الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفكر العلمي عند سلامة موسى "1 - 2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زلت أرى أن الكاتب الجيد هو الذى تشعر بعد أن تقرأ له بأن ثمّة تغييرًا إلى الأفضل قد طرأ على عقلك ووجدانك، وتشعر أيضًا بعد قراءته أنك أصبحت إنسانًا جديدًا مختلفًا عما كنته قبل قراءته. وإذا صدق هذا المعيار على بعض المفكرين والكتّاب مرةً، فإنه يصدق على سلامة موسى مرات ومرات.
كان قلم سلامة موسى أشبه بالمحراث الذى يشق الأذهان ويحفرها ويهيؤها للزرع الجديد، كانت أفكاره –على حد تعبير كامل الشناوى– أشبه بمطرقة.. تقرع الرؤوس لتنبهها وتثير اهتمامها، وتنقلها من الخيال إلى الواقع، ومن الوهم إلى العلم، ومن الخرافة إلى الحقيقة.
ولعل هذا هو سبب اختيارى لسلامة موسى، ليكون موضوعًا لهذا المقال، إذ إن القضايا التى أثارها سلامة موسى منذ أوائل القرن العشرين، وخاض فى سبيلها شتى المعارك: كالدعوة إلى التقدم الحضاري، والعدالة الاجتماعية، وإقامة مجتمع الحرية والديمقراطية والرخاء، والعمل على سيادة التفكير العلمى والخروج من عالم الخرافة إلى عالم العقلانية والتحرر الفكري. كل هذه القضايا التى ناضل فى سبيلها سلامة موسى لا يزال أكثرها مطروحًا الآن، وبعضها مطروح ربما بإلحاح أشد مما كان عليه الحال فى زمن سلامة موسى نفسه.
ولكن من هو سلامة موسى؟
سؤال يجب ألا يستغربه أغلب المثقفين الذين تأثروا بالرجل وكفاحه، وتابعوا بالقراءة وأحيانًا بالكتابة مسيرته الفكرية. إن غرضى من طرح هذا السؤال هو الإشارة إلى مدى الغبن الذى وقع على هذا المفكر الكبير، فلقد تعرض فى حياته وبعد مماته لمؤامرة هدفها تغييبه عن عقول ووجدان الناس.
ولا أدل على ذلك من أنك إذا قلت طه حسين والعقاد، لما استعصى عليك أن تجد لدى محدّثك فكرةً عن مثل هذين العملاقين مهما كانت ثقافة محدّثك، حتى ولو كان من الأجيال الجديدة التى لا تكاد تعرف شيئًا عمن سبقهم. ولكنك إذا أردت أن تحدثه عن سلامة موسى، فلا بد أن يواجهك بهذا السؤال:
من هو سلامة موسى؟
ينتمى سلامة موسى إلى تيار حداثى يكاد يركز اجتهاده على تغيير وتجديد البنية الفكرية والثقافية كأساس للتحديث الشامل، وهذا التيار فى معظمه عصري، يرتبط بالمفاهيم والقيم الأساسية للحضارة العصرية. وهو لا يدعو إلى حضارة أخرى متميزة شأن التيار الدينى والقومي، وإنما يدعو إلى الامتزاج فى هذه الحضارة العصرية، مع مراعاة خصائصنا الذاتية والقومية كسبيل لتنمية هذه الذاتية والارتفاع بها إلى مستوى العصر. وقد بدأ هذا التيار الفكرى – كما يقول الأستاذ محمود أمين العالم – مع بداية القرن العشرين متمثلًا فى الجهود التنويرية الكبيرة التى قام بها «شبل شميل» و«فرح أنطون» و«إسماعيل مظهر» و«يعقوب صروف» وغيرهم. وسوف نتناول فكر سلامة موسى أنموذجًا لهذا التيار الحداثي. وسيقتصر حديثنا على الطابع العلمى لفكر سلامة موسى.
آمن سلامة موسى بقيمة العلم، فهو يقول فى كتابه التثقيف الذاتى (ص١٩٢):
«متى استطعنا أن ندرك أن كثيرًا من الارتباك الذهني، فى السياسة والدين والاقتصاد وغيرها، إنما يعود إلى أننا لا نعالج هذه الموضوعات بالطريقة العلمية، بل نتركها بما تراكم عليها من تقاليد وعادات تحول دون تطورنا ورقينا، عرفنا قيمة العلم».
لذلك أنفق سلامة موسى عمره كلّه فى تقريب الثقافة العلمية من مواطنيه وإيضاح أوجه الإفادة منها والانتفاع بها. وكانت الصحافة واحترافها وسيلته المثلى التى استطاع من خلالها التأثير فى محيطه، وحافظ على الطابع العلمى التثقيفى لمجلته الشهرية «المجلة الجديدة».