الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاستعمار الاقتصادي الأمريكي «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لقد أصبحت الهيمنة الأمريكية أمرًا لا لبس فيه بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصًا مع انعقاد مؤتمر بيرتون وودز، وبداية الحرب الباردة، وإطلاق مشروع مارشال بديلا عن «دبلوماسية السفن الحربية». غير أن الأثر القريب الحالى لـ«حديث الإمبراطورية» هو الموقف العالمى الذى تغير بعد الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وكما هو معروف فإن مصطلح «الحرب على الإرهاب» تم تصديره لإضفاء الشرعية على الحروب العسكرية لكل من أفغانستان والعراق. وتنعكس الروح العسكرية الأكبر بشكل جزئى على تصرفات الولايات المتحدة بشكل منفرد فى الشئون الدولية على نحو متزايد. 
ومنذ أوائل السبعينيات، استبدل بنظام بريتون وودز الخاص بأسعار الصرف ثابتة مرتبطة بالذهب وبالدولار الأمريكى نظام أسعار صرف مرن، ولكن أفول شمس نظم بريتون وودز فى عام ١٩٧١ لم يعن نهاية تدويل الدولار وإقامة نظام للديون الأمريكية بالخارج، وبذلك يكون «المعيار الدولارى» الافتراضى - والقائم ضمنيًا فى ربط قيمة الدولار بسعر الذهب - قد «تحرر» من مرجعية الذهب. ومن غير إطار نظام بريتون وودز أصبحت الهيمنة السياسية والثقة هما الشىء الأكثر أهمية. فالعولمة الاقتصادية فى هذا السياق وتدهور البدائل النظامية أسهما أيضًا فى تقوية ترتيبات جديدة. 
فيتناول كتاب «القرن العشرون الطويل.. الاستعمار الاقتصادى الأمريكى لدول العالم الثالث» لثلاثية الهيمنة الأمريكية والتنمية غير المتكافئة والتفاوت العالمى، والكتاب من تحرير جومو كوامى سوندرام، الأمين العام المساعد للتنمية الاقتصادية بالأمم المتحدة، ونقلة من الإنجليزية إلى العربية محمود كامل والصادر عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة، ٢٠١٦، ويُعنى بعواقب التفاوت على التكامل الاقتصادى العالمى فى سياق ما سمى بالإمبريالية الحديثة أو الرأسمالية.
إن هيمنة الدولار الأمريكى كانت تعنى أن النمو الاقتصادى خارج أمريكا يزيد الطلب على أصول بالدولار، وفى حين تزيد البنوك المركزية من المعروض النقدى، فإنها تريد أيضًا أن تحتفظ بمزيد من الأصول الدولارية احتياطيًا لدعم عملاتها. ومع العولمة فإن الارتفاع غير المتكافئ فى تعاملات قصيرة الأجل عبر الحدود يحتاج إلى مزيد من الدولارات لتغطية التعاملات، وبذلك يظل الاقتصاد العالمى وبشكل متزايد رهينة السياسة النقدية الأمريكية، فى حين يحدد البنك المركزى الأمريكى سيولة العالم، وبذلك ينضم الموقف الانكماشى العام للبنك المركزى الأمريكى، مع اتفاق النمو والاستقرار الأوروبى، وسياسة الانكماش النقدى اليابانية التاريخية، وذلك فى مؤامرة على النمو الاقتصادى السريع عالميًا وبشكل ظاهر، لتجنب التضخم المنتظر والمصاحب له. إن ربع القرن الأخير، الذى ارتبط بالعولمة والتحرر، ارتبط أيضًا بانخفاض معدل النمو عن العقود الثلاثة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، وهناك شواهد كثيرة على عدم الاستقرار الاقتصادى العالمى، واتساع فجوة التفاوت الاقتصادى بين دول العالم الغنية من ناحية والفقيرة من ناحية أخرى. وتراجع تدفق المساعدات، وغيرها من التطورات الاقتصادية المتناقضة، وهى جميعًا أحوال تساعد على صعود الشركات العابرة للحدود خصوصا من النواحى المالية. وفى هذا العهد الجديد الذى وصلت فيه الإمبراطورية الأمريكية إلى وضع القوة العظمى الوحيدة فى العالم، يجرى حاليًا إعادة تشكيل كثير من المؤسسات المتعددة الجنسيات، بما فيها نظام الأمم المتحدة، حتى حلف شمال الأطلسى. لقد لاحظ عالم الاقتصاد الأمريكى البارز جوزيف ستجليز، أن صندوق النقد الدولى قد تقدم بإرشادات فى مجال السياسة الاقتصادية فى السنوات الأخيرة قلصت - بلا شك - النمو الاقتصادى التراكمى والرفاه لمئات الملايين من البشر. فقد أسهمت سياسات صندوق النقد الدولى فى اقتصاديات الاتحاد السوفيتى السابق فى واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية فى تاريخ العالم فى التسعينيات، حيث فقدت روسيا أكثر من نصف دخلها القومى. وفى روسيا والبرازيل عام ١٩٩٨ انهارت فى النهاية السياسات التى كان صندوق النقد الدولى يدعمها، مسببة ضررًا اقتصاديًا كارثيًا.