الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مخطط داعش الشيطاني في أفغانستان (ملف)

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظهرت تحذيرات فى الغرب من مخطط «داعش» فى أفغانستان يسير وفق برنامج مدروس، فالتنظيم بدأ الانتشار فى الشريط الإستراتيجي، الذى ينطلق من حدود باكستان فى ولاية ننجرهار وكونر المتلاصقة بولاية نورستان، وهى بدورها تقترب حدودها من محافظة (بدخشان) فى أقصى الشمال الأفغانى المتاخمة للحدود الطاجيكية وحدود الصين، الدولة التى تتخوف من حضور «الدواعش» فى أفغانستان كثيرًا بسبب مما تسميه وجود متطرفين بين المسلمين الصينيين من قومية «الإيغور».
وقالت كيتلين فوريست، الباحثة بمعهد دراسة الحرب فى واشنطن، إن تنظيم «داعش» يريد تحويل منطقة جوزجان، شمالى أفغانستان، إلى محور لوجيستى لاستقبال وتدريب المقاتلين الأجانب من عناصره، مشيرة إلى أن التنظيم الذى هزم فى سوريا والعراق بات يعتبر أفغانستان ملاذًا آمنًا، يستطيع منه التخطيط لاعتداءات ضد الولايات المتحدة. 
وتشكل أفغانستان ذات المحيط المعقد والحدود سهلة الاختراق، أرضًا خصبة للقتال وتدريب التنظيمات الإرهابية منذ فترة طويلة، ففى جنوب شرقها وفى باكستان، درب المسلحون مقاتليهم ضد السوفييت فى ثمانينيات القرن الماضي، كما درب تنظيم القاعدة عناصره على ما سماه «الجهاد العالمي».
وبدورهم، يشكك بعض الأفغان فى قوة «داعش» فى بلادهم، معتبرين أن الحديث عن العمليات الإرهابية ومراكز التدريب فى مناطق الشرق الأفغاني، بمثابة حرب جديدة تقف وراءها دول وشبكات استخبارات كبرى على غرار ما حدث ويحدث فى العراق وسوريا.

التنظيم يستغل صراع طالبان والحكومة لـ«التمدد»
رغم أن شعار «باقية وتتمدد»، الذى رفعه تنظيم داعش الإرهابي، بعد مولده فى عام ٢٠١٤، تعرض لضربة قوية، على إثر هزائمه المتلاحقة فى العراق وسوريا، لكن هذا لا يعنى أن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة، خاصة بعد ظهوره فى أماكن أخرى، تحديدًا فى أفغانستان.
ولعل الأوضاع الأمنية المتدهورة فى هذه الدولة الآسيوية، واستمرار الصراع بين الحكومة وحركة طالبان، يوفر فرصة سانحة للتنظيم، للتمدد هناك، مستغلًا أيضًا طبيعتها الجبلية الوعرة، وسهولة اختبائه، وتنقله من مكان لآخر. وفى يناير ٢٠١٥، بدأ ظهور «داعش» فى مقاطعة «ننجرهار» شرقى أفغانستان، وبالنظر إلى أن التنظيم دأب على إطلاق «ولاية» على المناطق الخاضعة لسيطرته، فقد أعلن عن إقامة ولاية «خراسان» فى أفغانستان على الحدود مع باكستان، بوصفها فرعًا له فى المنطقة، وقام بتعيين حافظ سعيد خان أميرًا لها.
وتعد «ننجرهار» المقاطعة الأفغانية الأشهر التى تمكن التنظيم من السيطرة على المناطق الشرقية منها، بطول الحدود الأفغانية الباكستانية، ورغم ذلك طالب التنظيم بتنفيذ هجمات خارجها عند بداية ظهوره، إلا أن الغارات الأمريكية التى بلغت نحو ٢٠٠ غارة جوية فى ننجرهار وحدها، أدت إلى تراجع «داعش»، خاصة بعد مقتل زعيمه فى أفغانستان حافظ سعيد خان. كما سيطر التنظيم على منطقة كاجاكى فى مقاطعة هلمند جنوبى أفغانستان، التى شهدت صراعًا بين التنظيم وطالبان انتهى بسيطرة الأخيرة عليها.
كما حاول الدواعش السيطرة على بعض الأراضى حول منطقة تورا بورا الجبلية فى ننجرهار شرقى أفغانستان، المعقل السابق لأسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الراحل، فى إطار الصراع بين التنظيمين على زعامة الإرهاب فى العالم، والذى وصل إلى حد التكفير المتبادل بين قياداتهما، وانعكس بالتبعية على ميادين المعارك فيما بينهم، ولا تزال منطقة ننجرهار حاليًا، تشهد العديد من الاشتباكات بين عناصر داعش، من ناحية، وعناصر طالبان وعدد من القرويين المحليين، من ناحية أخرى. 

باحث أفغانى: أعداد المقاتلين تصل إلى 2000 إرهابى 
«الأمم المتحدة»: التنظيم يتواجد فى 25 مقاطعة 
تتضارب الروايات فيما يخص أعداد الدواعش فى أفغانستان، إذ تقول الولايات المتحدة إنها تتراوح بين ٦٠٠ إلى ٨٠٠ مقاتل، ووفقًا لتقديرات المخابرات الأفغانية، فإن هناك ما بين ١٢٠٠ إلى ١٦٠٠ مقاتل من التنظيم ينشطون فى مقاطعة ننجرهار، ويعملون تحت قيادة أبو عمر الخراساني، وغالبية المقاتلين قادمون من باكستان فى المقام الأول من قبائل أوروكزاى وأفريدى الباشتون، التى تعيش فى المنطقة الحدودية الأفغانية الباكستانية، وكانوا أعضاء سابقين فى حركة طالبان باكستان الإرهابية، خصوصًا بعد عملية مكافحة الإرهاب التى شنها الجيش الباكستانى فى يونيو ٢٠١٤، وأدت إلى إجبار أول ١٠٠ من عناصر طالبان الباكستانية على الاختباء فى وادى ماماند، أحد الوديان الثلاثة فى ننجرهار، التى يمكن للمسلحين عبورها على ممرات مشاة من باكستان إلى أفغانستان، لينضموا بعد ذلك للتنظيم الوليد فى ذلك الوقت. 
ويدل على ذلك بطاقات الهوية الوطنية الباكستانية المأخوذة من المسلحين القتلى واللهجات الباكستانية المسجلة، خلال المحادثات التى وقعت فى أيدى الجيش الأفغانى أثناء المواجهات بينه وبين عناصر التنظيم. 
وبدوره، قال بورهان عثمان، الباحث الأفغانى إن أعداد المقاتلين بالتنظيم تصل إلى ٢٠٠٠ مقاتل تقريبًا، مشيرًا إلى أن اختلاف التقديرات الخاصة بأعداد الدواعش ترجع إلى عدم وضوح عدد قتلى التنظيم من ناحية، وحجم التجنيد من ناحية أخرى. كما أن طرد باكستان لمئات الآلاف من الأفغان، ربما يرفع قدرة التنظيم على التجنيد، حيث يبلغ دخل المجند شهريًا نحو ٤٠٠ دولار. 
ووفقا لدراسة أجرتها الأمم المتحدة مؤخرًا، فإن التنظيم يتواجد فى ٢٥ مقاطعة من مقاطعات أفغانستان الـ ٣٤، ولكنها لم تذكر عددهم فى كل مقاطعة، مما يدفع للقول بأن هذا التصور مبالغ فيه.

الضحايا من المدنيين فقط.. ولاتهديد للشرطة أو الجيش
لا يشكل تنظيم داعش تهديدًا كبيرًا للدولة الأفغانية «الشرطة والجيش» بقدر ما يشكل تهديدًا حقيقيًا للمدنيين، إذ يقاتل عناصر التنظيم عن عقيدة، ويفضلون الموت على البقاء، لذا يراهنون على سياسة النفس الطويل، ولذا يتمكن الدواعش من استعادة القرى التى يتم تحريرها منهم، بسبب سياسة النزوح التى يترجمها الجيش على أنها انسحاب منهم واعتراف بالهزيمة، ومن ثم يعلن تحرير القرية، وما هى إلا ساعات أو أيام إلا وتأخذ العناصر الإرهابية استراحة، وتجمع قواها لتشن هجماتها المضادة على القوات النظامية، مما يضطرها للانسحاب وترك القرية للدواعش مرة أخرى.
ومن جرائم الدواعش الوحشية ضد المدنيين ما أصدره التنظيم فى ٥ مارس الماضى من مقطع فيديو لمعقله فى مقاطعة أشين، فى ننجرهار، إذ ظهر فى الفيديو رجلان يركعان أمام المسلحين، الذين يتهمونهما بالعمل كجاسوسين حكوميين، ليلقى أحدهما مصيره «حكم الإعدام» رميًا بالرصاص فى الرأس، والآخر تم قطع رأسه. 
وتعد عملية استهداف الشيعة من أقلية الهزارة من أشهر جرائم التنظيم، إذ أدت لمقتل ٨٤، وإصابة ٣٠٠ آخرين، بالإضافة إلى استهداف السفارة العراقية وسط العاصمة الأفغانية كابول، إذ اقتحم ٣ من عناصر التنظيم الانتحارية بوابة السفارة، ما أسفر عن مقتلهم جميعًا، وأعلن «داعش» بعدها مباشرة مسئوليته عن الهجوم، وهناك أيضًا حادث انفجار قنبلة فى مستشفى عسكرى فى العاصمة الأفغانية، إذ دخل مسلحون يرتدون ملابس طبية إلى المبنى وفتحوا النار، ما أدى إلى معركة استمرت ساعات مع قوات الأمن الأفغانية، أسفرت عن مقتل ٣٨ شخصًا وإصابة العشرات بجروح. 
وتكشف هذه الجرائم البشعة النقاب عن الوجه القبيح لـ«داعش» ونيته إدخال أفغانستان فى حرب استنزاف كبيرة تصل شرارتها إلى الداخل الباكستاني. 
وسائل الاستقطاب والتمويل
رواتب 500 دولار شهريًا... وفتح مراكز التدريب للمرتدين عن طالبان
يعمل التنظيم على تجنيد المهمشين والمحرومين من الشباب، عن طريق وسائل العنف والتخويف تارة، وعن طريق استخدام سلاح المال تارة أخرى، بإغرائهم بصرف رواتب شهرية تتراوح بين ٤٠٠ – ٥٠٠ دولار أمريكي، وهو سلاح لا يتوافر عند حركة طالبان المنافسة للتنظيم، إذ أن الحركة لا تدفع لمقاتليها هذه الأموال.
وتشير العديد من التقارير إلى أن تنظيم «داعش» فتح مراكز التدريب والاستقطاب لمن ينشق عن حركة طالبان فى مناطق الشرق الأفغانى القريبة من الحدود الباكستانية، خصوصًا فى ولايتى (كونر وننجرهار) ذات الأغلبية الباشتونية، وتحدث أهالى هاتين الولايتين عن وجود مسلحين ملثمين فى مناطق بعيدة عن مراكز المدن والبلدات، وأنهم ينفذون عمليات تهجير منظم لسكان القرى النائية فى ولاية ننجرهار شرقى البلاد. 
ومارس التنظيم أنشطته الإعلامية بإصدار مرئيات تحمل شعار «ولاية خراسان»، بالإضافة إلى تدشين محطة إذاعية لبث صوتيات خاصة بمشايخ «داعش» ممن يسمون بالشرعيين، على غرار إذاعة «البيان»، التى تبث عبر الإنترنت، ولكن عبر موجات الـ«إف إم» فى محافظة ننجرهار، وتمكنت من تغطية أخبار المحافظات القريبة، إلى أن تم قصفها من قبل طيران الجيش الأمريكى فى منتصف عام ٢٠١٦، وقتل عدد من العناصر الموجودة داخلها. 
ويتلقى تنظيم داعش أيضا تمويلًا من قيادته المركزية وهو على اتصال بالقيادة فى العراق وسوريا، ولكنه يقوم بالعمليات الصغيرة والمتوسطة دون الرجوع إلى قيادته، إذ لا يحتاج هذا النوع من العمليات لإذن مسبق، بخلاف العمليات الكبرى التى تحتاج إلى قياس رد الفعل جيدًا قبل تنفيذها، ولذلك يشترط فيها الرجوع للقيادة المركزية للتنظيم.
وربما يؤثر تراجع التنظيم الأم فى العراق وسوريا وخسارته ما يقارب الـ ٩٠٪ من مناطق سيطرته، وموارده الاقتصادية ومصادره النفطية ودواوينه الإدارية وقوته العسكرية وثروته البشرية، ربما يؤثر هذا كله على فرع التنظيم فى أفغانستان، لا سيما من الناحية المالية، إذ كان يعتمد فى جزء كبير من تمويله على هذه المصادر.