الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدرس لم ينته.. يا ترامب! "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يجدر بنا بعد صفعة الأمم المتحدة الأخيرة لترامب وقراره بفضل تحركات الدبلوماسية المصرية أن نتذكر جهود نفس الدبلوماسية العريقة فى مفاوضات كامب ديفيد وخصوصا جهود المرحوم العبقرى الدكتور أسامة الباز الذى يعتبر أقدر واضعى الصيغ السياسية والقانونية فى العالم، ولا يعرف الناس أيضًا أن المؤتمر شكل لجنة تضم عددا كبيرا من علماء اليهود الذين حضروا إلى مصر (لدراسة سيناء) وقابلوا وقتها اللورد كرومر المندوب السامي، وأبدى تعاطفه لمطالب اليهود.
أعود بكم إلى الجهد الذى بذله الباز بعيدًا عن الأضواء فى إحكام الصياغة التى سبقت عقل بيجن المتحدث ومعاونيه من خبراء الصياغة، وكان الرئيس السادات فى أملك مواقف حياته ولولا أسامة الباز لفشلت عملية السلام بعد أن حزم حقائبه عائدًا إلى القاهرة بعد نفاد صبره من هذه المحادثات الصعبة المضنية، وبفضل هذا الدبلوماسى الذى رفض المناصب بل رفض أى مزايا رئاسية والغريب أن المكافأة هى (ركنه) فى مكتب نائب الريس بلا إختصاص.
بفضل أسامة الباز فقد وضع عبارة الدولة الفلسطينية على أول الطريق وكان بمثابة الصقر المصرى فى وفد التفاوض الفلسطيني.
استطاع هذا الخبير أن يقوم بإدراج (القدس) كموضوع فى المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وأجبر إسرائيل على (بقاء القدس) محل خلاف، وعبارة محل خلاف فى حد ذاتها تعنى أنها موضوع لم يحسم بعد، أى أنها موضوع مفتوح للمفاوضات، وقال لى أنيس منصور إن صحيفة معاريف الإسرائيلية قالت إن هذه العبارة تعنى ضياع القدس من أيدينا، وبالفعل عندما أبلغ مناحم بيجن كتلة الليكود وقتها، إن كل شيء قابل للتفاوض، سألته هذه الصحيفة.. والقدس أيضًا.. فتهرب من السؤال بغباء، حيث قال (والقاهرة أيضًا) وقيل له لكن القاهرة بالطبع ليست محل تفاوض اليوم، وإن كانت إسرائيل مطالبة اليوم بالتفاوض حول القدس، بل المساومة عليها، فالموافقة على التفاوض حول القدس يعنى من وجهة نظر إسرائيلية أى أنها قابلة للمساومة.
هكذا فإن ترامب وضع كل هؤلاء القادة الإسرائيليين فى قفص الاتهام بتهمة الخيانة العظمى للقضية، فقراره يعنى أنه أدانهم بالتباطؤ بعد حرب ١٩٦٧ مـ فى عدم إصدار قرارات بمصادرة الأراضى ومنح حقوق قانونية للاستيطان فى قلب أحياء المدينة المقدسة بالقدس، كما أن قيام الفلسطينيين بالبقاء وسكوت سلطة الاحتلال أدى إلى إنشاء مركز قانوني مستقر، وإن عدم إغلاق مكاتب السلطة يؤكد أنهم أصحاب سيادة على الأرض، فالقدس هى على مائدة التفاوض فى مرحلة التسوية النهائية، سواء قبل ترامب أو رفض!
ونقول لهذا الرجل الذى يجلس على رئاسة الولايات المتحدة، هل أنت أكثر حرصًا على مصلحة إسرائيل أكثر من مناحم بيجن؟ فلماذا لم ينفذ بيجن قانون ضم «الجولان» بينما أنت وعلى الطرف الآخر من العالم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ؟!
ونتيجة هذه الحماقة الغبية فى السياسة الأمريكية ليست فقط مشاعر الاستنكار، أو الاستغفار، ولكن قبلهم الازدراء والاحتقار! فقد ضاعت من ساحة التفاوض بفضل أفكارك «أطروحات الأرض مقابل السلام» وحتى أطروحة نتنياهو «الأمن مقابل السلام» وضاعت أطروحة «إجراءات بناء الثقة» وضاعت بفضلك أحلام الشرق أوسطية، وجميع الصادرات الأمريكية من الشعارات التى لاقت رواجًا تسويقيًا فى المحافل السياسية العربية فقد فقدت صلاحيتها، هذه نتيجة تهدرك وإصدارك قرارًا ليست له مقومات وقرارات تصدر من رجل دولة لرئيس دولة كبرى، فهو ليس صراع حدود لكنه صراع وجود كما أجمع الساسة.
كان الدرس الأول الذى لم ينته أنه أصبح أمام الدوائر السياسية والإعلامية والرأى العام الأمريكى التأكيد على أن الثوابت الوطنية والقومية والعقيدة غير قابلة للتفاوض من حيث المبدأ، والدرس الآخر الذى لم ولن تفهمه وصور لك غرورك بالباطل أن المقدسات أمر يقبل القسمة! بل تأكدتها ولا تقبل الطرح، أو حتى الضرب! وهى وحدة واحدة لا تعرف (التبعيض)!
آخر حصة لن تفهم معناها أنك عرضت بلادك لكى يسحب العالم منها أطروحة متداولة منذ سنوات «أن ٩٩٪ من أوراق اللعبة فى الشرق الأوسط فى يد أمريكا» وكان العالم يتعامل على هذا ويقدر دورها، لكن بفضلك أصبحت لا تملك إلا شيئًا واحدًا، أنك تلعب على الساحة وفى يدك فقط (الثلاث ورقات) وهى لغة لا يقبلها العالم لأنها لغة غير قانونية يتقنها فقط المقامرون؟!