الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القدس.. بيت المقدس "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكرنا فى المقال السابق أن العبرانيين هم من عبروا نهر الأردن بعدما تركوا موطنهم الأصلى فى مدينة «أور» العراقية، ليستقروا على حدود أرض كنعان التى بها بيت المقدس، وكان على رأس هؤلاء العبرانيين نبى الله وخليله إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة، وكانوا جميعا من البدو الذين يعملون رعاة للأغنام، وقد أنجب إبراهيم ابنه الأكبر إسماعيل من زوجته هاجر بعد عودته من رحلة قصيرة إلى مصر، ثم أنجب ابنه الثانى «إسحاق» من زوجته الأولى سارة، وترك إبراهيم هاجر وإسماعيل فى مكة وسارة وإسحاق فى أرض كنعان، وقد أنجب إسحاق بعد ذلك ابنه «يعقوب» الملقب بـ«إسرائيل»، أى عبدالله، والذى أنجب بدوره اثنى عشر ولدًا، وهم نبى الله يوسف وبنيامين وروبين ويهودا ولاوى وشمعون وزيالون ويشجر ودان ونفتالى وجاد وعشير، وقد هاجر يعقوب وأبناؤه إلى مصر بسبب وجود يوسف عليه السلام هناك، والذى شغل منصبًا مهمًا بها يعادل الآن وزير المالية، وعاش بنو إسرائيل فى مصر مدة وصلت إلى أربعمائة وثلاثين سنة، عانوا فى نهايتها اضطهاد فرعون لنبى الله موسى الذى هو حفيد لاوى بن يعقوب، فقرروا الخروج من مصر والعودة إلى أرض كنعان، لكنهم عاشوا سنوات التيه فى سيناء، والتى بلغت أربعين سنة مات خلالها موسى عليه السلام ليتولى تلميذه يوشع قيادة بنى إسرائيل، ويدخل بهم إلى أرض كنعان، والتى كان بها لفيف من الكنعانيين والفلسطينيين الذين هم قبائل يونانية كانت قد أتت عبر البحر واستقرت فى أرض كنعان وامتزجت بأهلها وتزاوجوا فيما بينهم فكونوا نسيجًا واحدًا لشعب يعيش على أرض كنعان، ولكن يوشع انتصر عليهم واستطاع الدخول ببنى إسرائيل إلى أرض كنعان، وأعطى لكل سبط من بنى إسرائيل قسمًا من الأرض التى دخلها وجعل على كل سبط رئيسًا أو قاضيًا يحتكمون إليه، وبعد وفاة يوشع دب الخلاف بين الأسباط وبعضهم البعض، واستمر الأمر لأكثر من ثلاثمائة سنة، حتى جاء شاؤول كما فى الأدبيات والنصوص اليهودية أو طالوت كما فى النص القرآنى، والذى قرر توحيد قبائل اليهود مرة أخرى فى مملكة واحدة، وقد نجح طالوت فى تحقيق ذلك لكن المملكة لم تكتمل أركانها إلا فى عهد نبى الله داود، ثم ازدهرت ووصلت إلى أزهى عهودها حين صار سليمان بن داود عليهما السلام ملكًا عليها، ولكن بعد وفاته تنازع اليهود مرة أخرى فيما بينهم، فقرر رحبعام بن سليمان الاستقلال بدولة فى جنوب فلسطين سمّاها دولة يهوذا، وجعل بيت المقدس عاصمة لها، أما يربعام فقد كون دولة فى شمال فلسطين واختار السامرة عاصمة لها، وكان بين الدولتين عداء وقتال، وفى عام ٦٠٣ ق.م سقطت المملكة الجنوبية أو يهوذا فى يد مصر وتم الاستيلاء عليها حتى جاء حاكم بابل بختنصر لينهى الاحتلال المصرى ويطرد الفراعنة، وليحتل هو يهوذا ويدمر معبد أورشليم أو مدينة السلام أو بيت المقدس، لتنتهى بذلك من الوجود دولة يهوذا، ثم دارت الدوائر على بابل، وسقطت فى يد الفرس ليقرر ملكهم «قورش» السماح لليهود بالعودة مرة أخرى إلى بيت المقدس ولاقى اليهود على يد الفرس معاملة طيبة، وأصبحت يهوذا ولاية من ولايات فارس حتى استولى عليها الإسكندر المقدونى فى عام ٣٣٢ ق.م، ليطرد الفرس من أرض كنعان وتبقى البلاد تحت الاحتلال اليونانى، وقد عانى اليهود الاضطهاد اليونانى لهم لا سيما أنهم كانوا يتعاونون سرا وجهرا مع الفرس الذين هم العدو التاريخى لليونانيين، ونتيجة لهذه الممارسات قرر بطليموس هدم مدينة القدس ودك أسوارها، وقام بأسر مائة ألف يهودى، ثم أتى بعد ذلك الرومان ليحتلوا أرض كنعان وليدمروا المدينة مرة أخرى، وقد ثار اليهود على الحكم الرومانى فما كان من القائد تيتوس إلا أن أخذهم أسرى وبعثهم إلى روما، وهذا هو بداية الوجود اليهودى فى أوروبا، ولما تولى هارديان عرش الرومان حظر على اليهود دخول القدس أو ممارسة طقوسهم وتم تشريد وذبح الآلاف، وتشتت الأحياء منهم فى بقاع الأرض، وهو ما يعرف فى الأدبيات الإسرائيلية بالشتات، ومن هذا التاريخ تشتت اليهود فى بقاع الأرض ولم تعد ثمة صلة لهم بأرض فلسطين لمدة قاربت على ألف وتسعمائة سنة، حين قام تيودور هرتزل بالدعوة إلى إنشاء دولة لليهود فى فلسطين، وذلك فى عام ١٨٩٦، وكانت فلسطين عربية طوال هذه القرون، وقد حدث لها ما حدث من توالى الدول عليها من عرب وعجم ومن حملات صليبية ومن حكم عثمانى انتهى باحتلال إنجليزى، وأثناء هذا الاحتلال صدر «وعد بلفور» وزير خارجية بريطانيا لليهود، بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وبدأت الهجرات المنظمة إلى هناك حتى تمكن اليهود من تكوين دولة داخل الدولة، وبدأ الصراع العربى الإسرائيلى بعد إعلان دولة إسرائيل فى مايو ١٩٤٨، والذى أعقب قرارًا بالتقسيم أصدرته الأمم المتحدة فى عام ١٩٤٧، ورفضه العرب آنذاك، واليوم وبعد كل هذه السنوات وهذا التاريخ الطويل وهذه الحروب الضروس، اتفق العرب على الاعتراف بإسرائيل مقابل العودة إلى ما قبل ٦٧ وإقامة دولة فلسطينية على الأراضى التى لم تحتل فى ذلك التاريخ تكون عاصمتها القدس الشرقية، وكانت المفاوضات تسير بخطوات بطيئة ثقيلة نتيجة الانقسام الفلسطينى بين حماس والسلطة واستغلال إسرائيل لهذا الانقسام، فلما نجحت مصر أخيرا فى الإصلاح بين الطرفين وعادت عملية السلام مرة أخرى للحياة، إذ بالرئيس ترامب يقطع شرايينها بقراره المفاجئ، الذى سيعيد أى مفاوضات جديدة إلى نقطة الصفر، وسيضيف إلى جدول الأعمال بندًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل، وهكذا فقد جاء هذا القرار ليعرقل مسيرة السلام ويضرب بكل القرارات الدولية السابقة عرض الحائط، وتظل أمريكا وحدها على عنادها ضد كل أعضاء مجلس الأمن.