انتشرت الرهبنة فى مصر وخاصة فى الصحراء الغربية انتشارا كبيرا منذ القرن الثالث الميلادى وخاصة بعد الاعتراف بالديانة المسيحية كديانة ضمن الديانات الرسمية للإمبراطورية الرومانية وتحويل عدد كبير من القلاع والحصون- التى تقع على الدروب والمسالك الفرعية لدرب الأربعين طريق القوافل التجارى الشهير فى ذلك الوقت إلى أديرة، وكانت القوافل التجارية التى تعبر هذه الطرق تمد سكان الأديرة بما يحتاجون إليه فى حياتهم اليومية وايضا تسوق لهم أعمال أيديهم.
ونلاحظ أن هذه الأديرة كانت مقسمة إلى جزءين رئيسيين:
- مكان لسكن الرهبان ومعيشتهم ولعمل أيديهم.
- مكان لاستضافة القوافل التى تعبر هذه المسالك للراحة بعد عناء السفر وبهذا يتحقق هدفان أولهما إتمام الوصية الأنجيلية بإضافة الغرباء وثانيهما التبادل التجارى مع هذه القوافل.
كذلك نلاحظ أنه لا توجد أماكن فى الواحات تخلو من دير أو بقايا دير أو كنيسة، بل إن الأماكن التى ما زالت باقية تشير إلى ازدحام هذه الأماكن بالأديرة بكثافة كبيرة نسبيا تشبه فى ذلك منطقة وادى النطرون شمالى الصحراء الغربية.
مثل ظهور مجموعة من الرهبان فى الصحراء الغربية عندما خرج أحد أثرياء الإسكندرية يدعى فرنطونيوس كان عام ١٥٠م ليتعبد فى صحراء نتريا ومعه حوالى سبعين مسيحيا تقيا.
ومن المؤكد أن الرهبنة والأديرة عموما كانت تقوم بدور نشط مؤثر فى نشر المسيحية، وهذا كان ينطبق على أديرة ورهبان الواحات، فقد كان الرهبان يسهمون فى.
نشر المسيحية: وخاصة أن أديرة الواحات ذات احتكاك مباشر مع القوافل التجارية المتجهة من مصر إلى أفريقيا مرورا بالواحات من خلال درب الأربعين الشهير.
وكانت أديرة الواحات بالرغم من ذلك فقيرة، فنسمع عن أوريجانس أقنوم (رئيس) قلاية دير الأب بامو الذى استدعاه لاستلام كيس النقود من ميلانية الكبيرة وأوصاه أن يقوم بالسفر إلى ليبيا لتوزيعه على الأديرة الفقيرة (أى أديرة الواحات وكانت محسوبة ضمن حدود ليبيا).
وقد كانت الرهبنة فى الواحات معروفة فى ذلك الوقت حيث يذكر أن القديس هيلاريون الذى كان تلميذا للقديس أنطونيوس أنه مر على برارى رهبانية عديدة مع بعض من تلاميذه وذهب إلى برية الواحات الداخلة مرورا بالواحة الكبرى (الخارجة) حيث وجد عددا من المسيحيين المنفيين ومنهم أساقفة الخمس مدن الغربية الذين كانوا منفيين من أجل العقيدة الأرثوذكسية.
- أعمال النساخة والترجمة (وما زال اسم أحد النساخ المشهورين فى الواحات مسجلا على جدار معبد هيبيس بالواحات الخارجة فى الموقع الذى كانت الكنيسة قائمة فيه قبل إزالتها بمعرفة متحف المتروبوليتان فى أوائل القرن العشرين). كان العمل اليدوى أحد الأشياء المهمة والتى لا بد أن يقوم بها الراهب سواء فى قلايته أو مع الجماعة وذلك بغرض اكتفاء الراهب باحتياجاته وللتصدق بجزء منها ولإبعاد حالة الضجر والملل. ونظرا لانتشار زراعة النخيل فى الواحات فقد كانت صناعة السلال هى العمل الرئيسى لرهبان أديرة الواحات، وظلت هذه الصناعة مزدهرة حتى عند السكان المحليين حتى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى، وكان من أشهر الأنواع ما يعرف باللهجة المحلية اسم (الملقون) وهو عبارة عن سلة صغيرة ذات غطاء كان يوضع بها الطعام وتبين أن أصل الكلمة يعود إلى اللغة اليونانية وتعنى (السلة ذات الغطاء). كذلك ازدهرت صناعة الحصر باستخدام نبات السمار الذى كان ولا يزال ينمو بكثرة على مجارى المياه، وأيضًا صناعة الفخار بأنواعه المختلفة، وتوجد بقايا فاخورة (لحرق الأعمال المصنوعة من الطين) بالقرب من حصن صغير فى منطقة البجاوات وهو ما يسميه السكان المحليون طاحونة الهواء وإن كانت ليست بطاحونة بل حصن للرهبان المتواجدين فى مغارة بالقرب منها هربا من الغزاة.
والمنطقة المحيطة بالبجاوات توجد بها عيون رومانية قديمة مما يحتمل أن يكون بعض الرهبان يعملون فى الزراعة وكانت الضرائب التى فرضت على الرهبان وكذلك على النخيل اعتبارا من أوائل القرن الثامن سببا فى هبوط عدد الرهبان وأيضا الغزوات المتكررة التى كانت تأتى سواء من الغرب أو الجنوب وكان الرهبان هم الجزء الأضعف وكذلك أثر على الرهبان الكثبان الرملية المتحركة التى ردمت الأديرة وطمرت عيون المياه.
الرهبنة كانت فى الواحات معروفة فى ذلك الوقت حيث يذكر أن القديس هيلاريون الذى كان تلميذا للقديس أنطونيوس مر على برارى رهبانية عديدة مع بعض من تلاميذه