممدوح طبوشة، مساعد وزير العدل لشئون الشهر العقارى الهاتف فى وجه معدة التحقيق فور علمه بأنها محررة بجريدة «البوابة»، قال وزير العدل إننا نحترم الإعلام المصرى وجميع مساعدى الوزير على خلق، وربما يكون شخصا آخر قام بهذا الفعل.


عقوبات رادعة لقوانين مترهلة

نوثق شهادة محامية الجنايات دعاء عصام بخصوص عقوبة التزوير فتقول: تنقسم إلى جزءين، وهما تزوير واستعمال محرر رسمي، وعرفت المادة- ٢٨٦- من قانون العقوبات التزوير، بينما تحدد عقوبته من المادة ٢٠٦ وحتى المادة ٢٢٢، وأيضا مادتى ٢٢٦ و٢٢٧.

وتنص المادة «٢٠٦» يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن كل من قلد أو زور شيئا من الأشياء الآتية، سواء بنفسه أو بواسطة غيره، وكذلك كل من استعمل هذه الأشياء أو أدخلها فى البلاد مع علمه بتقليدها أو بتزويرها وهذه الأشياء هى أمر جمهورى أو قانون أو مرسوم أو قرار صادر من الحكومة، خاتم الدولة أو إمضاء رئيس الجمهورية أو ختمه كذلك ختم أو تمغة مصلحة حكومية أو أوراق مرتبات الموظفين، تزوير دمغات الذهب او الفضة».

ضحايا جمعتهم القضية ذاتها «تزوير توكيلات» واختلفت قصصهم، فينتظر «علي» فى الإسكندرية مصير مجهول قد يودى به إلى السجن، وعاد القلق ينهش عقول الموثقين الخمسة ببنها بعد نقض النيابة حكم البراءة، بينما تحاول الأجنبية «اكسانا» استرجاع أملاكها الضائعة على أرض مصر، وتترقب «سارة» خلف أسوار سجن النساء أى أمل يغير مسار القضية، تقول إنها بريئة وقعت فريسة عصابة من المزورين، ولكن هل سيبرئهم القضاء؟

أنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف الوحدة الاستقصائية بـ"البوابة نيوز"

مشرف الوحدة: أسماء محمد السيد