الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا نُعلم؟ كيف نُعلم؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الأقصر المدينة النظيفة والتى عمرت بحضور المرأة فى شوارعها ليل نهار ما أعطى انطباعًا لمدى ما تلقاه من احترام وتقدير وحسٍ بالأمان، تسنى لى أن أكون رفقة باحثين وخبراء عرب فى مجال الفلكلور، والانثربولوجيا، والفن التشكيلي، والمسرح، والشعر، والتاريخ، والجغرافيا، وعلم الاجتماع، كتبوا جميعهم رؤيتهم حول آليات إدماج الثقافة الشعبية فى المناهج التعليمية من خلال تخصصاتهم وعلاقتها بالتراث الشعبي، ضمن الملتقى الدولى السادس للفنون الشعبية، وكان محوره الرئيس التراث الثقافى (غير المادي) والتعليم برعاية المجلس الأعلى للثقافة، وقد صمم شعار الملتقى الفنان المبدع محمد بغدادي.
بقصر ثقافة الأقصر كنا، طوال أيام ثلاثة صباحا ومساء، ولأربع جلسات يومية قُدم فيها ما يقارب من اثنين وخمسين بحثا من: مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ولبنان والأردن وسلطنة عمان والسعودية والإمارات والبحرين والعراق، وحسب مراجعة متفحصة من د. خالد أبوالليل فإن ست وثلاثين منها قاربت برؤية عربية صلب الموضوع المطروح المعنى بآليات أو سياسات إدماج الثقافة الشعبية بمناهجنا التعليمية عروضا مقترحة أو تجارب جرى تطبيقها، فيما طرحت أوراق إشارة اليونسكو ودعواته المتكررة منذ السبعينيات (القرن الماضى ) لضرورة تعزيز العلاقة بين التراث الثقافى الشعبى والتعليم.
وكنت طرحت فى ورقتى البحثية بالملتقى وتحت محور «تعليم التراث الثقافى غير المادى بين النظرية والتطبيق: ماذا نُعلِّم؟ وكيف نُعلِّم؟ تجارب وخبرات»، بحثًا تطبيقيًا بعنوان: الحكايات الشعبية كمفردة منهجية، رياض الأطفال نموذجًا، ومن واقع تجربة خضتها بإحدى رياض الأطفال بمدينة طرابلس، إذ حكت لى مديرة الروضة الخاصة، وهى صديقة، عن تكرار سنوى يحصل فى يوم عيد الطفل العالمي، يتم توزيع الحلوى والهدايا ويُترك الأطفال بالحديقة يلعبون مع بعضهم البعض، وماذا بعد؟ هكذا يمر تقليد المناسبة كل سنة، عام ٢٠٠٩ خمنت فى مشاركة أطفال تلك الروضة عيدهم، حاملة معى زوادتى من بعض حكايات شعبية جمعتها أثناء دراستى العليا وأصدرتها بكتاب حمل عنوان «ياحجاركم يا مجاركم حكايات شعبية للصغار والكبار (٢٠٠٦)»، وبعد أن أكملت صديقتى مديرة الروضة ومعلماتها توزيع الهدايا والحلويات ناديت الأطفال أن تعالوا لنعرف ما الذى جرى للفأر شبيشبان مع زوجته الخنفساء، فهب الأطفال صوبى مستغربين فضوليين، وكانت الحكاية مُغناة وبها تيمة أساسية « شبيشبان اللى طاح فى القدر ما بان طبخ كيف طبخ العُصبان « وهو الفأر الذى تعجل معرفة ما طبخت زوجته وقد جذبته الرائحة الشهية (العصبان = المونبار) فسقط فى القدر، فيتشارك الجيران والأصدقاء حزن زوجته عليه لكن الحكاية تجعل حصاد العجلة الندامة، كما والمشاركة الوجدانية دليل تعاضد ومساندة، وفى الحكاية لكل جار مهنة يتركها لأجل مساندة زوجة الفأر، ما يُعلم الأطفال مهنًا مختلفة من محيطهم، ساعة أنهيت الحكاية ورويتها للأطفال بشكل مسرحى دخلنا غرفة الرسم وسلمتهم معلماتهم أوراقا بيضاء ليرسموا ما يتذكرون من شخصيات الحكاية: الفأر، الخنفساء، حاملة الجرة، شيخ الجامع، أطفال الكُتاب، راعى الأغنام...وهكذا، انسجم الأطفال مع الفكرة وجلسوا بمقاعدهم رفقة هداياهم، وكنت أمر عليهم وأسألهم رأيهم فى الحكاية ومن أعجبهم فيها، كانت إجاباتهم تركز على قيم الحكاية بالاستئذان من والدتهم ساعة دخول المطبخ، كما وسؤالهم عن أصدقائهم، وبعضهم احتج على الفأر لأنه يستعجل ولا ينتظر أن تقدم له زوجته الطعام...!
فى خطتى تخصيص براح قد يكون حصة أسبوعية حرة برياض الأطفال توظف فيها الحكايات الشعبية كمادة تربوية تغرس القيم المنشودة، وتحرك مخيلتهم والتى هى ما يميز هذه المرحلة العمرية.
كان لجمال الأقصر وأجوائها السياحية ما خفف من دسامة ما شهدنا من جلسات ومناقشات معمقة، فقد تجولنا فى شوارعها الرئيسة وأسواقها، كما زيارة معبد الاقصر، ومعبد الكرنك، وركوب العربة ( الحنطور)، ومشاهدة عروض مهرجان التحطيب، والعرض المسرحى لفرقة أولاد البلد.. وكان لرحابة أهلها وحفاوة استقبال وعروض فرقة الأقصر للفنون الشعبية لنا، ما يجعل التطلع لأن نحتوى فنوننا الشعبية وتراثنا بمختلف صنوفه، ونُعرف النشء بها وننتقى ونغترف الملائم والمناسب منها لتكون زادهم فى رحلتهم التعليمية.