الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدرس لم ينته.. يا ترامب! "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المغامرون مثل المقامرون، لا يكسبون لكنهم فى كل الأحوال خاسرون.
إدارة شئون الأمم تختلف عن إدارة محل القمار حتى ولو حقق الصندوق الانتخابى له نصرا جبارا؛ حيث رفس فيه الفيل منافسه الحمار!
إدارة الأمم ليست بالهوى ولكن بالعقول؛ لأن المندفع يتحول فورًا من عالم النجومية إلى غيابات الأقاويل!
لقد صور الغرور للرئيس الأمريكى ترامب أن العالم الإسلامى والعربى مجرد ظاهرة صوتية، لكن عليه أن ينتظر الدرس الحقيقى ليتأكد أن هذا العالم يمثل ظاهرة ضوئية!
إن ردود الفعل ليست مجرد فورة أو ثورة، لكن ستكشف لك يا صاحب هذا القرار، القرار والعورة!
إن العالم العربى والإسلامى يفتقر الآن إلى إسهام ورؤية أستاذنا الكبير الكاتب الموسوعى بكل اللغات أنيس منصور، وأتخيل أنه فى ضوء ما أعرفه عنه كصديق غالٍ عزيز؛ فهو آخر الظرفاء فى مصر، وأسرع قلم يترجم ما فى العقل من معلومات يضعها بحرفية على الورق، لو كان بيننا لقام بتلقينه درسًا من واقع معايشته داخل دائرة صناعة القرار فى كل ما يخص القدس تاريخيًا وحضاريًا ودينيًا وثقافيًا وفكريًا ومنهجيًا، كان يجيد خمس لغات بالإضافة إلى العبرية، وتعايش مع الرئيس السادات المشكلة فى مطبخ الأحداث؛ حيث كان يأتنس برؤيته الثاقبة من البعد الثقافى والحضارى والمنهجى وإلمامه بأبعاد القضية، خاصة أنه طاف بأمر الرئيس جمال عبدالناصر مصر كلها صعيدها ووجها البحرى بمعرضه «اعرف عدوك» عقب هزيمة ١٩٦٧م، وتعايش مع الساسة الإسرائيليين صقورهم وحمائمهم، الرواد الراديكاليين الأصوليين وفى مقدمتهم مناحم بيجن وموشى ديان وإسحق رابين وعيزرا فايتسمان وشيمون بيريز وأبا أيبان وإيريل شارون السفاح، وعلى الجانب الأمريكى من جيمى كارتر وهنرى كيسنجر وما بعدهما، وروى لى أستاذنا الكبير أنيس منصور مئات الوقائع حول أطراف النزاع، وكنت أسجل أمامه هذه الوقائع فى نقاط، أو فى الذاكرة، وبجو المرح الذى يشيعه ويشعر له الجالس مع كاتبنا الكبير، بأنه رافق إيريل شارون، وهو من عتاة الصقور وغلاتهم؛ فهو يجمع بين العسكرية الصلبة فى المدرعات، والغلظة دون أى تنازلات، ورائد التشدد ومنهجه حلم إسرائيل الكبرى.
قال أستاذنا أنيس منصور إن الرئيس السادات كلفه بمرافقة شارون فى زيارته إلى مصر للتعرف على حدود رؤيته النظرية فى القضية، وهذا يعين الرئيس فى اتخاذ قراره، وكان من بين البرنامج زيارة للإسكندرية فأقاما فى فندق (شيراتون)؛ لأنه يرفض هو وجميع الصقور الإقامة فى فندق «فلسطين»؛ لأن مجرد الدخول من بابه اعتراف بفلسطين، وقال إننى وجدت هذه الشخصية العنيفة الوحشية يحضر إلى إقامتى ويبكي، وتساءل أستاذنا الكبير وهو أمر طبيعى: كيف يمكن أن يتحول صاحب الوجه الجرانيتى والقلب الفولاذى الذى لا ينفذ إليه أى شعاع عاطفي، واتضح له أن أمه لقنته درسًا قاسيًا فى الصهيونية، وذكرته بأرض الميعاد؛ فإن تربيتها «توراتية.. تلمودية.. صهيونية»، تحفظ عن ظهر قلب بروتوكولات حكماء صهيون! وانتهز الكاتب الكبير الفرصة، وقال له بلهجة استنكارية: تبكى مثل الأطفال من مكالمة تليفونية، ولم يحرك فيك أى شعور يوخز تجاه برك الدماء التى تحيط بالمسجد الأقصى، ويبدو أنه تحركت فى شارون مشاعر السياسى، وخشى أننى أستدرجه لنقاش حول القدس العربية! فأنتقل بالحديث بذكاء للحديث عن خبرته فى الزراعة!
فعندما كنت أتحدث مع أستاذنا أنيس منصور عن السلام؛ فيقول إن مرجعية كامب ديفيد التى أهدرتها العقلية العربية أدخلت القضية فى نفق مظلم، وفى رأيه أن أطراف الاتفاق جيمى كارتر؛ فهو صاحب عقيدة إنجيلية فهو قسيس بدرجة رئيس، وأنور السادات مقاتل شجاع يؤمن بأن السلام هو واقع وليس اختراعا، ومناحم بيجن صهيونى يهودى الملامح، تاريخ حافل فى بناء إسرائيل وتدبير المذابح، وهذا يعطى انطباعًا أن كل من يزايد فى مجاملة إسرائيل ساذج، بل إنه يدين قادة إسرائيل بالغباء والتخلف، وإنه يضعهم أمام محاكمة تاريخية بتهمة التفريط فى حقوق إسرائيل.